للأمثال مكانة خاصة في الأدب العربي؛ وهي لا تقل أهمية من الحِكم، بل إن دورها التعليمي التربوي إنما ينشد إلى تقويم ما أغفله الغير والعبرة فيه وأخذ الحذر بمن لم يعتبر، فكان مثالا يحتذى به. إضافة إلى دورها التاريخي التسجيلي، وقد بدأ تدوينها في القرن الأول الهجري [1].

وظهرت كتب عديدة في الأمثال منذ القرن الأول الهجري، واستمر التأليف فيها إلى أن وصل إلى صورته الكاملة في المستقصى للزمخشري ومجمع الأمثال للميداني الذي يحتوي على ستة آلاف ونيف من الأمثال، رجع الميداني في جمعها إلى أكثر من خمسين كتابا من كتب الأمثال التي دونها الأعلام السابقون، مثل أبي عمرو بن العلاء والمفضل بن محمد وأبي فيـد وأبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي والمفضل بن سلمة وغيرهم.

اهتمام الأندلسيون بالأمثال المشرقية:
وقد كان الأندلسيون كثيري الاهتمام بالأمثال المشرقية، فسهروا على ترتيبها وشرحها والتعليق عليها، بل ألفوا فيها كتبا تضاهي ما وصلهم من المشرق. وتعتبر فهرسة ابن خير الإشبيلي (ت 575هـ) أهم مرجع لاستقصاء الكتب المروية في الأندلس في هذا الصدد. ولقد فاق الأندلسيون المشارقة أنفسهم في الاهتمام بكتاب الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام فخدموه بالشـرح والتعليق، والتجريد والتتميم، والاستخدام والتضمين، والترتيب والتبويب. وأول من عني بها هو أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الخشني القرطبي، ثم أدرج هذه الأمثال ابن عبد ربه في كتاب "الجوهرة من الأمثال" من كتابه العقد الفريد، وأبي عبيد البكري في "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال" وأبي بكر محمد بن أغلب بن أبي الدوس المرسي وأبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي في كتابه "نكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال" وغيرهم.

أمثال العوام في الأندلس:
وتفتقت عن الأمثال الفصحى أمثال ذات نزعة إقليمية لها علاقة مسيجة بالرقعة الجغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وهي ما يسمى بأمثال العوام أو العامة.

ولم تزدهر الأمثال الإقليمية الا في العصر العباسي حيث ظهر ما سمي بأمثال العامة وأمثال المولدين أو الأمثال المولدة، وكان بعضها من المستحدث الذي اقتضته البيئة الجديدة، وبعضها الآخر مما انتقل الى العربية من تراث الشعوب الدخيلة كالنبط والفرس والأقباط في شرق الدولة الإسلامية والبربر وعجم الأندلس في غربها.

وأما في الأندلس، فإن نشأة الأمثال الإقليمية فيها كانت مصاحبة لنشأة المجتمع الأندلسي الجديد بعد الفتح الاسلامي، بل يفترض أن يكون الاحتكاك الأول بين الأجناس في جزيرة الأندلس، والصراع بين العرب والبربر ثم بين القيسية واليمنية من دواعي بعض الأمثال، وإن لم تصلنا.

كتاب أمثال العوام لأبي يحيى الزجالي:
وعموما، فإن كتاب "أمثال العوام" لصاحبه أبي يحيى الزجالي هو أول تدوين حقيقي للأمثال العامة في الأندلس، وأكبر كتب الأمثال حجما، فقد بلغت أمثاله 2167 مثلًا. يحتوي الكتاب على سبع وتسعين بابا، بعضها لم يعَـنون لها، كما حدث تداخل بين بعض أبوابه، و هو يشتمل على قدر هام من الاختيارات النثرية والشعرية.

"وقد عرف الأندلسيون بانبعاثهم إلى التأليف في موضوعات سبقهم إليها المشارقة على سبيل المعارضة والمضاهاة. على أنه ربما تعددت البواعث عند المؤلف، وربما كان خروج الأندلس من يد المسلمين أحد العوامل النفسية في تدوين هذه الأمثال". فالزجالي، إذن، دوﱠن مجموعة أمثاله في عصر الموحدين، وهو امتداد للعصر المرابطي وللشراكة الثقافية والسياسية والاجتماعية بين الأندلس والمغرب.

ومن جهة أخرى، تمنحنا هذه الأمثال صورة واضحة عن النخبة السكنية في الأندلس، من عرب وبربر ومولدين ويهود وصقالبة وغيرهم.

كقولهم: عَرَب البـِطاحٌ، يَغٌرَمُ الجـِزٌيَ لليَهودٌ.

وكقولهم في البربر و أهل العدوة:

البربري والفار، لا تعلم ُ باب الدارٌ.

عُطى للبربري شِبرٌ، طَلَب ذِراعٌ.

فقوس البربر، خَشِن حُلُو.

إذا رَيتٌ هلاوي، ادر أنه سلاوي.

أو كقولهم في اليهود:

إذا ريت اليهودي يذم السلعَ، ادر أنه يشتريه.

إذا أفلسَ اليهودي، يفتش دفاتر ِولدُ.

بٌحَلٌ ِربي في شُنوغَ، يَتحرك ويَبزَق.

حَاجَ بقَطاعٌ، يهودي يقضيها.

ِلس يفزَع فرس طبال ِبيهودِ وَراهٌ.

ومن العجيب أن أهل الأندلس لم يتركوا أمرا يمر إلا وضربوا به مثلا يخلده التاريخ.

فعن الفقهاء، قالوا:
خاف الله واتقيه، و لا تِعامل الفقيه.

ِشر فقي: جَيِد ورَخيص.

وعن الكاتب والمحتسب والقاضي ورجل الشرطة:

بقيَة خَليع، اخٌيَر مِن بقية كاتب.

الكاتب المنحوس، يلقى الرقَ من عِندُ.

بَحل محتَسب، يَضرب ويطوفٌ.

بحل مظلوم لباب قاضي.

ما بين قاضي وزامر.

شرطِ بيـﱠـاسة يقتنع بالزِّز.

كما شملت هذه الأمثال أنواعا من الأطعمة، وهو ما يدل على تفنن الأندلسيين في فن الطبيخ:

اعمل الثريد، ونَعمَلك ما تريد.

انتظار المجبنة، اخر من أكلها.

التَمالح قبل الشراب ِطيرة.

مُجبنة الظهر، خَرج نارٌها وَقَل طُلابها.

بالاسبناخ، استغنوا عن الأفراخ.

أش دخل بركوكش في الضيافة.

ويبدو أيضا أن الأندلسيين يمتلكون رصيدا هاما من أمثال الفلاحين، نذكر بعضا منه:

أرياح مَرسٌ، وجوائح أبريل.

إذا ريت الخوخ والرمان، فكر في ثيابك أيها العريان.

إذا ريت التين، أبشر بالطين.

إذا صلح الفول، صلح الكُل.

إذا نَور الغريس، ما يوجد للحر قيس.

إذا جاز أبريل، اعمَل فوق البحر سرير.

خروجك من يَنَير، أَََخيَر من خروجك من العَنصر.

الفول إذا نَور، شهرين يدَوَر.

رَقد مَرس وأبريل، وجا في وقت حِصاد الشعير.

فأبريل، يعتدل المؤخَر والبَكير.

في مايُ، يَعمل كُل أحد برايُ.

فكتوبر، تُكل البلوط ولو كانت خَضر َ.

غدوة مارس، وعشيت أبريل، تِشيب الأسير.

استقلالية الأندلس في الأمثال:
يبدو من تتبعنا لهذه الأمثال، أن الأندلسيين خلقوا فضاء مستقلا لهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تبعيا لأهل المشرق، هذه الاستقلالية هي واضحة، سواء في البنية الزمانية والمكانية للمثل الأندلسي، أو في اللهجة المحلية الخاصة بالأندلس بشكل خاص، أو في المصطلحات التي تفردت بها.

فبعض الأمثلة اعتمدت كنى الأشخاص لارتباطها بحكاية محلية في الأندلس، كما كان معهودا لدى العرب منذ القديم كقولهم "خفي حنين":

أب زيد البارد، خلى عُشيتُ ومات.

أول قتيل أب زيتونة.

مراحل أب زيتونة.

أعمق من بير بن صمادح، الذي وقع فيه الحمار جذَع ووصل للقاع قارح.

أكفر من سَلمَ المغنى الذي باع المصحف واشترى الدف.

أقذر من ولد ناصر الطباخ الذي كان يقتُل القـَـملَ على صُلب المغرفَة ويمسح المغرفة في صُلب الكلب.

أوسع من حمارة أبا شراحيل

إذا مات ابشرايح، أما ترى من الفضايح.

أفقر من قايد شبيوط الذي كان ِيرقع قبطية بقشور البطيخ.

وكذلك نشأت مجموعة من الأمثال حول المدن، والأماكن الأندلسية، وأهلها، على سبيل المثال: ضرب المثل بعامة قرطبة فى كثرة الفضول، وشدة الشغب، والقيام على الملوك، والتشنيع على الولاة، فقيل فيهم:

مثل الجَمَل إن خَفّفت عنه الحِمل صَاح وإن اثقلته صَاح.

وضرب المثل بإشبيلية فى تمكّن التمصر والتمدن فيها فقيل:

لو طُلب لَبَن الطَيّر فى إِشْبِيلية وُجد

وقالوا عن شريش التى اشتهرت بالفطائر المحشوة بالجبن:

مَنْ دخَلَ شريش ولَم يأكل بها المُجبّنات فهو مَحروم.

كما امتدحوا فى الأمثال التين المالقى، وضرب المثل بتطيلة بسبب اشتهارها بالحرث الطيب، وبقلعة لورقة فى المنعة، وبشاطبة فى الحسن.

كما امتدحوا سكن مدينة جَيّان فقالوا:

امدح البُلدان واسكن جَيّان.

واستمر هذا فى أمثال الإسبان بعدهم فهم يقولون A Quien Dios Quiso bien, casa le dio en Jaen، أى من أحبه الله كثيرًا أعطاه دارًا فى جَيّان.

ومن أمثلتهم أيضًا:

أين البرج من تاهرت.

بذا الصفصافه، انكملت رُصافه.

بٌحل وادي شَوش، يرمي الاجراف عَلى روحُ.

ثمار وادي آش، لا ظِل ولا طُعم.

طريان تفتك، وإشبيليَ تَغرم الجُعل.

ذُكرت المدن، فقامت إسِجه تَجن

كشفت وهران والدروب مَربوطَ.

وقد اتخذوا من بعض الأمثال أوعية لمعارفهم المختلفة فى الطب، والفلاحة، والأنواء، وأحوال الجو وغير ذلك، ونذكر على سبيل المثال:

كُل الزيت ولا تمشى لطبيب.

وخاصة مع براعة أهل الأندلس فى صناعة زيت الزيتون المعروفة فوائده العديدة

ليم فى دار أخير من حكيم ولو جار.

والليم هو الليمون ومعناه ان وجود الليمون فى المنزل والذى فيه شفاء كثير من الأمراض مثل نزلات البرد او النزلات المعوية خير من ان يكون لديك جار طبيب.

إذا ريت الضباب أبشر بالطّيَاب.

مَطَر فَبْريلْ خَيْر من فَيْض النَيِل.

وهذه الأمثال تتعلق بالزراعة فهم يعتبرون مثلًا مطر شهر إبريل \ نيسان فيه خير كثير للمزروعات وأفضل من فيضان نهر النيل.

ووردت أمثال أندلسية كثيرة فى السلطان وما يتصل به وهى تتخذ منه موقفًا مشوبًا بالحذر، ويغلب عليها طابع النقد بصفة عامة، وقد صوّرت بعض الأمثال صلة الأمير بالرعية فذكرت انها صلة تقوم على الجور وأن سعادة الأمير تكون على حساب شقاء الرعية، على سبيل المثال:

إذا سَمعت الأمير يغني، ادر أن همومي تَبكي.

إذا ارتفعت المقارع، قَطعَت الكلاب الشَوارع.

من مُلك اُهلِك.

تعليقَة القصرٌ، لا مَسروق ولا محروقَ.

مَن ادهن بِزيت السلطان، اقرَع يَصبَحٌ.

حُمى القَصر، تِرَعد الطواجِن فالفُرٌن.

صفا زَيت الفقراء، في ذِكر الأمراء.

كما أن هناك بعض الأمثال التى تحث على الزهد والحذر من مخالطة السلطان، ومنها:

السُلطان من لا يعرفه السُلطان.

مَنْ ادهَن بِزيت السُلطان أقرع يَصُبَح.

اما الأمثال الواردة فى القاضى فمنها:

افتنا يا قاضى يرحمك الله.

إذا كان القاضى خصيمك لمن تشكى.

أما عن صاحب الشرطة فمن الأمثال الأندلسية التى قيلت فيه:

بحَال شرطى يأكُل معك ويكسر الصحفا فى رأسك.

وهو يصف سوء معاملة رجال الشرطة.

أما عن الأمثال الخاصة بالتعليم مثلًا وضرورة استعمال الشدّة لتعليم الأطفال، فقيل:

ضرب المعلم للصبى كالماء للزرع.

وعنى الأندلسيون بالطبخ وتفننوا فيه، وأخترعوا ألوانًا وأسماءً جديدة له فامتدحوا فى أمثالهم حلوى الإسفنج، والمجبّنات، واللحم، والخضروات، وكانوا مثلًا يفضلون أكل المعجنات المحشوة بالجبن "المجبنات" صباحًا فقالوا:

مُجَبّنَة الظُهر خرج نارها وقل طُلابها.

والمثل الآخر الذى ذكرناه عن مجبنات شريش.

ومن الأمثال الطريفة التى قيلت فى المرأة:

كل بلية سببها ولية.

ومن الأمثال الأخرى عن المرأة:

"ولا يوم الطين؟" تلك العبارة التى نقلت عن المعتمد بن عباد عندما قالت له زوجته اعتماد فى يوم: لم أر منك خيرًا قط، فقال لها ولا يوم الطين؟ فصار مثلًا لأهل الأندلس.

ومن الأمثال الخاصة بالزواج:

ازوج يفتح الله عليك.

ما أطبيب العُرس لولا النفاقة.

زوجنى واضمن لى البخت.

وفى اختيار الزوجة قيل:

"خطبت المرا والمرمّة"، ويقال هذا المثل عن الرجل الذى ابتسم له الحظ وخطب إمرأة تجيد الحياكة.

"المرا مرّاقة زيدا فى صداقا"، قيلت فى المرأة التى تجيد الطهى.

وفى امتداح زوجة الشيخ أو الرجل الذى يكبر زوجته بفارق كبير فى السن قالوا:

زوجة الشيخ مُدلّل وزوجة الصّبى مُهوّل.

وعن من له بنات قيل:

هم البنات للممات.

وفى امتداح التجار قالوا:

صاحب دُكّان ما يحتاج بُستان.

وعن الكساد قالوا:

جالس فى الدُكّان يشرّد الذُبّان.

التلاحم المغربي الأندلسي في الأمثال:
وتجسيد المكان حكمة أخرى لتأكيد الاستقلالية التي تحدثنا عنها آنفا، إذ لا مجال للقول بتسرب مثل هذه الأمثال من المشرق. على أن التلاحم المغربي الأندلسي، في هذا الصدد، أوضح. فكثيرة هي الأمثال التي ما تزال تستعمل بحذافرها في المغرب الأقصى؛ والأصح، أن انتقالا حدث بين العدوتين،كما حدث في المجالات الأخرى، تبنت خلاله الأندلس ما أنتجه المغرب، وتبنى المغرب ما وفد من الأندلس.

بين الأمثال الأندلسية والأمثال الإسبانية:
وقد أحالنا المحقق إلى عديد من المصادر الإسبانية التي اهتمت بالتأثير العربي، في مجال الأمثال، ودرست الصلة الوطيدة بين الأمثال الأندلسية وبينها لدى الإسبان. فإذا كانت الصلة موجودة بين أمثال عامة الأندلس وبين أمثال الفصحى، فذلك لأن الأمثال العربية الفصحى هي الأصل أولا وأخيرا.

وأما الملفت هو هذا التلاحم الموجود في الأمثال الإسبانية، في مثل:

إذا رأيت لحية جارك تنتف، اجعل متاعك فالبال.

Cuando la barba de tu vecino vieres pelar, echa la tuya en remojo.

إذا ريت احمارك يمشي، لا تزيد ُ منخس.

-Caballo que vuela,no quiere espuela.

كما أن بعض الأمثال الأندلسية العامة استوحت بعض مصطلحاتها من اللغة الإسبانية أو اللاتينية، كقول العامة:

اُقل للمُرِجقال َلش تطير بالعَشي قال ِلدار خالتي نمشي.

أش َبندير حَنين مستمَع لو طَنين.

اضاربُ الفلالس، وصَحب الدار جالس

البُلياط أدفى، العسل أحلى.

اتبع القَـلَبق حتى اتعميه.

أش بَرطال ؟ أو أش مراق ُ ؟ أو أش عضَ في ساق ُ؟ [2]

اِش في بَرطال ما يُقدد.

بَرطال في الفُم، خير من وَزَ فالكم.

الفُلوس الجيـد، في البَيضَ يصرُخ.

بين الأمثال الأندلسية والأمثال المصرية:
فهذه الأمثال العامية في الأندلس تقترب من غيرها في الشرق بشكل ملموس، لكنها في غالبية الأحيان فيها ما يبصمها بطابع مختلف. ونجد في الأمثال المصرية ما ذكره المحقق :

المستعجل والبطيء، عند المعدية يلتقي.

ومثله في الأمثال الأندلسية:

الكيـﱢس والبطي، في سَنتَبـِطر يلتقي [3].

دراسة الأستاذ محمد بنشريفة لأمثال الزجالي:
وتعد دراسة الأستاذ محمد بنشريفة لأمثال الزجالي من أهم الدراسات المغربية، ليس فقط لحظها في السبق والريادة، بل لطبيعة الموضوع المحقق الذي لم يناظره، فيما نعرف، أحد من المحققين في أدب الأمثال.

فهو الكتاب الوحيد عن أمثال الأندلس الذي حظي بتحقيق دارس مغربي. والحق أن هذا الأدب، كأدب المقامات، لم يلق من الأندلسيين في كتب المشارقة، والمغاربة على وجه الخصوص، ما ينير بصيرة الباحث في هذا المجال؛ بل وما يعيد لهذا الأدب ماء وجهه الذي أريق بعد ضياع الفردوس، فانمحت ملامحه الأندلسية، أو كادت إلا ما ندر منها. فهذا الكتاب يعيد مجد الأندلسيين في أمثالهم وطبيعة عاميتهم ومظهر حياتهم وسلوكياتهم.

تمتاز هذه الدراسة، أولًا، ببعثها لسيرة الزجالي ( 617 - 694 هـ) [4] بعد أن ظل اسم هذا الرجل غير معروف في مؤلفات كثيرة. فاستنطق المحقق –كعادته- ثنايا النصوص لبناء نسب أسرته ونشأته في قرطبة وحياته بشاطبة ومراكش.

ثم خص المحقق الفصل الثاني، من هذه الدراسة، لكتاب "ري الأوام" الذي استخرج منه الأمثال العامية موضحا موضوعه ومنهجه، وما يتعلق بمحتوياته واختياراته، ووصف لنسخه. ولقد ألف الزجالي كتابه على كبر، "وأغلب الظن أنه مات دون أن يكمل ترتيبه وتبويبه على النحو الذي كان يريد، ومعنى هذا أن "ري الأوام" تركه صاحبه أوراقا مسودة إلى أن جاء من أخرجه وانتسخه بعد وفاته".

ثم تناول في الفصل الثالث "تاريخ الأمثال في الأندلس، الفصحى والعامية". وأورد نماذج سابقة لعمل الزجالي سجلها كل من ابن عبد ربه وابن هشام اللخمي الإشبيلي، ونماذج جاءت بعده لابن عباد الرندي وابن عاصم الغرناطي وابن القفال.

وهو في حديثه عن أصول الأمثال الأندلسية في الفصل الرابع، درس أوجه تأثيرها في الشعر الأندلسي وفي الأمثال الإسبانية والمغربية. قبل أن ينتقل في فصله الخامس إلى استقصاء ملامح المجتمع الأندلسي من خلال الأمثال.

ثم اختتم الفصل السادس بتحليل لغوي وأدبي للأمثال بموازاة تحليلاته السابقة في الجوانب التاريخية والاجتماعية ذلك أنها "تضيف مادة جديدة إلى ما هو معروف حتى الآن من نصوص ووثائق في العامية الأندلسية".

هذا فيما يخص دراسته للأمثال العامية، أما في منهج تحقيقه فقد اطلع المحقق على ثلاث نسخ، أقدمها انتساخا نسخة الخزانة الملكية بالرباط.

والحقيقة أن الكتاب ممتع ومفيد [5]، وقد أضفى عليه مجهود الأستاذ محمد بنشريفة ما يصوب هذا الإمتاع والإفادة من دراسة قيمة ومتوسعة.

وعموما، نخلص إلى القول: إن كتب الأمثال الأندلسية لم تحظ بكبير اهتمام من لدن الباحثين المغاربة، كما لم تحظ كذلك لدى غيرهم من المشارقة. ونعتقد أن ما أنتجه الأندلسيون من المقامات والأمثال كان ضئيل العدد، إذا ما قورن فقط بغيره من فنون الأدب. على أنهم لم يقصروا فيه، وتراثهم سجل لهم في ذلك.

المراجع:
- جوهرة أشيبان: الأمثال الأندلسية بين ندرة الإنتاج وقلة التناول، جريدة بريس تطوان، مارس 2014م.
- داليا راشد: الأمثال العامية في الأندلس، موقع أندلسي.
[1] الزجالي، أبو يحيى، أمثال العوام، تحقيق محمد بنشريفة، فاس، مطبعة محمد الخامس، ص79.
[2] البرطال هو العصفور. وهو في الإسبانية Pardal، السابق نفسه، رقم101.
[3] سنتبطر هي Sanpedro المراد بها في رأي المحقق كنيسة القديس بطرس في روما يؤمها المسيحيون، وفي هذا المعنى المثل الإسباني:
Camino de Santiago,tanto anda el coxo como el sano
[4] هو أبو يحيى عبيد الله الزجالي، ولد بقرطبة سنة 617 أو 618هـ.
[5] زنيبر، محمد: أمثال الأندلس، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، جامعة محمد الخامس، العدد الأول، يناير 1977م، ص251.


قصة الإسلام