روى في الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لا تقولوا رمضان فإنكم لا تدرون ما رمضان ؟ فمن قاله فليتصدّق وليصم كفّارة لقوله ، ولكن قولوا كما قال الله : شهر رمضان
ومن مهمّات السالك في أمر هذا الشهر العظيم معرفة حقه ، وأنّ هذا المنزل أكرم الله فيه السائلين إليه بالدعوة إلى ضيافته ، وهو دار ضيافة الله ، وأن يعرف معنى الصوم ومناسبته بمعنى ضيافة الله ، وأن يجهد بعد هذه المعرفة في تحصيل وجود الإخلاص في حركاته وسكناته على وفق رضا صاحب الدار .
الجوع فيه فوائد للسالك في تكميل نفسه ومعرفته بربّه لا تحصى ، وقد وردت في فضائله أشياء عظيمة في الأخبار لا بأس بالإشارة إليها أوّلاً ثمّ الكشف عن لمّه ، الاشارة إلى حكمته .
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش ، فإنّ
الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وإنّه ليس من عمل أحبّ إلى الله من جوع وعطش .
وقال لأسامة : إن استطعت أن يأتيك ملك الموت وبطنك جائع ، وكبدك ظمآن فافعل ، فإنّك تدرك بذلك أشرف المنازل ، وتحلّ مع النبيّين ، وتفرح بقدوم روحك الملائكة ، ويصلّي عليك الجبّار .
وقال : أجيعوا أكبادكم ، وأعروا أجسادكم لعلّ قلوبكم ترى الله عزّ وجل .
وفي حديث المعراج قال : قال : يا أحمد هل تعلم ميراث الصوم ؟ قال : لا ، قال : ميراث الصوم قلّة الأكل ، وقلّة الكلام ، ثمّ قال في ميراث الصمت : إنّها تورث الحكمة وهي تورث المعرفة ، وتورث المعرفة اليقين ، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح ؟ بعسر أم بيسر ؟ فهذا مقام الراضين ؟
فمن عمل برضاي أُلزمه ثلاث خصال : شكراً لا يخالطه الجهل ، وذكراً لا يخالطه النسيان ، ومحبّة لا يؤثر على محبّتي حبّ المخلوقين ، فإذا أحبّني أحببته وحبّبته إلى خلقي ، وأفتح عين قلبه إلى جلالي وعظمتي فلا أُخفي عنه علم خاصّتي خلقي ، أُناجيه في ظلم الليل ونور النهار ، حتّى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم ، وأُسمعه كلامي وكلام ملائكتي وأُعرّفه سرّي الذي سترته من خلقي ـ إلى أن قال ـ :
وأستغرقنّ عقله بمعرفتي ، ولأقومنّ له مقام عقله ، ثمّ لأهوّننّ عليه الموت وسكراته ، وحرارته وفزعه ، حتى يساق إلى الجنّة سوقاً ، فإذا نزل به ملك الموت يقول : مرحباً بك وطوبى لك ثمّ طوبى لك ، إنّ الله إليك لمشتاق ـ إلى أن قال ـ يقول : هذه جنّتي فتبحبح فيها ، وهذا جواري فاسكنه .
فيقول الروح : إلهي عرّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك ، وعزّتك وجلالك ، لو كان رضاك في أن أُقطّع إرباً إرباً أو أُقتل سبعين قتلة بأشدّ ما يقتل الناس ، لكان رضاك أحبّ إلي ـ إلى أن قال ـ فقال الله عزّ وجل : وعزّتي وجلالي لا أحجب بيني وبينك في وقت من الأوقات حتى تدخل عليّ أيّ وقت شئت ، كذلك أفعل بأحبّائي .
أقول : في هذه الأخبار إشارة وتصريح بحكمة الجوع وفضيلته ، وإن شئت أبسط من ذلك فانظر إلى ما ذكره علماء الأخلاق أخذاً من أخبار الباب من خواصّه وفوائده وقد ذكروا له فوائد عظيمة :
منها : صفاء القلب لأن الشبع يكثر البخار في الدماغ ، فيعرضه شبه السكر ، فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار ، وعن سرعة الانتقال ، فيعمى القلب ، الجوع بخلاف ذلك فيصير سبباً لصفاء القلب ورقّته ، ويهيّئ القلب لإدمان الفكر الموصل إلى المعرفة ، وله نور محسوس ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من أجاع بطنه عظمت فكرته ، وقد سمعت مواريث المعرفة .
ومنها : الانكسار والذل ، وزوال الأشر والبطر ، والفرح الذي هو مبدأ الطغيان فإذا ذلّ النفس يسكن لربّه ويخشع .
ومنها : كسر سورة الشهوات والقوى التي تورث المعاصي وتوقع في الكبائر المهلكات لأنّ أغلب الكبائر تنشأ من شهوة الكلام ، وشهوة الفرج ، وكسر الشهوتين سبب للاعتصام من المهلكات .
ومنها : دفع النوم المضيّع للعمر الذي هو رأس مال الإنسان لتجارة الآخرة ، وهو سبب لدوام السهر الذي هو بذر كلّ خير ، ومعين للتهجّد الباعث لوصول المقام المحمود .