صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 11 إلى 17 من 17
الموضوع:

موسوعة الامام الصادق عليه السلام - الصفحة 2

الزوار من محركات البحث: 3294 المشاهدات : 9721 الردود: 16
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #11
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: البصرة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 27,178 المواضيع: 3,882
    صوتيات: 103 سوالف عراقية: 65
    التقييم: 5826
    مزاجي: هادئة
    أكلتي المفضلة: مسوية رجيم
    موبايلي: Iphon 6 plus
    آخر نشاط: 5/August/2024
    مقالات المدونة: 77
    خروجه إلى الشام و ما ظهر فيها من معجزات

    من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر


    - ذكر السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب أمان الاخطار ناقلا عن كتاب دلائل الإمامة تصنيف محمد بن جرير الطبري الامامي ، من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر .
    ذكره بإسناده عن الصادق قال : حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد فقال جعفر بن محمد : الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه ، فالسعيد من اتبعنا و الشقي من عادانا وخالفنا .

    ثم قال : فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي واشخاصي معه فأشخصنا ، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا ، ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا ، وإذا قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم سماطان متسلحان ، وقد نصب البرجاس حذاة وأشياخ قومه يرمون ، فلما دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فنادى أبي وقال : يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض ، فقال له : إني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني ، فقال : وحق من أعزنا بدينه ونبيه محد لا أعفيك ، ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما ، فوضعه في كبد القوس ، ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلا أن قال : أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي ، ثم أدركته ندامة على ما قال .

    وكان هشام لم يكن كنى أحدا قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهم به وأطرق إلى الأرض إطراقة يتروى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له ، فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به ، وكان أبي إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي ، قال له : إلي يا محمد ! فصعد أبي إلى السرير ، وأنا أتبعه ، فلما دنا من هشام ، قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثم اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثم أقبل على أبي بوجهه ، فقال له : يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، لله درك ، من علمك هذا الرمي ؟ وفي كم تعلمته ؟ فقال أبي : قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته ، فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه ، فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت وما ظننت ، أن في الأرض أحدا يرمي مثل هذا الرمي ، أيرمي جعفر مثل رميك ؟ فقال : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه في قوله : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها .

    قال : فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت واحمر وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه ، فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد ؟ فقال أبي : نحن كذلك ولكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره وخالص علمه بما لم يخص أحدا به غيرنا فقال : أليس الله جل ثناؤه بعث محمد من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها من أين ورثتم ما ليس لغيركم ؟ ورسول الله مبعوث إلى الناس كافة وذلك قول الله تبارك وتعالى " ولله ميراث السماوات والأرض " إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمد نبي ولا أنتم أنبياء ؟ فقال : من قوله تبارك وتعالى لنبيه " لا تحرك به لسانك لتعجل به " الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصنا به من دون غيرنا فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله " وتعيها اذن واعية " فقال رسول الله لأصحابه : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي ، فلذلك قال علي بن أبي طالب بالكوفة : علمني رسول الله ألف باب من العلم ففتح كل باب ألف باب ، خصه رسول الله من مكنون سره بما يخص أمير المؤمنين أكرم الخلق عليه ، فكما خص الله نبيه خص نبيه أخاه عليا من مكنون سره بما لم يخص به أحدا من قومه ، حتى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا .

    فقال هشام بن عبد الملك : إن عليا كان يدعي علم الغيب والله لم يطلع على غيبه أحدا ، فمن أين ادعى ذلك ؟ فقال أبي : إن الله جل ذكره أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " وفي قوله : " وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " وفي قوله : " ما فرطنا في الكتاب من شئ " وأوحى الله إلى نبيه أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا ، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فإنه مني وأنا منه ، له ما لي وعليه ما علي ، وهو قاضي ديني ومنجز وعدي .

    ثم قال لأصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي ، ولذلك قال رسول الله لأصحابه : أقضاكم علي أي هو قاضيكم وقال عمر بن الخطاب : لولا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره .



    خروجه إلى الشام و ما ظهر فيها من معجزات

    فيما سأل عنه عالم النصارى في الشام


    فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال : سل حاجتك ، فقال : خلفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي فقال : قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم ، سر من يومك ، فاعتنقه أبي ودعا له وفعلت أنا كفعل أبي ، ثم نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه ، إذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان أناس قعود عدد كثير ، قال أبي : من هؤلاء ؟ فقال الحجاب هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد إليهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم ، فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه وفعلت أنا مثل فعل أبي ، فأقبل نحوهم حتى قعد نحوهم وقعدت وراء أبي ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام ، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي ، فأقبل وأقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا ، وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا ، فقام إليه جميع القسيسين والرهبان مسلمين عليه ، فجاؤوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم ، فأدار نظره ثم قال : لأبي : أمنا أم من هذه الأمة المرحومة ؟ فقال أبي : بل من هذه الأمة المرحومة فقال : من أيهم أنت من علمائها أم من جهالها ؟ فقال له أبي : لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا .
    ثم قال له : أسألك ؟ فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون ؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل ؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث ، قال : فاضطرب النصراني اضطرابا شديدا ، ثم قال : هلا زعمت أنك لست من علمائها ؟ فقال له أبي : ولا من جهالها ، وأصحاب هشام يسمعون ذلك .

    فقال لأبي : أسألك عن مسألة أخرى فقال له أبي : سل .

    فقال : من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل ؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع ، فاضطرب اضطرابا شديدا ، ثم قال : هلا زعمت أنك لست من علمائها ؟ فقال له أبي : ولا من جهالها . فقال له : أسألك عن مسألة ؟ فقال : سل ، فقال : أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار .

    فقال له أبي : هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ، ويرقد فيها الساهر ، ويفيق المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين التاركين لها . قال : فصاح النصراني صيحة ثم قال : بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عن مسألة لا تهدي إلى الجواب عنها أبدا .

    قال له أبي : سل فإنك حانث في يمينك .

    فقال : أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا .

    فقال له أبي : ذلك عزير وعزيرة ولدا في يوم واحد ، فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين عام ، مر عزير على حماره راكبا على قرية بأنطاكية وهي خاوية على عروشها " قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها " وقد كان اصطفاه وهداه فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال ، ثم بعثه على حماره بعينه وطعامه وشرابه وعاد إلى داره ، وعزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه ، وبعث إليه ولد عزيرة وولد ولده وقد شاخوا وعزير شاب في سن خمس وعشرين سنة ، فلم يزل عزير يذكر أخاه وولده وقد شاخوا وهم يذكرون ما يذكرهم ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون والشهور ، ويقول له عزيرة وهو شيخ كبير ابن مائة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شابا في سن خمسة وعشرين سنة أعلم بما كان بيني وبين أخي عزير أيام شبابي منك ! فمن أهل السماء أنت ؟ أم من أهل الأرض ؟ فقال : يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني وهداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شئ قدير ، وها هو هذا حماري وطعامي وشرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان ، فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله وأخاه في يوم واحد .

    فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما وقاموا - النصارى - على أرجلهم فقال لهم عالمهم : جئتموني بأعلم مني وأقعدتموه معكم حتى هتكني وفضحني وأعلم المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا وعنده ما ليس عندنا ، لا والله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت سنة ، فتفرقوا وأبى قاعد مكانه وأنا معه ، ورفع ذلك الخبر إلى هشام .

    فلما تفرق الناس نهض أبي وانصرف إلى المنزل الذي كنا فيه ، فوافانا رسول هشام بالجائزة وأمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا ولا نجلس ، لان الناس ماجوا وخاضوا فيما دار بين أبي وبين عالم النصارى ، فركبنا دوابنا منصرفين وقد سبقنا بريد من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين : محمد بن علي وجعفر بن محمد الكذابين - بل هو الكذاب لعنه الله - فيما يظهران من الاسلام وردا علي ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان من كفار النصارى وأظهرا لهما دينهما ومرقا من الاسلام إلى الكفر دين النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية ، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما ، فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس : برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الاسلام ، ورأي أمير المؤمنين أن يقتلهما ودوابهما وغلمانهما ومن معهما شر قتلة ، قال : فورد البريد إلى مدينة مدين .



    مروره على مدينة مدين ، وما قال لهم بعد إغلاقهم الباب

    فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشروا لدوابنا علفا ، ولنا طعاما ، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا وذكروا علي بن أبي طالب فقالوا : لا نزول لكم عندنا ولا شراء ولا بيع يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي ولين لهم القول وقال لهم اتقوا الله ولا تغلظوا فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما تقولون فاسمعونا ، فقال لهم : فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى والمجوس ، فقالوا : أنتم شر من اليهود والنصارى والمجوس لان هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون ، فقال لهم أبي : فافتحوا لنا الباب وأنزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم ، فقالوا : لا نفتح ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا نياعا أو تموت دوابكم تحتكم ، فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونشوزا قال : فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي : مكانك يا جعفر لا تبرح ، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين وأهل مدين ينظرون إليه ما يصنع ، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة وجسده ، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلا صوته " وإلى مدين أخاهم شعيبا " إلى قوله " بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين " نحن والله بقية الله في أرضه ، فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال والصبيان والنساء ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح ، وأبي مشرف عليهم ، وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلا صوته : اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب حين دعا على قومه ، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم وقد أعذر من أنذر ، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا ، وكتب بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني ، فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله رحمة الله عليه وصلواته ، وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شئ .
    ايضاح : وجدت الخبر في أصل كتاب الدلائل كما ذكر . وقال الجوهري السماطان : من النخل والناس : الجانبان . وقال في القاموس : البرجاس : بالضم غرض في الهواء على رأس رمح ونحوه مولد .

    وفي الصحاح النوع بالضم اتباع للجوع والنائع اتباع للجائع ، يقال رجل جائع نائع ، وإذا دعوا عليه قالوا جوعا نوعا ، وقوم جياع نياع ، وزعم بعضهم [ أن ] النوع العطش والنائع العطشان .

    - تفسير علي بن إبراهيم : أبي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، قال : أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي زين العابدين من المدينة إلى الشام وكان ينزله معه ، فكان يقعد مع الناس في مجالسهم ، فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك ، فقال : ما لهؤلاء القوم ألهم عيد اليوم ؟ قالوا : لا يا ابن رسول الله ، ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم ، قال أبو جعفر : ولا علم ؟ فقالوا : من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى قال : فهلم أن نذهب إليه ؟ فقالوا : ذاك إليك يا ابن رسول الله ، قال : فقنع أبو جعفر رأسه بثوبه ، ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل .

    قال : فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو وأصحابه فأخرج النصارى بساطا ثم وضع الوسائد ثم دخلوا فأخرجوه وربطوا عينه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى ثم قصد أبا جعفر فقال له : امنا أنت أم من الأمة المرحومة ؟ فقال أبو جعفر من الأمة المرحومة ، قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال : لست من جهالهم ، قال النصراني : أسألك أو تسألني ؟ قال أبو جعفر تسألني فقال : يا معشر النصارى رجل من أمة محمد يقول سلني إن هذا لعالم بالمسائل ، ثم قال : يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي ؟ قال أبو جعفر : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، قال النصراني : إذا لم تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي ؟ فقال أبو جعفر : من ساعات الجنة ، وفيها تفيق مرضانا . فقال النصراني : أصبت فأسألك أو تسألني ؟ قال أبو جعفر : سلني قال : يا معشر النصارى إن هذا لمليئ بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا ؟ فقال أبو جعفر : هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط ، قال النصراني : أصبت ألم تقل ما أنا من علمائهم ؟ قال أبو جعفر : إنما قلت لك : ما أنا من جهالهم .

    قال النصراني فأسألك أو تسألني ؟ [ قال أبو جعفر تسألني ] قال : يا معشر النصارى والله لأسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل فقال : سل ، قال : أخبرني عن رجل دنا من امرأة فحملت بابنين جميعا حملتهما ، في ساعة واحدة ، وماتا في ساعة واحدة ، ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد ، فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما ؟ فقال أبو جعفر : هما عزير وعزرة كان حمل أمهما على ما وصفت ، ووضعتهما على ما وصفت ، وعاش عزرة وعزير فعاش عزرة مع عزير ثلاثين سنة ، ثم أمات الله عزيرا مائة سنة ، وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة قال النصراني : يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر .

    بيان : قوله : فربطوا عينيه ، لعلهم ربطوا حاجبيه فوق عينيه كما في الخرائج " فرأينا شيخا سقط حاجباه على عينيه من الكبر " وقد مر فيما رواه السيد " شد حاجبيه " ويحتمل أن يكون المراد ربط أشفار عينيه فوقهما لتنفتحا أو ربط ثوب شفيف على عينيه بحيث لا يمنع رؤيته من تحته لئلا يضره نور الشمس لاعتياده بالظلمة في الكهف .

    قوله : لمليئ : أي جدير بأن يسأل عنه ، ثم اعلم أن قوله ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل والنهار ، لا ينافي ما نقله العلامة وغيره من إجماع الشيعة على كونها من ساعات النهار ، إذ يمكن حمله على أن المراد أنها ساعة لا تشبه سائر ساعات الليل والنهار ، بل هي شبيهة بساعات الجنة ، وإنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة ولطافتها و اعتدالها ، على أنه يحتمل أن يكون أجاب السائل على ما يوافق عرفه و اعتقاده ومصطلحه .

    أقول : قد مر في باب احتجاجه من الخرايج أن الديراني أسلم مع أصحابه على يديه .

    - قصص الأنبياء : بالاسناد عن الصدوق ، عن أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده إبراهيم بن هاشم ، عن علي بن معبد ، عن علي بن عبد العزيز ، عن يحيى بن بشير عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله قال : بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام ، فلما دخل عليه قال له : يا أبا جعفر إنما بعثت إليك لأسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ، ولا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلا رجل واحد ، فقال له أبي : يسألني أمير المؤمنين عما أحب فإن علمت أجبته ، وإن لم أعلم قلت لا أدري ، وكان الصدق أولى بي ، فقال هشام : أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل الغائب عن المصر الذي قتل فيه علي ؟ وما كانت العلامة فيه للناس ؟ وأخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة .

    فقال له أبي : إنه لما كانت الليلة التي قتل فيها علي لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر .

    وكذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى .

    وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون .

    وكذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم .

    وكذلك الليلة التي قتل فيها الحسين .

    فتربد وجه هشام وامتقع لونه ، وهم أن يبطش بأبي ، فقال له أبي : يا أمير المؤمنين الواجب على الناس الطاعة لإمامهم والصدق له بالنصيحة ، وإن الذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطاعة فليحسن ظن أمير المؤمنين ، فقال له هشام : أعطني عهد الله وميثاقه ألا ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت ، فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه ، ثم قال هشام : انصرف إلى أهلك إذا شئت ، فخرج أبي متوجها من الشام نحو الحجاز ، وأبرد هشام بريدا وكتب معه إلى جميع عماله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شئ من مدينتهم ولا يبايعوه في أسواقهم ، ولا يأذنوا له في مخالطة أهل الشام حتى ينفذ إلى الحجاز ، فلما انتهى إلى مدينة مدين ومعه حشمه ، وأتاه بعضهم فأخبره أن زادهم قد نفد ، وأنهم قد منعوا من السوق ، وأن باب المدينة أغلق ، فقال أبي : فعلوها أئتوني بوضوء فاتي بماء فتوضأ ثم توكأ على غلام له ثم صعد الجبل حتى إذا صار في ثنية استقبل القبلة فصلى ركعتين ، ثم قام و أشرف على المدينة ثم نادى بأعلا صوته وقال : " وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أريكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين " ثم وضع يده على صدره ثم نادى بأعلى صوته : أنا والله بقية الله ، أنا والله بقية الله قال وكان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السن وأدبته التجارب وقد قرأ الكتب وعرفه أهل مدين بالصلاح فلما سمع الندا قال لأهله : أخرجوني فحمل ووضع وسط المدينة ، فاجتمع الناس إليه فقال لهم : ما هذا الذي سمعته من فوق الجبل ؟ قالوا : هذا رجل يطلب السوق فمنعه السلطان من ذلك وحال بينه وبين منافعه ، فقال لهم الشيخ : تطيعونني ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : قوم صالح إنما ولي عقر الناقة منهم رجل واحد وعذبوا جميعا على الرضا بفعله ، وهذا رجل قد قام مقام شعيب ونادى مثل نداء شعيب فارفضوا السلطان وأطيعوني واخرجوا إليه بالسوق فاقضوا حاجته ، وإلا لم آمن والله عليكم الهلكة ، قال : ففتحوا الباب وأخرجوا السوق إلى أبي فاشتروا حاجتهم ودخلوا مدينتهم ، وكتب عامل هشام إليه بما فعلوه وبخبر الشيخ ، فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشيخ إليه فمات في الطريق رضي الله عنه .

    ايضاح : قال الجوهري تربد وجه فلان أي تغير من الغضب ، وقال يقال : امتقع لونه إذا تغير من حزن أو فزع .

    أقول : قد مر الخبر بوجه آخر في باب معجزاته .

    مناقب ابن شهرآشوب : أبو بكر بن دريد الأزدي ، باسناد له ، وعن الحسن بن علي الناصر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ، وعن الحسين بن علي بن جعفر بن موسى بن جعفر عن آبائهم كلهم عن الصادق قال : لما أشخص أبي محمد بن علي إلى دمشق سمع الناس يقولون : هذا ابن أبي تراب ، قال : فأسند ظهره إلى جدار القبلة ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ثم قال : اجتنبوا أهل الشقاق ، وذرية النفاق وحشو النار ، وحصب جهنم ، عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، من قبل أن تطمس وجوه فترد على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا .

    ثم قال بعد كلام : أبصنو رسول الله تستهزؤون ؟ أم بيعسوب الدين تلمزون ؟ وأي سبيل بعده تسلكون ؟ وأي حزن بعده تدفعون ؟ هيهات هيهات برز والله بالسبق وفاز بالخصل ، واستوى على الغاية ، وأحرز الخطار ، فانحسرت عنه الابصار ، و خضعت دونه الرقاب ، وفرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي وأعياه الطلب ، فأنى لهم التناوش من مكان بعيد ، وقال : أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا مكان الذي سدوا أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا فأنى يسد ثلمة أخي رسول الله إذ شفعوا ، وشقيقه إذ نسبوا ، ونديده إذ فشلوا ، وذي قرني كنزها إذ فتحوا ، ومصلي القبلتين إذ تحرفوا ، والمشهود له بالايمان إذ كفروا ، والمدعى لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا ، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع لأسرار ساعة الوداع ، إلى آخر كلامه .

    توضيح : أهل الشقاق أي يا أهل الشقاق عن البدر الزهر أي عن سوء القول فيه ، وذخر البحر أي مد وكثر ماؤه وارتفعت أمواجه ، والثاقب : المضئ ، و الصنو : بالكسر المثل وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد ، واللمز : العيب و الوقوع في الناس ، برز والله بالسبق : أي ظهر وخرج من بينهم بأن سبقهم في جميع الفضائل .

    قوله : بالخصل أي بالغلبة على من راهنه في إحراز سبق الكمال .

    قال الفيروزآبادي الخصل إصابة القرطاس وتخاصلوا تراهنوا على النضال وأحرز خصله وأصاب خصله غلب ، وخصلهم خصلا وخصالا بالكسر فضلهم انتهى .

    والغاية : العلامة التي تنصب في آخر الميدان فمن انتهى إليه قبل غيره فقد سبقه ، والخطار بالكسر جمع خطر بالتحريك : وهو السبق الذي يتراهن عليه فانحسرت أي كلت عن إدراكه الابصار لبعده في السبق عنهم ، وفرع : أي صعد وارتفع أعلى الدرجة العليا من الكمال .

    فكذب : بالتشديد أي صار ظهور كماله سببا لظهور كذب من طلب السعي لتحصيل الفضل ، وأعياه الطلب ومع ذلك ادعى مرتبته ، ويحتمل التخفيف أيضا و يمكن عطف قوله وأعياه على قوله كذب ، وعلى قوله رام ، والتناوش : التناول أي كيف يتيسر تناول درجته وفضله وهم في مكان بعيد منها ، أقلوا عليهم أي على أهل البيت .

    قوله : وسدوا مكان الذي سدوا ، لعل المراد سدوا الفرج والثلم التي سدها أهل البيت من البدع والأهواء في الدين أو كونوا مثل الذين سدوا ثلم الباطل ، كما يقال سد مسده ، مؤيده قوله : فأنى يسد ، ويحتمل أن يكون من قولهم سد يسد أي صار سديدا قوله فأنى يسد أي كيف يمكن سد ثلمة حصلت بفقده بغيره .

    والحال أنه كان أخا رسول الله إذ صار كل منهم شفعا بنظيره كسلمان مع أبي ذر ، وأبي بكر مع عمر ، والشقيق الأخ كأنه شق نسبه من نسبه ، وكل ما انشق نصفين كل منهما شقيق ، أي عده الرسول شقيق نفسه عندما لحق كل ذي نسب بنسبه ، ونديده أي مثله في الثبات والقوة إذ قتلوا وصرفوا وجوههم عن الحرب ، أو فشلوا من الفشل : الضعف والجبن .

    قوله : وذي قرني كنزها إشارة إلى قول النبي له لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الجنة وإلى الأمة وقد مر تفسيرها في كتاب تاريخه .

    وقوله : إذ فتحوا أي قال ذلك حين أصابهم فتح أو أنه ملكه وفوض إليه عند كل الفتوح اختيار طرفي كنزها وغنائمها لكونها على يده وعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الجنة يحتمل أن يكون المراد فتح بابها ، ويحتمل أن يكون إذ قبحوا على المجهول من التقبيح أي مدحه حين ذمهم ، والادعاء لنبذ عهد المشركين يمكن حمله على زمان النبي وبعده ، فعلى الأول المراد أنه لما أراد النبي طرح عهد المشركين والمحاربة معهم كان هو المدعى والمقدم عليه وقد نكل غيره عن ذلك فيكون إشارة إلى تبليغ سورة براءة وقراءتها في الموسم و نقض عهود المشركين وايذانهم بالحرب وغير ذلك مما شاكله ، وعلى الثاني إشارة إلى العهود التي كان عهدها النبي على المشركين فنبذ خلفاء الجور تلك العهود وراءهم فادعى إثباتها وإبقاءها والأول أظهر ، قوله : ليلة الحصار أي محاصرة ، المشركين النبي في بيته .



    أحوال أصحابه وأهل زمانه من الخلفاء وغيرهم وما جرى بينه وبينهم

    إنما فاطمة شجنة مني يسرني ما أسرها ، ويسوؤني ما أساءها


    - قرب الإسناد : ابن طريف ، عن ابن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : لما ولي عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة ، قال : فدخل عليه أخوه فقال له : إن بني أمية لا ترضى منك بأن تفضل بني فاطمة عليهم ، فقال : أفضلهم لأني سمعت حتى لا أبالي ألا أسمع أو لا أسمع ، أن رسول الله كان يقول : إنما فاطمة شجنة مني يسرني ما أسرها ، ويسوؤني ما أساءها ، فأنا أبتغي سرور رسول الله وأتقي مساءته .
    بيان : قوله : حتى لا أبالي أي سمعت كثيرا بحيث لا أبالي أن لا أسمع بعد ذلك ، والترديد من الراوي في كلمة أن .



    قصة أعرابي ووليد بن يزيد ، وما قال في مدح علي وفيه بيان

    - العدد : روى أبو الحسن اليشكري ، عن عمرو بن العلا ، عن يونس النحوي اللغوي ، قال : حضرت مجلس الخليل بن أحمد العروضي قال : حضرت مجلس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وقد اسحنفر في سب علي واثعنجر في ثلبه إذ خرج عليه أعرابي على ناقة له وذفراها يسيلان لاغذاذ السير دما ، فلما رآه الوليد - لعنه الله - في منظرته قال : ائذنوا لهذا الأعرابي فإني أراه قد قصدنا ، و جاء الأعرابي فعقل ناقته بطرف زمامها ، ثم أذن له فدخل ، فأورده قصيدة لم يسمع السامعون مثلها جودة قط ، إلى أن انتهي إلى قوله :
    ولما أن رأيت الدهر آلى * علي ولح في إضعاف حالي

    وفدت إليك أبغي حسن عقبى * أسد بها خصاصات العيال

    وقائلة إلى من قد رآه * يؤم ومن يرجي للمعالي

    فقلت إلى الوليد أزم قصدا * وقاه الله من غير الليالي

    هو الليث الهصور شديد * بأس هو السيف المجرد للقتال

    خليفة ربنا الداعي علينا * وذو المجد التليد أخو الكمال

    قال : فقبل مدحته وأجزل عطيته ، وقال له : يا أخا العرب قد قبلنا مدحتك و أجزلنا صلتك ، فاهج لنا عليا أبا تراب ، فوثب الأعرابي يتهافت قطعا ويزأر حنقا ويشمذر شفقا ، وقال : والله إن الذي عنيته بالهجاء ، لهو أحق منك بالمديح ، وأنت أولى منه بالهجاء ، فقال له جلساؤه : اسكت نزحك الله قال : علام ترجوني ؟ وبم تبشروني ؟ ولما أبديت سقطا ، ولا قلت شططا ، ولا ذهبت غلطا ، على أنني فضلت عليه من هو أولى بالفضل منه ، علي بن أبي طالب ، الذي تجلبب بالوقار ، ونبذ الشنار وعاف العار ، وعمد الانصاف ، وأبد الأوصاف وحصن الأطراف ، وتألف الاشراف ، وأزال الشكوك في الله بشرح ما استودعه الرسول من مكنون العلم الذي نزل به الناموس وحيا من ربه ولم يفتر طرفا ، ولم يصمت ألفا ، ولم ينطق خلفا ، الذي شرفه فوق شرفه ، وسلفه في الجاهلية أكرم من سلفه ، لا تعرف الماديات في الجاهلية إلا بهم ، ولا الفضل إلا فيهم ، صفة من اصطفاه الله واختارها .

    فلا يغتر الجاهل بأنه قعد عن الخلافة بمثابرة من ثابر عليها ، وجالد بها والسلال المارقة ، والأعوان الظالمة ، ولئن قلتم ذلك كذلك إنما استحقها بالسبق تالله ما لكم الحجة في ذلك ، هلا سبق صاحبكم إلى المواضع الصعبة ، والمنازل الشعبة ، والمعارك المرة ، كما سبق إليها علي بن أبي طالب ، الذي لم يكن بالقبعة ولا الهبعة ، ولا مضطغنا آل الله ، ولا منافقا رسول الله .

    كان يدرأ عن الاسلام كل أصبوحة ويذب عنه كل أمسية ، ويلج بنفسه في الليل الديجور المظلم الحلكوك ، مرصدا للعدو .

    هو ذل تارة وتضكضك أخرى ، و يا رب لزبة آتية قسية وأوان آن أرونان قذف بنفسه في لهوات وشيجة ، وعليه زغفة ابن عمه الفضفاضة ، وبيده خطية عليها سنان لهذم ، فبرز عمرو بن ود القرم الأود ، والخصم الألد ، والفارس الأشد ، على فرس عنجوج ، كأنما نجر نجره باليلنجوج ، فضرب قونسه ضربة قنع منها عنقه ، أو نسيتم عمرو بن معدي كرب الزبيدي إذ أقبل يسحب ذلاذل درعه ، مدلا بنفسه ، قد زحزح الناس عن أماكنهم ونهضهم عن مواضعهم ، ينادي أين المبارزون يمينا وشمالا ؟ فانقض عليه كسوذنيق أو كصيخودة منجنيق ، فوقصه وقص القطام بحجره الحمام ، وأتى به إلى رسول الله كالبعير الشارد ، يقاد كرها وعينه تدمع ، وأنفه ترمع ، وقلبه يجزع ، هذا وكم له من يوم عصيب برز فيه إلى المشركين بنية صادقة ، وبرز غيره وهو أكشف أميل أجم أعزل ، ألا وإني مخبركم بخبر على أنه مني بأوباش كالمراطة بين لغموط وحجابه وفقامه ومغذمر ومهزمر ، حملت به شوهاء شهواء في أقصى مهيلها ، فأتت به محضا بحتا ، وكلهم أهون على علي من سعدانة بغل ، أفمثل هذا يستحق الهجاء ، وعزمه الحاذق ، وقوله الصادق ، وسيفه الفالق ، وإنما يستحق الهجاء من سامه إليه ، وأخذ الخلافة ، وأزالها عن الوارثة ، وصاحبها ينظر إلى فيئه ، وكأن الشبادع تلسبه ، حتى إذا لعب بها فريق بعد فريق ، وخريق بعد خريق ، اقتصروا على ضراعة الوهز ، وكثرة الأبز ، ولو ردوه إلى سمت الطريق والمرت البسيط ، والتامور العزيز ، ألفوه قائما ، واضعا الأشياء في مواضعها ، لكنهم انتهزوا الفرصة ، واقتحموا الغصة ، وباؤا بالحسرة . قال : فأربد وجه الوليد وتغير لونه ، وغص بريقه ، وشرق بعبرته ، كأنما فقئ في عينه حب المض الحاذق ، فأشار عليه بعض جلسائه بالانصراف وهو لا يشك أنه مقتول به ، فخرج فوجد بعض الاعراب الداخلين ، فقال له : هل لك أن تأخذ خلعتي الصفراء وآخذ خلعتك السوداء وأجعل لك بعض الجائزة حظا ؟ ففعل الرجل وخرج الأعرابي فاستوى على راحلته ، وغاص في صحرائه ، وتوغل في بيدائه ، و اعتقل الرجل الآخر فضرب عنقه ، وجيئ به إلى الوليد ، فقال : ليس هو هذا بل صاحبنا ، وأنفذ الخيل السراع في طلبه فلحقوه بعد لأي ، فلما أحس بهم أدخل يده إلى كنانته يخرج سهما سهما يقتل به فارسا ، إلى أن قتل من القوم أربعين و انهزم الباقون ، فجاؤوا إلى الوليد فأخبروه بذلك ، فأغمي عليه يوما وليلة أجمع قالوا : ما تجد ؟ قال : أجد على قلبي غمة كالجبل من فوت هذا الأعرابي فلله دره .

    بيان : اسحنفر الرجل : مضى مسرعا ، ويقال : ثعجرت الدم وغيره فاثعنجر أي صببته فانصب ، وذفري البعير أصل أذنيها ، وأغذ السير أسرع ، ويقال إلى يؤلي تألية إذا قصر وأبطأ ، والهصور الأسد الشديد الذي يفترس ويكسر ، والزأر : صوت الأسد من صدره ، وقال في القاموس الشميذر : كسفرجل البعير السريع والغلام النشيط الخفيف ، كالشمذارة ، والسير الناجي كالشمذار والشمذر ، قوله نزحك الله : أي أنفذ الله ما عندك من خيره ، قوله وأبد الأوصاف : أي جعل الأوصاف الحسنة جارية بين الناس ، أو بتخفيف الباء المكسورة من قولهم أبد كفرح إذا غضب وتوحش فالمراد الأوصاف الردية ، ويقال قبع القنفذ يقبع قبوعا أدخل رأسه في جلده ، وكذلك الرجل إذا أدخل رأسه في قميصه ، وامرأة قبعة طلعة تقبع مرة وتطلع أخرى ، والقبعة أيضا طوير أبقع مثل العصفور يكون عند حجرة الجرذان ، فإذا فزع ورمي بحجر انقبع فيها ، وهبع هبوعا مشى ومد عنقه وكأن الأول كناية عن الجبن ، والثاني عن الزهو والتبختر ، والحلكوك بالضم والفتح الأسود الشديد السواد . وهو ذل في مشيه : أسرع ، والضكضكة ، مشية في سرعة ، وتضكضك انبسط وابتهج ، والأخير أنسب ، واللزبة الشدة . قوله آتية أي تأتي على الناس وتهلكهم ، وفي بعض النسخ آبية أي يأبى عنها الناس ، قوله : قسية : أي شديدة ، من قولهم عام قسي أي شديد من حر أو برد .

    قوله : آن أي حار كناية عن الشدة ، ويوم أرونان : صعب ، قوله وشيجة أي ما اشتبك من الحروب والأسلحة ، والزغفة الدرع اللينة ، والفضفاضة الواسعة والرماح الخطية منسوبة إلى خط موضع باليمامة ، واللهذم من الأسنة القاطع والقرم : البعير يتخذ للفحل ، والسيد ، والأود الاعوجاج ، والمراد به المعوج أو هو الا رد بالراء والدال المشددة لرده الخصام عنه ، والعنجوج : الفرس الجيد ، واليلنجوج العود الذي يتبخر به ، والقونس أعلى البيضة من الحديد ، وقنعت المرأة ألبستها القناع وقنعت رأسه بالسوط ضربا ، وذلاذل الدرع : ما يلي الأرض من أسافله ، والسود كأنه جمع الأسود بمعنى الحية العظيمة ، إن وكان نادرا والنيق بالكسر أعلا موضع من الجبل ، والصيخورة كأنها بمعنى الصخرة وإن لم نرها في كتب اللغة ، ووقص عنقه كسرها ، والقطام كسحاب الصقر ، ورمع أنفه من الغضب تحرك ، والأكشف من ينهزم في الحرب ، والأميل الجبان والأجم الرجل بلا رمح ، والأعزل الرجل المنفرد المنقطع ، ومن لا سلاح معه والأوباش الاخلاط والسفلة ، والمراطة ما سقط في التسريح أو النتف ، واللغموط لم أجده في اللغة وفي القاموس اللعمط كزبرج المرأة البذية ، ولا يبعد كون الميم زائدة واللغط الأصوات المختلفة والجلبة ، وفقم فلان : بطر وأشر ، والامر لم يجر على استواء ، وغذمره باعه جزافا ، والغذمرة الغضب ، والصخب ، واختلاط الكلام والصياح ، والمغذمر : من يركب الأمور فيأخذ من هذا ويعطي هذا ، ويدع لهذا من حقه ، والهزمرة الحركة الشديدة .

    وهزمره عنف به ، والشبادع : جمع الشبدع بالدال المهملة كزبرج وهو : العقرب ، ويقال لسبته الحية وغيرها كمنعه وضربه لدغته ، والمراد بالخريق من يخرق الدين ويضيعه وكان يحتمل النون فيهما فالفرنق كقنفذ الردي ، والخرنق كزبرج الردي من الأرانب ، والوهز الوطئ والدفع ، والحث ، والأبز : الوثب والبغي ، والمرت : المفازة ، والتامور : الوعاء والنفس وحياتها ، والقلب وحياته ، ووزير الملك ، والماء ولكل وجه مناسبة .

    قوله : كأنما فقئ : أي كأنما كسر حاذق لا يخطئ حبا يمض العين ويوجعها في عينه ، فدخل ماؤه فيها كحب الرمان أو الحصرم ، عبر بذلك عن شدة احمرار عينه ، واللأي : الابطاء والاحتباس والشدة .

    إنما أوردت هذه القصة مع كون النسخة سقيمة قد بقي منها كثير لم يصحح ، لغرابتها ولطافتها .





    تم بحمد الله


    نسالكم الدعاء

  2. #12
    من أهل الدار
    Jeanne d'Arc
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 16,465 المواضيع: 8,043
    صوتيات: 10 سوالف عراقية: 0
    مقالات المدونة: 27
    طبعا لي عودة المضوع طويل شكرا لك الموسوعة ولمجهودك الكبير.. تحياتي لك

  3. #13
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    شكراا لك سالي ولمرورك ... فعلا الموضوع طويل واستغرق عمل 3 ايام بتجميع المعلومات ومطابقتها لمعرفة مدى صحتها وانها خالية من اي تحريف
    وتجميعها من عدة مواقع مختلفة حتى تصبح موسوعة كاملة للامام الصادق عليه السلام ... شكرا مرة ثانية واهلا بك في رحبة الامام الصادق بأي وقت

  4. #14
    صديق فعال
    امير المنتدى
    تاريخ التسجيل: May-2010
    الدولة: من حيث يراني الرب
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 530 المواضيع: 26
    التقييم: 18
    مزاجي: مشغول
    المهنة: طالب اعدادية
    آخر نشاط: 21/December/2010
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى *Harry Potter*
    بارك الله بيج اختي الغالية ع المجهود الرائع

    جعله الله لكي في ميزان حسناتج

    تحياتي

  5. #15
    من المشرفين القدامى
    ابو مـــريم
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: واسط
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 3,430 المواضيع: 220
    التقييم: 329
    مزاجي: متفائل
    المهنة: موظف
    موبايلي: nokia n 8
    آخر نشاط: 8/November/2023
    الاتصال: إرسال رسالة عبر ICQ إلى الصديق إرسال رسالة عبر MSN إلى الصديق إرسال رسالة عبر Yahoo إلى الصديق
    مقالات المدونة: 1
    موسوعة عظيمة جدا بارك الله بك أختي العزيزة
    على الطرح الرائع والمميز
    تحياتي لك وتقييمي على المجهود المبذل
    منك وأتمامك بالموضوع
    يثبت

  6. #16
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *Harry Potter* مشاهدة المشاركة
    بارك الله بيج اختي الغالية ع المجهود الرائع

    جعله الله لكي في ميزان حسناتج

    تحياتي
    شكراا لك هاري على المرور والرد

  7. #17
    صديق مؤسس
    صاحبة الامتياز
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الصديق مشاهدة المشاركة
    موسوعة عظيمة جدا بارك الله بك أختي العزيزة
    على الطرح الرائع والمميز
    تحياتي لك وتقييمي على المجهود المبذل
    منك وأتمامك بالموضوع
    يثبت
    الله يبارك بالجميع .... وشكراا الك على الرد الجميل
    وشكراا لتقيم والتثبيت

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال