عندما تواجهك الصعوبات وتفرض عليك اتخاذ قرار قد يُحدد مصير موسمك، فأنت تبحث عن الهدوء في خضم الضوضاء، تحاول الانعزال، الانتقال بالزمن لحظات، لتتمكن من تحريك حجر الشطرنج خطوتين الى الأمام. آلة الزمن في فيسينتي كالديرون كانت آندريس انيستا والرجل المُسافر عبرها كان لويس انريكي.
ليس سهلاً تحقيق ثنائية محليّة لموسمين متتالين، حتى وإن كنت تملك فريقاً كبرشلونة. مباراة نهائي كأس الملك أمام إشبيلية كانت أشبه بفيلم مُصغّر عن موسم النادي الكتلوني: المُرشّح الأول في جميع المباريات وعلى جميع البطولات، الفريق الذي واجه ظروفاً أدت الى تعثّره، والرجال الذين استدركوا هفواتهم أو ظروفهم وحققوا المطلوب في الوقت المناسب - حتى وإن كان في اللحظات الأخيرة، ليرفعوا في النهاية كأساً جديدة ويمشوا في مسيرة إحتفالية أخرى.
مباراة اشبيلية كانت ملخصاً للموسم برمّته، طرد خافيير ماسكيرانو وإصابة لويس سواريز، الضغط العالي من الخصوم وشبح اتلتيكو في الكالديرون الذي تقمّصه اشبيلية في اسلوب اللعب والذي كاد ان يُعرّض برشلونة لإقصاء جديد.. كلها مشاهد عادت الى الأذهان أمس.. الا ان مُخرج ومساعده عرفوا جيداً كيف يتفننون في اللقطة الأخيرة.. من انيستا الى انريكي.
كيف تمكن انريكي من الفوز بكأس اسبانيا؟
لم يتوقع انريكي ان يضطر للعب شوط ونصف بكتيبة منقوصة من ماسكيرانو ولويس سواريز. اللاعبان الأكثر تألقاً في تشكيلته بالمنطقتين الخلفية والامامية، هو أكثر سيناريو مشؤوم لم يخطر بباله أثناء التحضير للمباراة.
طُرِد ماسكي في الدقيقة 34 بعد تدخلّ وشد على كيفين غاميرو الذي كان متوجهاً صوب المرمى منفرداً بوجه الحارس تير شتيغين – الألماني الذي لم يُرد له ماسكيرانو هذه المواجهة، ربما لعدم الثقة الكاملة من الأرجنتيني بالألماني في هذا الموقف، هو المعتاد على كلاوديو برافو في الحراسة، وقع في "أبغض الحلال".. فكيف تصرّف انريكي؟
وقف الى جانب مساعده خوان كارلوس اونزوي (حارس إشبيلية السابق) وقررا التمهّل حتى بداية الشوط الثاني. أعطى نفسه مهلة التفكير في تبديل قد يُبدّل مسار موسمه بأكمله:
هل يُعيد سيرخيو بوسكيتس الى الدفاع الذي بات مكوناً من جوردي البا جيرارد بيكيه وداني الفيش؟ كلا. بوسكيتس بطيء دفاعياً خصوصاً انه سيضطر لمواجهة السريع غاميرو، 45 دقيقة لبوسكيتس في الدفاع هي أمر لن يقدر عليه الاسباني، كما انه لن يُخاطر بإخلال التوازن في وسط الميدان المكون من راكيتيتش واندرس انيستا.
تم إدخال المدافع جيريمي ماتيو، أحد أسرع اللاعبين في الدوري الاسباني والذي يُتقن اللعب بقدمه اليُسرى –الأمر الذي لا يُسلّط الضوء عليه كثيراً- لكن هذه المرة ليس بدل الجناح الأيسر جوردي ألبا الذي أبقي عليه وتم إخراج ايفان راكيتيش، ليُبقي انريكي 4 في الدفاع مع البا والفيش المتقدمين ويُرجع ليونيل ميسي الى الوسط رفقة انيستا ورافينيها الذي دخل بدلياً للويس سواريز المُصاب.
خطوة لم تُخل بتوازن الفريق بل أعطته تفوقاً رغم النقص. فأتى الهدف الأول من تمريرة ليو السحرية من وسط الملعب الى ألبا المنطلق سريعاً على الجهة اليُسرى، دون أي إخلال في وسط الميدان أو الجهة الخلفية.
كأس الملك تفوز باندريس انيستا
نهائي جديد يُتوّج خلاله بلقب رجل المباراة، بعد ان كان الأفضل في نهائي اليورو ونهائي كأس العالم ودوري الأبطال ها هو اليوم بطل نهائي الكوبا. بالتخصص يفعلها انيستا، بالرقي يجعل خصومه يقفون لتحيته، القائد رفع أمس لقبه الرابع منذ رحيل تشافي هيرنانديز، وعرف ان يُعطي لشارة القيادة في برشلونة بُعداً جديداً: التحفيز من خلال اللعب الجميل، تذكير زملائه بانهم "برشلونة" عندما لم تكن مجريات المباراة لصالحهم. مراوغة تلو الأخرى، تميرية بالكعب، تمركز وصلابة راقية.
ايضاً مباراة اشبيلية بالنسبة لانيستا كانت فيلماً مصغراً عن مسيرته، أبدع كل الابداع، سُمي رجل المباراة، الا ان الأنظار مرة اخرى توجّهت صوب ليونيل ميسي الذي تمكن من إعطاء تمريرتين حاسمتين ساحرتين لهدفين أمّنا الثنائية.
ظُلم انيستا كثيراً بوجود ميسي، ومحظوظ برشلونة اكثر بوحود هذا الثنائي.
في ال32 من العمر وجود انيستا أكثر ضرورة من اي وقت مضى في كتيبة انريكي، تُلاحظ هذه الحقيقة بتأثر مستوى ايفان راكيتيتش بجوار "الدون" وبالخبرة التي يتشرّب منها سيرجي روبيرتيو، غومباو وسيرجي سامبر. وجوده كرمز لبرشلونة والمنتخب الاسباني داخل الفريق يُعطي البلاوغرانا بُعداً كبيراً، وكأنه الممثل الشرعي للفلسفة التي أدخلت النادي عصره الذهبي.
الأفضل من ميسي؟ ميسي نفسه
بالأرقام وليس بالشعر: ميسي منذ موسم 2009 حتى موسم 2016 هو اكثر من خلق فرصاً سانحة للتسجيل من تمريرات طولية: مجمل الفرص وصل عددها الى 493 منها 127 من تمريرة طولية كالتي نُشاهدها طوال الموسم.
وللتأكيد على نجاعة تمريراته الطولية وتحويل هذه الفرص الى أهداف، فلنلقِ نظرة على معدل الأهداف المسجلة من فرص التمريرات الطولية: 27% أي 44 تمريرة حاسمة من 127 فرصة عبر تمريرة طولية و معدل أهداف 14 % من فرص عادية غير ناتجة عن هذه التمريرات 67 تمريرة حاسمة من 474 فرصة.
حقيقة أخرى يجب الاضاءة عليها بقدر الاضاءات التي تمت وقت الاخفاقات المتتالية لبرشلونة في شهر ابريل وهي ان النادي لم يتلقَ اي هدف منذ خسارته الأخيرة امام فالنسيا مسجلاً 28 هدفاً وحاسماً لقبين.
حقيقة أخرى ان لويس انريكي عادل رقم بيب غوارديولا: 7 ألقاب في موسمين، بمعدل لقب كل 17.4 مباراة مع برشلونة.
حقيقة ثالثة أخرى ان ليونيل ميسي عادل رقم الأسطورة بيليه بعدد الألقاب واصلاً الى اللقب رقم 30 له مع النادي الكتلوني.
حقيقة أخيرة برشلونة النادي الوحيد في اسبانيا الذي تمكن من الحفاظ على ثنائية محلية في العقدين الأخيرين.