تعد الثورة إحدى أدوات المعارضة لتغيير نظام الحكم في هذه الدولة أو تلك، وجوهرها إقناع الشعب أو غالبيته بأن الإصلاح لم يعد مجدياً، وأنه لا بد من التغيير.. في هذه المقالة سنحاول الإحاطة بمفهوم الثورة؟ وأصلها؟ وكيف تتطور؟.
مصطلح الثورة أصبح يتكرر هذه الأيام كثيراً، ولكن هناك خلط في المعنى الحقيقي للثورة وما يجري هنا وهناك. فما هي الثورة؟ كيف تنشأ؟ وكيف تتطور؟
مفهوم الثورة
تعود جذور مصطلح "ثورة" إلى الكلمة اللاتينية (Revolutio) والتي تعني انخفاض، أي العودة للوراء، وفي العصور الوسطى استخدمت الكلمة اللاتينية (Revolvere) كتعبير عن هذا المصطلح والتي تعني لفة الظهر.
استخدم المصطلح للمرة الأولى في عام 1660، في بريطانيا بهدف استعادة النظام الملكي، وقد عرّف حينها على الشكل التالي: حركة سياسية عنيفة أو محاولة إحداث تغيير مفاجئ في الهيكل السياسي والاجتماعي للدولة، بناء على ما سبق يمكننا تعريف الثورة بالتالي:
هي الإطاحة المفاجئة والعنيفة بالنظام السياسي في دولة ما، من خلال اعتراض مجموعة من السكان على السلطات الحاكمة وصولاً لتغيير هذه السلطات والحلول مكانها، والعنف ليس شرطا للثورة بل المهم سرعة التغيير التي تحدث في الدولة سواء سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً. ظهرت الممارسة الثورية في القرن الثامن عشر، لتظهر أكبر ثورتين في هذا القرن، وهما الثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية الشمالية.
آراء بعض المفكرين بخصوص الثورة
- ألكسي دوتكفيل: مفكر فرنسي، وهو أول من أجرى دراسة نقدية حول مفهوم الثورة، والذي اعتبر عدم المساواة بسبب النظام الرأسمالي كأحد أهم أسباب قيام الثورات، وكما عتبر أن الثورة الفرنسية ليست فاصلاً في التاريخ، بل تتويج لعملية امتدت لعدة قرون هدفها إنهاء مركزية الدولة.
- كارل ماركس: مفكر ألماني رأى في الثورة وسيلة لإنهاء الفوارق الاجتماعية الناجمة عن الرأسمالية في البلدان الصناعية، ورأى أن الثورة يجب أن تعالج عدوين، الأول، ووهو البينة التحتية الاقتصادية (أي جهاز الإنتاج) والدولة (لأنها في أيدي طبقة اجتماعية برجوازية تستخدمها لضمان هيمنتها على العمال (البروليتاريا).
- ليون تروتسكي: يقول إن الثورات لا تتوقف عند الإنجازات الوطنية فقط، بل يجب على البروليتاريا اغتنام الفرصة للقيام بثورة شيوعية عالمية، وهو من أطلق مصطلح الثورة الدائمة في كتابه الذي يحمل نفس الاسم (1930)، والذي اسوحاه من أفكار كارل ماركس.
الفرق بين الثورة والتمرد
هناك اليوم محاولات للخلط بين مفهوم الثورة والتمرد، وإليك عزيزي القارئ الفرق بين الاثنين:
الثورة تهدف لتغيير النظام السياسي والاجتماعي الذي لم يعد يحظى بإجماع الشعب، وفي هذه الحالة تحظى المؤسسات العسكرية والأمنية غالبا بثقة الناس بحيث لا تشكل هدفا للثوار، وبالتالي عندما تنجح الثورة يعم الأمن والاستقرار الدولة باعتبار أن حراس هذا الأمن (المؤسسة العسكرية والأمنية) بقيوا بعيدين عن الاستهداف، أما التمرد فهو قيام مجموعة من الأشخاص بالتسلح لمواجهة أجهزة الدولة العسكرية والأمنية، وهذا يؤدي إلى حالة من الاضطراب وفقدان الأمن، وهو أمر قد يرفضه الشعب حفاظا على السلم الاجتماعي.
أنواع الثورة
يمكن تصنيف الثورات إلى نوعين رئيسيين هما:
- النوع الأول:الانقلاب (الثورة الحمراء): ويؤدي هذا النوع غالياً لسقوط عدد كبير من الضحايا، قبل النجاح في تغيير النظام السياسي، كالثورة الفرنسية.
- النوع الثاني: الثورة البيضاء: وهي تقوم بتغيير النظام دون الحاجة لسفك الدماء، مثل الثورة الصناعية، (قرنفل الثورة) في البرتغال (1974)، (الثورة البرتقالية) في أوكرانيا (2004).
أسباب حدوث الثورات واندلاعها
تعود الثورة غالباً لمجموعة من الأسباب، في مقدمتها:
- شعور الناس أن النظام السياسي لم يعد يلبي توقعاتهم.
- الرغبة في بناء مؤسسات جديدة.
- الفقر وعدم المساواة.
- ممارسات الحكام الاستبدادية.
- إحساس الناس بالظلم والغبن من السلطة الحاكمة.
- السعي للوصول إلى السلطة وتغيير النظام.
أساليب ووسائل الثورات
يستخدم الثوار العديد من الأساليب والوسائل للقيام بثورتهم، في مقدمتها:
إظهار أخطاء الحكومة، وتضخيمها أمام الرأي العام لإقناع الناس بضرورة الثورة، ومن ثم يقوم الثوار بتحريض الناس على العصيان كترك العمال والموظفين للعمل، وإغلاق المحال التجارية أي بعبارة أخرى تعطيل الحياة العامة، وهو مصطلح يتشابه مع مصطلح الإضراب ولكن الإضراب قد يكون في مؤسسة أو عدة مؤسسات ذو هدف اقتصادي واجتماعي غالبا، كالحصول على المستحقات المادية، المطالبة بعلاوات، بعيدا عن أي بعد سياسي، وبعد ذلك يقوم الثوار بتنظيم المظاهرات ضد السلطة الحاكمة وقد تصل إلى حد نشر خيم في الساحات العامة حتى رحيل الحكومة وهو ما حصل في الثورة المصرية في عام 2011م على سبيل المثال.
نتائج الثورة
قد لا تكون نتائج الثورة مضمونة دائماً، فقد ينجح الثوار في الوصول إلى السلطة كما حصل في الثورة الفرنسية، لكنهم قد يفشلون في ذلك ويتحولون لمعتقلين لدى السلطة الحاكمة، ويتوقف كل ذلك على مدى قدرة الحكومة على مواجهة الثورة، وإقناع الناس بأن من يقودهم من الثوار إنما يقومون بذلك لتحقيق منافع شخصية، لا علاقة لها بمطالب الناس، وقد تقوم الحكومة بتلبية مطالب الناس وبالتالي سحب البساط من قادة الثوار، وأخيراً فقد تلجأ الحكومة لإدخال الثوار في السلطة لوضع حد لحالة عدم الاستقرار في البلاد، ويبقى العامل الخارجي عاملا مؤثرا في نجاح الثورة، فإما أن تحصل على دعم خارجي وهذا يطيل مرحلة عدم الاستقرار، وإما أن لا تحصل على دعم خارجي وبالتالي تنتهي خلال وقت أقصر في الأغلب.
أخيرا... تعد الثورة وسيلة الناس للحصول على مطالبهم من الحكومة الحالية، ويستندون غالبا في ذلك إلى نخبة تقودهم وتوجه آراءهم، ولكن تبقى الثورة رهان قد ينجح في تغيير النظام وبالتالي الدخول في مرحلة جديدة، وقد تفشل وتكون النتيجة العودة للوراء، لذا تبقى الثورة الخيار الأخير للشعوب للوصول إلى مطالبهم من الحكومة غالبا.