قبل أن يعلو صدى أمثال سيدني بواتييه ودينزل واشنطن في سينما هوليوود، كان نشاط الأمريكيين من أصول أفريقية في السينما الأمريكية أمر محدود للغاية. ولم يكن من المألوف أن يشاهد الناس ممثل من أصحاب البشرة السوداء عبر الشاشات المربعة الصغيرة. لكن قصة نجاح لينكولن بيري في اقتحامه عالم هوليوود كانت مثيرة للغاية.


لينكولن بيري .. أول نجم أمريكي من أصول أفريقية في هوليوود
لينكولن بيري (1902-1985)، والذي يُعتبر أول نجم أمريكي من أصول أفريقية، هو أيضًا أول ممثل أمريكي أسود يُصبح مليونيرًا. وكان يستعمل الاسم الفني “Stepin Fetchit”. وُلد لينكولن في كي ويست، فلوريدا، من أب جامايكي وأم من جزر الباهاما. والده، جوزيف بيري، كان يعمل في لف السجائر والطهي وكان يعمل أحيانًا في الرقص والغناء في عروض مختلفة. والدته كاثوليكية متدينة، عملت كخياطة لصالح أسرة طبيب أسنان.
عندما كان لينكولن مراهقًا، قدم عروضًا راقصة وغنائية مختلفة، كما سافر في أرجاء الولايات المتحدة مع الكرنفالات لتقديم العروض حسب الطلب. وفي العشرينيات من عمره، قدم بيري عروضًا مسرحية تحت اسم Black vaudeville. وبعد وصوله إلى لوس أنجلوس في 1920s، اكتشفه مكتشف مواهب من استوديوهات فوكس وعرض عليه اختبار الشاشة الذي نجح به.

خلال حياته المهنية، ظهر بيري في أكثر من 40 فيلمًا، مثل فيلم “القلوب في ديكسي” عام 1929م، وفيلم “الشتاء الصعب” عام 1930م، وفيلم “القاضي الكاهن” عام 1934م. وفي أحد أوائل أدواره عام 1927م في الفيلم الصامت “كنتاكي القديم”، حاز لينكولن بيري على حب الجماهير لدوره الهزلي المتقن. بعد ذلك وقّع مع استديوهات فوكس عقدًا يظهر بموجبه كشخصية رئيسية ومميزة في الأفلام. في الكثير من أفلامه، تظاهر بيري بأنه “أشد الرجال كسلًا في العالم” ليجعل الجمهور يضحك وينال إعجابهم وتقديرهم، ولعب هذا الدور في أكثر من فيلم ما فتح باب الانتقاد ضده.

وكانت ذروة بيري من الشهرة والثروة في 1930s، عندما أصبح مليونيرًا. حيث أصبح بيري الشغل الشاغل وحديث معظم المجلات والصحف المحلية التي تطرقت إلى نمط حياته الباهظة. يُقال أنه امتلك عشرات السيارات (منها سيارة كاديلاك وردية تحمل اسمه في أضواء النيون). كما ارتدى ملابس الكشمير المكلفة، وكان له قرابة 16 خادم وسائق. كما حضر حفلات هوليوود إلى جانب كبار نجوم السينما في ذلك الزمن أمثال ويل روجرز، جون واين، ماي وست، شيرلي تمبل، ولاحقًا، محمد علي.
وخلال ذروة عمله 1930s، اعترض العديد من الأمريكيين (من السود والبيض) وزعماء جمعيات الحقوق المدنية على ظهور بيري في أدوار “الكسول”، وشخصيات أخرى كشخصية أُمّي منعزل، أو مهرج خجول، أو متخبط على غير هدى وغير متماسك. فقد وُجِّه له الانتقاد على تشويهه لصورة السود وإدامة الأفكار العنصرية المعاصرة للسود والأمريكيين من أصول أفريقية بأنهم كسالى، وغير متعلمين، ومهرجين.
في ذلك الوقت، عملت منظمة NAACP الحقوقية المدنية للسود من الأصول الأفريقية على إقناع استديوهات السينما بإعطاء أجور متساوية للممثلين البيض والسود. وحاول لينكولن بيري الحصول على المساواة في الأجور والفواتير من استديوهات فوكس لكنه فشل في ذلك، وترك هوليوود عام 1940م. وفي عام 1947م، كان بيري مفلسًا، وعمل في التمثيل بصورة متفرقة في الفترات 1950s – 1960s و 1970s. وتُوفي عام 1985م في لوس أنجلوس في مستشفى لأعضاء الصور المتحركة وصناعة البرامج التلفزيونية.
وعلى الرغم من أن العديد من وجوه مجتمع السود اعتبروا مساهمات بيري في السينما الأمريكية سلبية، إلا أن البعض الآخر وجد بعد فني في عمل بيري. فقد قال الناقد السينمائي ميل واتكينز: ( أن الأمريكيين الأفارقة فهموا أن طابع شخصيات بيري انبثقت من أصول العبيد السود في مقاومة العمل، وإيجاد النكتة في ذلك).
أما الممثل الكوميدي الأسود جيمي ووكر قال: (أن الطابع الكوميدي المضحك لشخصيات بيري في أفلامه كانت بمثابة أدوار محتالة، فبكثير من الأحيان كانت شخصية بيري أكثر ذكاءً من شخصيات البيض عبر التظاهر بأنه غير كفء للعمل ما يجعل البيض يفقدون صبرهم ويُنجزون الأعمال بأنفسهم).

وبعيدًا عن شخصيته الكسولة في أدواره السينمائية، كتب لينكولن بيري أعمدة منتظمة في صحيفة شيكاجو ديفندر ليُقاسم القراء تجربته في التمثيل في هوليوود. وفي عام 1976م، حصل بيري على جائزة منظمة NAACP الصورية لإنجازاته، كما كان له نجمة على ممشى هوليوود تحت اسم Stepin Fetchit، وهو اسمه الفني. وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة حول إرث بيري في السينما، إلا أن أحدًا لم يُنكر أن الفضل يعود له في فتح الباب أمام الممثلين السود في هوليوود.