يحتفل عالم السينما بمرور 36 عام على عرض لوحة ستانلي كيوبرك السينمائية The Shining والمقتبسة عن رواية ستيفن كينغ الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته، ولسنواتٍ طويلة تم اعتبار هذا الفيلم الأفضل في تاريخ سينما الرعب أو ربما أكثر الأفلام رعباً، فهل ما زال هذا العمل قادراً على المحافظة على لقبه بين جميع الأعمال الحديثة؟
بالطبع.. لم يكن الفيلم فقط طفرة في عالم أفلام الرعب بل في عالم السينما ككل، وبالرغم من عدم إعجاب كاتب الرواية ستيفن كينغ بالفيلم وردود الأفعال السلبيّة الهائلة التي تلقاها الفيلم عند عرضه – بما فيها ترشحه لجائزتي رازي أسوأ إخراج لستالني كيوبرك وأسوأ ممثلة في دور رئيسي لشيلي دوفال – إلا أنه أثبت مع الزمن مكانته الخالدة في قائمة أفضل الأفلام في التاريخ.
قدّم العبقريّ المتمرّس ستانلي كيوبرك كعادته فيلماً مليئاً بالتفاصيل الفنيّة الهائلة، ويمكننا أخذ فيلم The Shining كأفضل مثال على إبداعه الفنيّ وإطاراته السينمائية المميّزة جداً، التي جعلته في نظر العديد أعظم المخرجين في التاريخ، حيث بلغ ذروته الإبداعية عندما انتقل إلى عالم أفلام الرعب من خلال مسيرته “الصغيرة مقارنةً بعدد الأفلام” عام 1980 قبل أن ينتظر 7 سنوات لنشر فيلمه الذي تلاه Full Metal Jacket.
نالت معظم أفلام كيوبرك عند نشرها الكثير من النقد السليّ، ولكن انتهى الأمر بها كواحدة من أفضل اللوحات السينمائية في التاريخ، وما استطاع حتى نقل لوحته المميّزة فيلم The Shining إلى مستوى آخر هو أداء جاك نيكلسون الذي كشف لنا جانباً مظلماً من موهبته التمثيلية الفذة.
لم نشهد منذ حينها أي عمل شبيه بهذا الفيلم، وخاصةً في عالم أفلام الرعب الفقير فنيّاً في السنوات الأخيرة، استفاد بالتأكيد من نظرة ستانلي كيوبرك التي اسفرت عن واحد من أكثر الأفلام المُعقدة في مشاهدها، حتى صُنِعَ وثائقي تحت عنوان Room 237 لتفسير مشاهد هذا الفيلم العبقري، وأضف على ذلك الموسيقى الحديثة التي نالت نجاحاً كبيراً، وهي ثمرة متطورة أضافها كيوبرك بعد تجربته في فيلم الخيال العلمي A Space Odyssey عام 1968.
استفاد فيلم The Shining من تخلصه من عباءة الردائة التي ترتديها أفلام الرعب دائماً، والنظرة السينمائية الزائفة التي ليس لها هدف سوى نشر الرعب دون أي جدوى أو فكرة، ولكن كيوبرك – المهووس بالكمال – استثمر عناصر الرواية “بالرغم من تعديله عليها بطريقة أزعجت الكاتب ستيفن كينغ” وأدار جاك نيسكلون واحد من أفضل الممثلين في التاريخ ليقدّم لنا أداءً من الصعب حتى تكراره في عالم السينما.
لا تهتم أفلام الرعب كثيراً بالتمثيل، وهو علامة فارقة أيضاً في فيلم The Shining، حيث تمحور جزء كبير من العنصر المرعب للفيلم على شخصية “جاك تورينس” التي لعبها جاك نيكلسون في الفيلم، والتي شهدت تطوّراً مثيراً جداً للاهتمام مفقود من معظم أفلام الرعب، فلطالما ما يُهمل صنّاع أفلام الرعب تطوّر الشخصيات، وحتى كانت هذه النقطة رائعة جداً في فيلم The Shining، ونُقِلت أغلب الإضافات المُرعبة في هذا الفيلم عن طريق جاك نيكلسون الذي كان أدائه في الفيلم وحده أفضل من معظم ما شاهدناه في تاريخ أفلام الرعب.
كان الفيلم مثالياً كما هو حال أفلام كيوبرك جميعها، كُلّ لقطة لوحة فنيّة بذاتها – كما يتم الوصف دائماً – ويُعتبر الاستهتار الكبير بالمشاهد أحد أكبر الأسباب التي منعت تكرار هذه الإنجاز مرّة جديدة في عالم أفلام الرعب، فلا روح تقف خلف صنّاع أفلام الرعب في هذه الأيام، وبالنسبة لي أكثر من اقترب لتقديم عمل مُشابه، أي في المستوى الفنيّ والتقنيّ، هو فيلم The Witch الذي بدأ عرضه العام الفائت.
ربما لا يحبّ البعض وصف فيلم The Shining بإنه أفضل أفلام الرعب في التاريخ، ولكنه دون شك من أفضلها، ويحافظ لحدّ الآن بعد 36 سنة من تاريخ عرضه الأول على مكانته الرفيعة جداً في عالم السينما بشكل عام وعالم أفلام الرعب بشكل خاص، ومسألة تكرار عمل مثل هذا بالرغم من تقدّم صناعة السينما ووصولها إلى مركزها الحاليّ، يبقى بجوابٍ سهل ومعروف، لا بالطبع.
فستانلي كيوبرك فريد من نوعه، وربما إذا أختار كريستوفر نولان الدخول إلى عالم الرعب – خليفته المرتقبة – قد نشهد عملاً شبيهاً بفيلم بحجم The Shining، ولكن ليس في السنوات القليلة القادمة على كل حال.
منقول