يضرب في الدهاة تعرض لهم الخيبة عند وقوع البلاء، فلا يستطيعون الانتفاع بدهائهم، والحصيني شديد الذكاء، ولكنه يصاد بكثرة، فيسلخ جلده ويعرض للبيع في الاسواق، فلو كان استطاع الانتفاع بذكائه وسعة حيلته، لسلم على جلده، ويورد هذا المثل تحديا للذين يعتمدون على حيلهم ومكرهم في معالجة الامور، ومن المعروف تاريخيا ان العراقيين من اذكى الشعوب قاطبة، حيث تورد الروايات ان نبي ابراهيم(ع) دعا الله لهم بذلك، فاعطوا ذكاء فائضا، وهذا يدل عليه تاريخهم، فقد سأل عبد الملك بن مروان جمعا من الشاميين سؤالا صعبا، فكان ان اجاب احدهم عليه، فشك به عبد الملك، وقال له: اصدقني القول من الذي هداك الى الاجابة؟ فقال الشامي: ذلك العراقي بجانبي بعد ان ساومني ان تكون الجائزة مناصفة بيننا، فبعث اليه عبد الملك، واعطاه عشرة من الابل، وقال له: اخرج من الشام لئلا تفسد عليّ الشاميين، وكما اسلفنا فان العراقيين يتمتعون بعقول ناصحة جدا، وهم اذكياء بشدة ما جعل من الامر وبالا عليهم، لانهم يحللون ويمحصون ويستقرئون الاحداث اكثر من اللازم، فكانوا على مر العصور طعاما للجبابرة والملوك، ويحكى ان المندوب السامي البريطاني قد نزل في قصر منيف كبير كان قد شيده صهر السلطان العثماني كاظم باشا في منطقة الكريمات، وعند احتلال البريطانيين للعراق، صار القصر مقرا للمندوب السامي، فكان العراقيون يتندرون على المندوب السامي ويسخرون منه ويطلقون عليه ( مختار الكريمات)، حتى نزلت اشعارهم واهازيجهم بهذا اللقب الجديد، فعرضوا به وهو ذو سلطان ونفوذ في جميع دوائر الدولة آنذاك، وكان في كل دائرة مستشار بريطاني، تمر عليه الاوراق قبل مرورها على الوزير، فقال المله عبود الكرخي في احدهم وكان قريبا من هذا المندوب:
( من مختار الكريمات هالمندوب بالشدات
والمذخور للعازات صك هذا الولد جايب)
وهذه نادرة سياسية من نوادرهم المتعددة والتي تستخدم للتعريض بخصومهم، لكن للاسف، فهذا الذكاء وشدة الفراسة لم تمنع عنهم الحيف، حيث عانوا منه طوال عهودهم المظلمة، وكانت اكثر الجلود في الاسواق هي جلودهم.
لا ادري لماذا لم يبتكر العراقيون حتى الان، اسما للتندر على وزارة الكهرباء العاطلة عن العمل، مع العلم انهم ابتكروا لوزارة الزراعة في العهود السابقة اسم وزارة مكافحة الجراد، لكنهم صامتون امام هذه الوزارة التي تحوي كما هائلا من الايدي العاملة وبصفات متعددة، اذكر منهم مديرا كان يعمل معي في احدى الصحف، كان يداوم يوما في الاسبوع ويتقاضى مرتبا عاليا، وهؤلاء كما نقول في الدارجة العراقية يتقاضون مرتبات بصفة( الخاوه) يأخذونها من جيب الشعب العراقي بمساعدة لصوص السلطة، ولماذا هذا الذكاء الخارق لم يهد العراقيين الى توفير جهد الحكومة ورفض هذه الوزارة الشتائية، والمطالبة بوزارة صيفية، حيث لامبرر لوجود الوزارة الحالية في الصيف، ما الداعي لانشاء هذه الوزارة، وما الداعي من الابقاء عليها، فهي تمثل هدرا كبيرا لميزانية الدولة العراقية، سقط صدام والكهرباء موجودة قبل سقوطه بايام، والان وبعد مرور ما يقرب من العشر سنوات، مع انهم صرفوا عليها دم قلب الشعب العراقي وهي مفقودة، الا يستطيع رئيس الوزراء القيام بجولة ليتبين ان ما يصل اليه عن عافية الكهرباء، هو محض كذب وافتراء، وانها عليلة اذا مابقيت بذات الكوادر لعشر سنوات مقبلة، وربما يكون الشعب العراقي ذكيا، لكنه عكس هذه النظرة، اذ ان شلة اللصوص الحالية خدعته، وخرج بناء على دعوات طائفية خادعة هي الاخرى، وتخلى عن ذكائه القديم، فوقع فريسة للهموم ودرجات الحرارة المرتفعة، بعد ان هداه الى هذا المنزلق من هداه، وهو ينظر الى فطنته التي اوردته المهالك.
منقول بتصرف