كان لعالم الكومبيوتر والمخترع، ريموند كروزويل، قدرة عجيبة على التنبؤ بالمستقبل.. لقد تنبأ بأنه مع العام 2000 سيصبح الكومبيوتر قادرًا على هزيمة أفضل لاعب شطرنج في العالم؛ وهو ما تحقق بالفعل عام 1997.
لقد توقع كروزويل أيضًا التطور الهائل لعالم الإنترنت، فقال أنه مع العام 2045 سيكون جهاز كومبيوتر واحد، أكثر قوة من الجنس البشري كله.
توفي كروزويل عام 2005 ولم يكن قادرًا أن يرى نُبوئته تتحقق شيئًا فشيئًا؛ في عالم بدأت فيه التكونولجيا تقوم بالأنشطة التي يمارسها الإنسان يوميًا.
ومع التطور الهائل للروبورتات، يصعب القول أن نبؤة كروزويل الأخيرة مبالغ فيها، خاصًة أنه أثبت براعته في التنبؤ بمستقبل التكنولوجيا بناءً على معدّل تسارعها المستمر.
نحن نعيش بالفعل في عصر يتسارع فيه تطوّر التكنولوجيا بشكل يصعب على كثير من الناس اللحاق بها، فلم يعد هناك وقت للتكاسل والتراخي.. أصبح التعليم متاحًا للجميع في أي وقت وأي مكان وأي تخصص يحلم أي شخص به، من خلال الإنترنت. ومن خلال التكنولوجيا تمكّنا من صناعة أطراف صناعية بالطابعات ثلاثية الأبعاد. وفي المستقبل سيكون الإنترنت قادرًا على نقل أي شيء بدءً من الملابس والطعام وحتى الأطراف الصناعية؛ لأي شخص يحتاج إليها.
هذا العصر المتسارع بجنون، يحتاج لعقول جديدة، قادرة على التكيّف السريع مع المتغيرات التي تحدث كل يوم، والأهم أن تكون قادرة على الإبداع، ورؤية ما وراء اللحظة الراهنة أو السنوات القليلة القادمة، لرؤية الصورة الكاملة، والتخطيط جيدًا لهذا التغيير الذي يرونه قادمًا في المستقبل، حتى تزدهر البشرية مع التغيرات القادمة.

التعليم الشمولي



مع أهمية التفكير الإبداعي المتزايدة والتكيف مع المتغيرات، فبالضرورة سينعكس هذا على مناهج التعليم، القادرة على إنتاج هذه العقول المبدعة والمفكرة. التغيرات السريعة تحتاج لاستراتيجيات تعليم تتكيف معها.
تعتمد فكرة التعليم الشمولي على النظرة الكلية للأمور، وفهم الترابط الذي يجمع الأجزاء؛ فترى جميع العلوم متصلة مع بعضها بخيط رفيع وكل منها يصب في الآخر.. ففي مجال العلوم الطبيعية، عندما تتعلّم الفيزياء ستفهم الكثير عن الكيمياء، وعندما تتعلم الكيمياء ستفهم الكثير عن العلوم ووظائف الكائنات الحية. فجميع العلوم متداخلة، والربط بينها يجعلك تفهم النظرة الكلية بهذا العالم، ولا تنظر لهذه العلوم بصفة جامدة أو مجزر منعزلة.
التعليم الشمولي يكسر الفكرة التقليدية بأنك يجب أن تكون متخصصًا في جزء صغير من فرع بأحد العلوم، وتجهل كل شيء عن أي علم آخر.
لفهم أكثر.. لنأخذ حياة ستيف جوبز نموذجًا.. عندما درس ستيف في شبابه كورس عن الخطوط، استطاع أن يبتكر أول جهاز كومبيوتر يهتم بالجانب الجمالي للخط. عندما استغل جوبز موهبته في التسويق وكاريزمته، أصبحت شركة “أبل” واحدة من أهم الشركات حول العالم، بل أصبح جوبز نفسه أكثر شهرة من ستيف وزنياك، صاحب فكرة الماكنتوش الأول!
لكن التعليم الشمولي يعتمد على بعض المبادئ وهي:

الهدف
نحن بحاجة إلى هدف ودافع قويّ للتعلّم.. دافع أكبر من تحقيق مكسب مادي أو حتى تطوير مهاراتك، وهو أن تكون العلوم والمعارف جميعها لها مغزى وقيمة بالنسبة لك. أن يكون هدفك هو الشغف بالتعليم ذاته، لا تشبع من المعرفة، والاطلاع على كل جديد، لإشباع فضولك في التعلّم.

الحرية
الحرية هنا يعني أنك تستطيع السيطرة على الأسلوب الذي تتعلم به. أنت معلم نفسك، تختار ما تتعلمه بالوسيلة التي تروق لك، في الوقت المناسب لك.



البشر كائنات متفاوتة للغاية، والتعليم الذي يصنع مبدعين يراعي الفروق الفردية والجوهرية بين كل شخص، ولا يلزمك بقالب أو طريقة معينة للتعليم. افهم نفسك جيدًا وخذ وقتك في التجريب والخطأ حتى تصل إلى الطريقة المناسبة لك.

الترابط
سيكون التعليم أسهل كثيرًا عندما تربطه بأشياء مألوف حولك، حتى تسطيع تذكر ما تعلمته باستمرار.
هذه الأشياء قد تكون معلومات سابقة أو حتى أشياء مادية حولك في الواقع أو بعض التواريخ. لا تقلل من هذه العملية لأنها تقوي ذاكرتك، وتجعل المعلومات مترابطة بكل شيء حولك، فيصعب نسيانها، وتثبت أكثر في رأسك.. وكلما أصبحت المعلومات بديهية ولا تبذل جهدًا لتذكرها، أفسحت المجال للعقل كي ينشغل بالإبداع والاستنتاج، وإيجاد روابط خفية بين الأشياء.

التعاطف
الإبداع يكون أكثر قيمة عندما يرتبط بالقدرة على حل المشاكل؛ عندما نرى كيف يؤثر كل ما نفعله في الآخرين ويجعل حياتهم أفضل.
أن تكون مبدعًا يعني أن تمتلك قدرًا من التعاطف مع الآخرين وتفكر في حلول لهم سواء على مستوى مجموعة من الناس أو المجتمع أو العالم. وأيضًا أن تُعلّم غيرك أن يخدموا العالم بإبداعهم.



الهدف من التعليم الشمولي هو ربط الأجزاء والمعارف ببعضها، كي نبتكر حلولًا إبداعية لمشاكل المجتمع، هذه الحلول قد تكون تقديم تكنولوجيا جديدة تجعل حياة الناس أسهل، أو حل المشاكل المستعصية مثل أزمة التعليم أو المياه والطاقة.


لا للتخصصية
هي فكرة أن تهدف جميع الحدود بين العلوم والمعارف المختلفة، وأن تتعلم دائمًا أشياء جديدة بعيدة عن تخصصك الأساسي، ثم تجمعها معًا لترَ كيف يمكن الاستفادة منها.
فالإبداع هو نتيجة الرؤية المختلفة، التي تجمع الأجزاء التي تبدو لأول وهلة ليس لها علاقة ببعضها.
وأخيرًا.. إذا كنت ترى نفسك أحد هؤلاء الشغوفين بالمعرفة، أو يرغبون في أن يكون لهم دور فعّال في هذا العالم المتسارع؛ فقبل أن تفكر في تغيير العالم، عليك أولًا أن تُغيِّر الطريقة التي تفكر أو تتعلّم بها.

المصدر