سلسلة الثقافة العلمية من مكتبة الأسرة هي سلسلة تعني بتبسيط المفاهيم العلمية والتكنولوجيا بحيث تصبح في متناول عامة الناس من خلال أطروحات الباحثين والعلماء المتخصصين في فروع العلوم المختلفة، استناداً إلي الفكر العلمي الحقيقي والبحث العلمي الجاد، حتى يقف المتلقي العربي علي أهم ينابيع المعرفة العلمية ويتسنى له أن يتابع بهذا الوعي العلمي المُكتسَب أحدث النظريات العلمية وتطبيقاتها…
تم إصدار الكتاب في عام 2009، أثناء احتفال العالم بمرور مائتي عام علي ميلاد تشارلز داروين، ومائة وخمسين عامًا على صدور كتاب “أصل الأنواع”، وأيضًا بمرور أربعة قرون على استخدام جاليليو لتلسكوبه الشهير في اكتشاف الفضاء ورصد نجومه وكواكبه.
كتاب ثلاث قصص علمية – د. أحمد شوقي
لا أستطيع أن أقول غير أنه كتاب رائع بحق! وعلي عكس الكتب العلمية التي تتسم بالتنسيق الممل، والأسلوب الرتيب، فقد كان هذا الكتاب مشوِّقاً ومكتوباً بلغة سلسة وممتعة.
اشتريت هذا الكتاب بجنيهات يسيرة من معرض الكتاب 2016، تحديداً من مكتبة الأسرة لكنّه أعطاني علماً يقدّر بمئات الجنيهات…
أي قارئ نَهِم يعرف كم تكون المقدمة مملة في معظم الكتب، لكن في هذا الكتاب كانت ممتعة جداً، تقريبًا كانت هي السبب في إكمالي لقراءة الكتاب بهذا الحماس.
قصة البيولوجيا
لقد بدأ الكاتب بتمجيد علم البيولوجيا واقترح بأنه أول المهن التي عمل فيها الإنسان، ذلك بالطبع أن المؤلف يشتغل في البيولوجيا، وأظن أن الفيزيائي سيقول نفس الشيء بأن الفيزياء هي أول المهن، وكذا الكيميائي ورجل الأعمال وعالم الدين!
مع إنني لا أحب البيولوجيا (ما عدا بعض القضايا كالتطور والحفريات) إلا إنني استمتعت كثيرًا بالجزء الأول من الكتاب – قصة البيولوجيا وما تحتويه من تاريخ موجز لهذا العلم، نظرة الطائر التي برع فيها الكاتب بأسلوبه البسيط، بالإضافة إلي الفلسفة في أخلاقيات البيولوجيا، وهذا النوع من الفلسفة يهتم بمناقشة قضايا الهندسة الوراثية وهل يجوز تعديل جينات الأطفال وراثياً لزيادة الذكاء أو الجمال؟! واليوجينا التي تريد أن تحسّن السلالة البشرية عن طريق القضاء علي البشر الأغبياء كي يصبح الجنس البشري كله ذكيّ، وغيرها من الأمور الهامة.
قصة التطور
في لقاء لاتحاد تقدم العلوم تساءل ولبرفورس ساخراً عما إذا كان هكسلي ينتسب من جهة جده أو جدته إلي القرود، وأكد هكسلي أنه لا يخجل من انتسابه إلي القرود، فذلك أفضل من الانتساب إلي رجل يتكلم عن شيء لا يفهمه!!! ومع ذلك، ظلت “حكاية القرد” تلاحق الاختزال الشعبي لنظرية التطور حتى الآن.
حسنا بالنسبة للتطور، فقد قرأت كثيراً عنه وشاهدت العديد من المحاضرات والمناظرات التي تناقش هذه النظرية المثيرة للصداع سواء بالقد والتكذيب أو بالمدح والتمجيد لكن أعتقد أنني لن أكوِّن رأياً واضحاً عنها قبل أن أردسها درساً منهجيَّاً، ثم أدرس الاعتراضات – العلمية بالطبع – الموجّهة لها…
أما إذا واظبت علي هذا المنوال فببساطة سأقتنع بالجانب الذي أصغى إليه أكثر.
أعجبني جداً الفصل الخاص بالحوار “المتخيَّل” بين داروين والتمساح العجوز، فبرغم من أن الفكرة تبدو سخيفة لأول وهلة، إلا إنه كان حواراً ممتعاً ومثمراً خصوصاً وأنه قد جمع كل ما قاله المؤلف في القصة الثانية – التطور ، فقد اختزل العديد من القضايا العلمية والاجتماعية الهامة في هذا الحوار الصغير.
لكن لا أعتقد أن هذه كانت الطريقة التي يتحدَّث بها داروين، وأظن أن من قرأ أية رسائل أو تدوينات لداروين سيوافقني الرأي… أيضاً لا أظنه يهتم كثيراً بالسياسة كما أظهره المؤلف في الحوار المتخيَّل.
والحقيقة إنني أعتقد أن التطور لم يظلم من رافضيه فقط، ولكن من أشدّ مؤيديه. وإذا كانت الركيزة الأساسية للجدال والانقسام تتمثل في علاقته بالدين، فإن موقف الرافضين يمكن تبريره؛ لأنهم يخافون على إيمانهم. وكمؤمنٍ مثلهم، أري أن هذا حقهم. أما المؤيدون، الذين يغالون في الربط بين التطور ومواقفهم الإلحادية واللادينية، فهم يضرون بالعلم، ويشتركون مع المؤمنين في خلط الأوراق بين منهجين مختلفين: منهج الدين ومنهج العلم.
قصة الوراثة
في افتتاح الجزء الأخير من الكتاب، ذكر المؤلف اقتباسا لصديقه الأمريكي:
في قصة الوراثة، تكلم المؤلف عن دور القدماء المصريين والعرب في علم الوراثة، ولقد سعدت لإنه لم يقل بأنهم أنشأوا هذا العلم – كما في قصة البيولوجيا – وإنما اكتفى بالإشادة بدورهم المحترم فقط.
ناقشَ أيضاً النزاع الوراثي ودور كلا من الذكر والأنثى في تحديد الخصائص الوراقية للنسل، هذا الصراع الذي بدأ بأفلاطون وأرسطو مروراً بتوماس الإكويني وليوناردو دافينشي وداروين إلي أن تم استخدام الميكروسكوب وتم فض النزاع لصالح الرجل.
تكلم المؤلف قليلاً عن حياة جريجور مندل، هذا الراهب الذي نشأ في ظروف صعبة وساعدته أخته مادياً، وسقط في اختبارات تدريس العلوم، بالإضافة إلى أنه كان يدخن عشرين لفافة تبغ يومياً!! هذا الرجل أسس علماً قادنا إلي الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية بكل تطبيقاتهما وقضاياهما.
من القصص اللطيفة المتعلقة بعلم الوراثة التي ذكرها المؤلف:
يحكي أن طبيباً سأل زميله قائلاً:
أب مصاب بالزهري وأم مصابة بالسل، أنجبا أربعة أطفال، الأول أعمى ومات الثاني وكان الثالث أصم أبكم، أما الرابع فقد أصيب بالسل. والأم الآن حامل. بم تنصحها؟
قال الزميل: لا أتردد في نصحها بالإجهاض.
رد الطبيب معقبا: لتكون بذلك قد قتلت بيتهوفن!!!
من الأشياء الرائعة التي جعلت منه كتاباً ممتعاً هي أنه مليء بالصور المثيرة ولو أنها كانت بالأبيض والأسود – نظراً لثمن الكتاب.
وإنه لمن المثير للاهتمام والدهشة – ورود جملة “الله ورسوله ص” في كتاب علمي بحت بدون مهاجمة العلم أو معاداة الدين، خصوصًا وأن الكاتب “مقتنع” بالتطور “كأفضل تفسير يقدِّمه العلم حتي الآن” علي حد قوله، فهنا يظهر لنا تفرّد هذا الكتاب عن سائر الكتب العلمية.
مع نهاية الجزء الأخير من الكتاب، لا أشك لحظة بأن المؤلف قد أعطى كل ما عرفه وتعلمه عن علم البيولوجيا في هذه “الكراسة” – علي حد تعبيره.
منقول