دائمًا ما نقع تحت حكم الآخرين في أي موقف ومناسبة. المجتمع بطبعه يميل للحكم المتسرع على الآخر، دون تفكير أو تأنِّي. والأدهى أن حكمه المتسرِّع هذا يصبح انطباعًا دائمًا، لا تغيره الظروف أو المواقف.
ليست شخصياتنا فقط التي تقع تحت حكم الآخرين الظالم؛ بل مستقبلنا أيضًا.. فمنذ كُنا صِغارًا تربينا على انتظار التأييد من المجتمع أولًا.. درجاتنا في الامتحان تُحدِدُ ما إذا كُنا سنوصف بالذكاء أو الغباء، التفوق أو الفشل. ورغم أنه شيء يتعلق بنظام التعليم الذي لا يناسب الفروق الفردية بين الطلاب أو يقدم لهم مادة تُحببهم في التعليم؛ ورغم أن معظم العباقرة وصفوا بالفشل في دراستهم؛ إلا أن هذه الصفة التي يُلصقها المجتمع بالأطفال تظل معهم حتى يكبرون، تهتز ثقتهم بأنفسهم، ينظرون لأنفسهم على أنهم أغبياء فعلًا، ينتظرون الثناء من المجتمع حتى يستعيدوا بعضًا من ثقتهم المُهدرة.
ثم تأتي مرحلة ما بعد الجامعة، فننتظر حكم الآخرين أيضًا، نعمل بجدٍ لكي ننال الرضا في مقابلات العمل ونفوز بالوظيفة السامية. ثم ماذا بعدُ؟ قد نظن أننا نعمل على أنفسنا ونطورِّها، لكننا في الواقع نُكيف أنفسنا لتناسب المهارات التي يطلبها المجتمع، حتى نترقي في الفرص المتاحة، ونحصل على راتب أعلى. وهكذا نستمر في الدائرة نفسها.
في هذه الدوامة يجب أن نتسائل.. أين نحن وأين ما نحب حقًا؟ لقد تم سحقه جميعًا لنحظى باحترام المجتمع لوظائفنا ومركزنا الاجتماعي ومظهرنا.

إدمان الثناء




مهما كانت الوظيفة بسيطة أو الدراسة سهلة، فهو شيء مؤسِف حقًا أن تكافح فقط من أجل إرضاء الآخرين. فعندما تبذل عمرك وحياتك من أجل إرضاء المجتمع ستشعر أنك مقيد، تُضحي بسعادتك الحقيقية وطموحك وحلمك من أجل أن تبدو جيدًا في نظر المجتمع. لكن في نظر نفسك، تفتقد حياتك للشغف والإبداع والتجريب، بمعنى أكثر وضوحًا تفتقد الحياة.. الحياة التي تتمنى أن تعيشها دون الاهتمام بمتطلبات المجتمع.
هذا الخوف الدائم من نظرة الآخرين، يجعلنا عالقين في تلك الحالة التي تمنعنا من البحث عن شغفنا، نرضى بكل ما هو مضمون خوفًا من المغامرة أو الفشل.
يقول سكوت هوفمان في مقاله بموقع “Medium” أن البيئة التي نعيش فيها تتسم بالتسارع والتطور الشديد، هذا يجعلنا في سباق محموم من أجل تطوير أنفسنا لنواكب هذا العصر ومتغيراته ووظائفه المتاحة، لكن في المقابل لا نجد الوقت للبحث عن أنفسنا الحقيقية الضائعة، سعيًا وراء الوظيفة والراتب وتأمين الحياة.
لكن الوقت الذي سنقضيه للسعي وراء حلمنا والمغامرة بترك عمل أو دراسة لا نحبها، هو ما يجعلنا ناجحين وأكثر إبداعًا. الإبداع يأتي من الشغف، والشغف هو أن ترى لعملك قيمة ومعنى حتى تبذل حياتك كلها من أجلها. هذا لا يتحقق بالوظائف الروتينية أو محاولة إرضاء المجتمع أبدًا.

ما الذي نفتقده؟



ما نفتقده حقًا في تلك الدوامة، هو الشغف وتحته تندرج العديد من المبادئ التي تجعلنا سعداء وناجحين، مثل اختيار ما تحب، والحماس الذاتي لعملك، والإبداع والابتكار، واحترام الذات والثقة بالنفس، والتفاؤل والأمل في تحقيق حلمك.
الأشخاص الذين يمتلكون هذه الصفات، هم أكثر حظًا في تحقيق حلمهم، والإبداع في العمل بأقل المجهود. هناك من يبذل الكثير من الجهد في عمله لكن لا يحقق النجاح المطلوب، لأنه يفتقد للإبداع أو لحب ما يعمل أو للحماس له. هذه كلها أشياء تجعل العمل بالنسبة لك شيئًا ممتعًا فلا تشعر بالتعب أو الملل لبذل المجهود فيه، وكذلك حبك لعملك يفتح عقلك على التفكير خارج الصندوق.

الحل



ليس الحل أن تترك وظيفتك التقليدية فورًا أو تلقي بمجال دراستك جانبًا، وتجلس في بيتك. ما ستحتاجه هو وقفة مع النفس، لتسألها هل تعرف فعلًا ما تحبه وتريده؟ أم هل سحتاج لتطوير نفسك وتجريب مجالات مختلفة حتى تعْلَم ما تريد؟
في كلتا الحالتين سيتوجب عليك أن تنتزع نفسك من الروتين وتفعل أشياء أكثر قيمة، مثل تعلم شيء جديد، مشاهدة فيلم وثائقي، ممارسة بعض الفنون، أي شيء يعيد تواصلك مع نفسك الحقيقية.
الخطوة الثانية هي أن تكتب الملاحظات حول الأشياء الملهمة بالنسبة لك التي تشعر أنك تحبها أكثر. خذ خطوة أخرى وابدأ في التعمق فيها وتجريبها وتطوير نفسك.
البحث عن الهدف مهمة ليست سهلة، وتتطلب منك الانفتاح على تجارب جديدة والصبر وعدم اليأس حتى تجد ما تحبه، والأهم أن تنصت لقلبك وليس لما يريده منك المجتمع.
وأخيرًا دعني أقول لك أن الشعور بالملل الدائم لا يأتي من فراغ، وليس سببه عدم وجود ما يشغل وقتك، قد يكون لديك عمل أو دراسة أو تخرج مع أصدقائك وتقضي بعض المرح، لكن الملل يسيطر على حياتك بشدة، بسبب افتقادها للمعنى.. معنى الحياة يأتي عندما نفعل ما نحب، وما له قيمة بالنسبة لك وحسب.

المصادر