لزمنٍ طويل، حاول العلماء والباحثون عزل أنسجة بشرية لأهداف الدراسة المختلفة، لكن الأنسجة كانت سرعان ما تموت بعد أن تصل إلى حد معين من الانقسام ويعود الباحثون إلى نقطة الصفر مجددًا، لكن ما حصل عام 1951م، كان معجزة طبية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فخلايا هنريتا لاكس التي تُوفيت في ذلك العام بقيت حية حتى اليوم وتنقسم باستمرار وبطريقة مريبة حتى أطلق العلماء عليها اسم “الخلايا الخالدة”!
هنريتا لاكس ، صاحبة الخلايا الخالدة حتى يومنا هذا..
هنريتا لاكس، وُلدت في أغسطس من عام 1920م، ولاقت نهايةً مأساوية في 4 أكتوبر عام 1951م، عندما كانت تبلغ من العمر 31 عامًا. حيث تُوفيت هنريتا إثر صراعها مع سرطان عنق الرحم الذي تم تشخيصه بعد اكتشاف عقدة في منطقة الحوض لديها. حينها قام طبيب بأخذ عينة من أنسجتها وهي لا تزال على قيد الحياة دون موافتها على ذلك كونها زنجية في زمن العنصرية، وقام بزراعة خلاياها على طبق بتري للاحتفاظ بها للأبحاث.
وعند وفاة هنريتا بفعل سرطان عنق الرحم، تم إرسال عينة أنسجة هنريتا لاكس إلى الطبيب “جورج جاي”، والذي كان يعمل في مختبرات جون هوبكنز للأنسجة. الخلايا التي استلمها الدكتور جاي للعمل عليها لم تكن طبيعية أو عادية، فقد اكتشف الدكتور جاي أن خلايا هرنيتا لم تمت ولم تتوقف عن النمو على عكس العينات الأخرى التي كانت تُرسل إليه، بل على العكس تمامًا، استمرت بالنمو والانقسام إلى مالانهاية!
طبيعيًا، فإن الخلايا البشرية تنقسم بحد أقصى من 40 – 60 مرة ثم تبدأ بمرحلة الشيخوخة ويستحيل عليها الانقسام بعد ذلك وهذا ما يعرف باسم “حد هايفليك Hayflick limit”. إلا أن خلايا هنريتا لم تكن كذلك، بل إنها نمت وتمكن الدكتور جاي من مضاعفتها وزيادة حجمها حتى وصلت إلى 20 طن اليوم موزعة في مختبرات مختلفة حول العالم لإجراء التجارب عليها وهي تُعرف باسم خلايا هيلا “Hela cells”. خلايا هيلا ساهمت عبر الزمن بإنقاذ حياة الملايين من البشر بفضل الأبحاث عليها، كما أنها ارتبطت بـ 11 ألف براءة اختراع و 60 ألف مقال طبي مختلف.
نقطة الخلاف..
وخلال وقت سابق، قام علماء بيولوجيون يعملون في المختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية EMBL في هايدلبيرغ الألمانية بنشر الشيفرة الوراثية لخلايا هنريتا لاكس السرطانية “الخالدة” ما أثار خلافًا كبيرًا وجدلًا واسعا في الولايات المتحدة. اتهم أفراد عائلة لاكس الباحثين بأنهم نشروا معطيات تخص المجال العائلي الخصوصي دون موافقتهم. فعلى الرغم من أن الأطباء أخذوا عينات من أنسجة هنريتا في عام 1951م دون موافتها، إلا أن هذا التصرف يعتبر غير قانوني وغير أخلاقي هذه الأيام. ويخشى أبناء وأحفاد هنريتا أن تصبح التغيرات الجينية التي يمكن أن يكونوا ورثوها علنية للجميع. لذلك، حصلوا مؤخرًا على حق مراقبة الأبحاث قبل نشرها بما يتعلق بجينوم هنريتا لاكس.