المتاجرة بقضية سافتشينكو والتدليس السياسي والإعلامي
أثار العفو الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن المواطنة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو موجة من المتاجرة السياسية والإعلامية التي تعكس إما تواطأ أو جهلا بالمواثيق الأوروبية.
لقد أجمعت تصريحات القادة الأوروبيين، وقادة حلف الناتو والولايات المتحدة، على مصطلح "المبادلة" بين روسيا وأوكرانيا لمواطنين محكومين من الجانبين، وهو ما يعكس ليس فقط جهلا بالمواثيق والتشريعات الأوروبية الموقعة من جانب روسيا وأوكرانيا، بل وأيضا تواطأ لا يراعي الأخلاقيات والأعراف الإنسانية، ولا النوايا الحسنة من أجل دعم الأطراف المتنازعة في أوكرانيا لخوض مباحثات مباشرة من أجل حقن الدماء في الداخل الأوكراني، وبين أبناء الشعب الواحد.
من الطبيعي أن تصور سلطات كييف على أن هذا انتصار "عسكري" جبار لها على "روسيا التي تسعى لاحتلال أراضيها والعدوان على حريتها واستقلالها". هذا الخطاب طبيعي جدا من جانب كييف التي تواصل استفزازها لا لمواطنيها في شرق البلاد وتنتقص من حقوقهم في المواطنة وفي الحياة، بل واستفزاز لروسيا واستعداء الأوروبيين والأمريكيين ضدها. ولكن المثير للدهشة والتساؤلات أن القادة الأوروبيين والأطلسيين ومسؤولي الولايات المتحدة، والعديد من المؤسسات الدولية التي تحظى بالاحترام، يحاولون تصوير الإفراج عن المحكومين من جانب كل من روسيا وأوكرانيا على أنه عملية "مبادلة"، أو كما ورد في بعض تصريحات الساسة الغربيين ووسائل إعلامهم "تبادل أسرى". ما يعني أن هناك حربا بين موسكو وكييف. وبالتالي، هناك أسرى أو متهمين عسكريين يجب مبادلتهم. ويعني أيضا أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وليس بين كييف وبين الأقاليم الشرقية في البلاد التي تعيش حربا أهلية بامتياز تغذيها الأحلام والطموحات المحلية والغربية لتيارات وقوى متطرفة عقائديا وقوميا.
في الحقيقة، ولكي نضع النقاط على الحروف في إجراء تشريعي برجماتي، ووفقا لرئيسة المجلس الفيدرالي الروسي فالنتينا ماتفيينكو، فقد تم تسليم المجندة الأوكرانية ناديجدا سافتشينكو لأوكرانيا، والتي كانت محكومة بالسجن في روسيا لتورطها في مقتل صحفيين روس في دونباس، كما تم تسليم المواطنين الروسيين، ألكسندروف ويروفييف، لروسيا، واللذين كانا محكومين بالسجن في أوكرانيا بتهمة التجسس، وأن هذا لم يكن تبادلا للأسرى.
وهذا يعني وفق القانون والتشريعات، أن "تسليم ناديجدا سافتشينكو لأوكرانيا، والروسيان ألكسندروف ويروفييف لروسيا قد تم، وحدث هذا على أساس الميثاق الأوروبي بشأن تسليم الأشخاص المحكوم عليهم، والذي صادقت عليه روسيا وأوكرانيا". وأن هذه العملية ليست "تبادلا" كما تحاول التصريحات السياسية الغربية، ووسائل الإعلام تصويرها، لكي ترسخ في الوعي العام أن الحرب تدور بين روسيا وأوكرانيا، وليس في الداخل الأوكراني.
إن موسكو عندما تتخذ مثل هذه الخطوة، إنما تنطلق من كونها إحدى الدول الأعضاء في رباعية "نورماندي" التي ترعى عملية التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية الداخلية من جهة، ومن أجل تشجيع طرفي النزاع الأوكراني من جهة أخرى على خوض حوار حقيقي ومباشر بينهما في إطار اتفاقيات مينسك التي ترعاها روسيا ضمن رباعية "نورماندي". وبالتالي، فخلط الأوراق ومحاولة الزج بروسيا في أي صراع داخلي أو نزاعات داخلية في أوكرانيا، هو شكل من أشكال التواطؤ وعدم الشفافية لتصفية حسابات لا علاقة لها بالملف الأوكراني. فروسيا في نهايسة المطاف ترعى اتفاقيات مينسك، لكي يقوم بتفيذها الطرفان المتنازعان، وليس كما تحاول التصريحات ووسائل الإعلام الغربية تصوير الأمر على أن روسيا تقوم بتنفيذ اتفاقات مينسك.
لقد اتخذت روسيا خطوة حضارية تتوافق مع المواثيق الأوروبية لمساعدة أطراف النزاع في أوكرانيا. وهي أيضا خطوة برجماتية تماما تتوافق مع القانون لاستعادة مواطنيها المحكومين في دول أخرى بعيدا عن الأوهام والعواطف والتصريحات النارية والتسخين السياسي.
أشرف الصباغ
المصدر