على مدى القرن الماضي، يُلاحظ أن طول البشر نما بشكلٍ ملحوظ. فالرجال من الدول الغربية والصناعية ازداد طولهم ما بين 7-18 سم عن نظرائهم في منتصف القرن التاسع عشر. فلماذا ازداد طول البشر؟


أسباب زيادة طول البشر اليوم عن القرون الماضية..
العديد من الأدلة القوية تُشير إلى أن أسباب زيادة طول البشر تعود إلى تحسن التغذية وقدرة الجسم على الاستفادة الكاملة من الغذاء عن طريق عدم الإصابة ببعض الأمراض التي تُعيق امتصاص المواد الغذائية المستهلكة. كما أن للبيئة أثر كبير على التأثير على طول الإنسان إلى جانب عوامل أخرى.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة للهياكل العظمية خلال التاريخ البشري أنه وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة في الثقافات خلال أوقات مختلفة من التاريخ، إلا انه من العصر الحجري حتى بداية القرن التاسع عشر رُصدت اختلافات قليلة على ارتفاع الإنسان وطوله بشكلٍ عام.

وتطرقت الدراسة إلى بعض الحوادث والأزمان خلال التاريخ، على سبيل المثال، خلال فترة الموت الأسود في أوروبا (1346 – 1353م)، حوالي 60% من سكان أوروبا أي ما يعادل 50 مليون شخص ماتوا فجأة، وبقى 40% من السكان على قيد الحياة مع فرص أفضل في الحصول على الغذاء وتحسن المعيشة، الأمر الذي ساهم في قلة انتشار الأمراض وتحسن التغذية. ونتيجةً لذلك، خلال القرون الوسطى الـ15 و الـ16 في أوروبا، نما طول الناس نوعًا ما. في الواقع، في إنجلترا، كان الرجل العادي أقصر بحوالي 3.81 سم مقارنةً مع الرجل الإنجليزي هذه الأيام.

وفي القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا، كانت حالة الفوضى التي تعم البلاد كبيرة للغاية، إضافةً إلى الشتاء البارد الذي حد من إنتاج المحاصيل الزراعية، والحرب الأهلية في إنجلترا وعدوان لويس الرابع عشر وحرب الثلاثين عامًا، كل هذه العوامل أثرت على طول الرجل الفرنسي الذي وصل إلى حوالي 162 سم. (فليس من قبيل الصدفة أن نجد الرجال في ذلك العصر ارتدوا الأحذية ذات الكعب العالي)!
وخلال القرن الـ18 وأوائل القرن الـ19، عاش الكثير من الأوروبيين الغربيين في الأحياء الفقيرة القذرة وانتشرت الأمراض ما منع زيادة طول الناس إلى درجات كبيرة. فقد وصل طول الرجال في المتوسط خلال عام 1950م في جميع أنحاء أوروبا إلى حوالي 165 سم. ويُمكن ملاحظة الفرق الكبير في الأطوال في القرن التاسع عشر عند مقارنة طول الطلاب الإنجليز في أكاديمية ساندهيرست العسكرية التي كانت مخصصة للطبقة العليا، فقد كان الطلاب في الغالب ضخام وكان طولهم أكثر بـ 22 سم عن نظرائهم من الطلاب في مدارسة البحرية المخصصة للطبقة الدنيا، بسبب نوعية الغذاء الجيدة المقدمة في المدرسة العسكرية الإنجليزية.

أما عند النظر إلى المجتمع الأمريكي، فقد كان الرجال الأمريكيين أكثر طولًا من نظرائهم في أوروبا خلال عام 1850م بسبب البيئة الغنية بالموارد الطبيعية. فقد وصل طول الرجال بالمتوسط إلى 170 سم. حيث أن المجتمع الأمريكي كان مجتمعًا قائمًا على الزراعة ومن السهل الحصول على مواد غذائية متنوعة.
بدأت الأمور تتغير بعد الحرب العالمية الثانية. ففي نصف القرن الماضي تقريبًا، بقي متوسط الطول الأمريكي هو نفسه تقريبًا، وعلى الرغم من بعض الحالات المتطرفة التي رُصدت في هولندا خلال القرن التاسع عشر مع متوسط طول للرجال 166 سم وللنساء 156 سم، وهو رقم صغير نسبيًا مقارنة بمناطق أخرى في العالم. حيث بلغ طول أطول رجل في هولندا حوالي 183 سم، أما أطول امرأة في هولندا فهي بطول 170 سم. وعلى سبيل المقارنة، بلغ متوسط طول الرجال الأمريكيين 175 سم والنساء 163 سم في نفس الفترة. أما هذه الأيام، فقد ازداد طول الهولنديين بشكل كبير حتى أنهم قاربوا الوصول إلى الذروة في الأطوال بين مختلف الدول.
ومع زيادة أطوال الأوروبيين بالنسبة للأمريكان، يُعتقد أن المعيشة هي ما يُعزى لها في تفوق السكان في أوروبا على سكان الولايات المتحدة. فتحسن الخدمة الصحية الشاملة والسياسات الاجتماعية الأخرى مثل إجازات الأمومة والأبوة والاعتماد على الوجبات الصحية بدلًا من الوجبات السريعة خلال استراحات العمل، كل هذه الأمور ساهمت في زيادة طول الرجل الأوروبي بشكل ملحوظ. ولا ننسى انتشار السمنة بشكل كبير وآثارها السلبية على هرمونات النمو وعملية التمثيل الغذائي ما ساهم في بطء نمو طول البشر في المجتمع الأمريكي