بسم الله الرحمن الرحيم




إن شهر رمضان مليء بالمحطات التي يمكن لأي إنسان أن يتوقف عندها ليتزود منها ما يقوي روحه ويعمق صلته بالله سبحانه وتعالى.

فأوقات الفيض اللألهي ليست محصورة في أوقات الأسحار و في أوقات الصلاة مع عظمتها, بل هناك فرص عظيمة للعطاء الإلهي ومن بينها أوقات الإفطار.

فوقت الإفطار ليس وقتا للأكل والشرب فقط, بل هو فرصة ذهبية عظيمة للقاء الله سبحانه وتعالى ولاتصال بساحة فيضه العظيم وكرمه الذي لا حد له.

وقد وردت عن المعصومكين عليهم السلام أدعية و تنبيهات و توجيهات خاصة حول حسن التعامل مع وقت الإفطار والاستفادة من أجوائها الروحية.

قال السيد ابن طاووس – قدس سره – في الإقبال :

" ينبغي أن يكون الطعام والشراب الذي يفطر عليه مع طهارته من الحرام والشبهات، قد تنزهت طرق تهيأته لمن يفطر عليه، من أن يكون قد اشتغل به من هيأه عن عبادة لله جل جلاله، وهي أهم منه، فربما يصير ذلك شبهة في الطعام والشراب، لكونه عمل في وقت كان الله جل جلاله كارها للعمل فيه، ومعرضا عنه. وحسبك في سقم طعام أو شراب أن يكون صاحبه رب الأرباب، كارها لتهيئته على تلك الوجوه والأسباب، فما يؤمن المستعمل له أن يكون سقما في القلوب والأجسام والألباب.

وقال قدس سره :

" اعلم أن الإفطار عمل يقوم به ديوان العبادات، ومطلب يظفر بالسعادات، فلا بد له من قصد يليق بتلك المرادات، ومن أهم ما قصد الصائم بافطإره، وختم به تلك العبادة مع العالم بأسراره، امتثال أمر الله جل جلاله بحفظ حياته على باب طاعة مالك مباره ومساره. وإذا لم يقصد بذلك حفطها على باب الطاعة، فكأنه قد ضيع الطعام وأتلفه، وأتلفها وعرضها للإضاعة، وخسر في البضاعة، وتصير الطاعات عنه عن قوة سقيمة.النيات، كإنسان يركب دابة في الحج أو الزيارات بغير إذن صاحبها أو بمخالفة في مسالكها ومذاهبها، أو فيها شئ من الشبهات. وأي كلفة أو مشقة فيما ذكرناه من صلاح النية، ومعاملة الجلالة الإلهية، حتى يهرب من تلك المراتب والمناصب، وشرف المواهب، إلى معاملة الشهوة البهيمية والطبع الخائب الذاهب، لولا رضاه لنفسه بذل المصائب والشماتة به بما حصل فيه من النوائب. "

ويقول العالم الرباني الشيخ حسين الكوراني في كتابه القيم : مناهل الرجاء - أعمال شهر رمضان :

" * الإفطار

وهو محطة شديدة الأهمية للصائم، ولا تمتد أهميتها لفترة زمنية طويلة، فهي حركة قلب، وإرهاف إحساس، ونبل مشاعر. تماماً كما هو حال من دخل إلى ضيافة عامرة وقد نصبت المائدة. كم يستغرق من الوقت أن ينشرعلى الضيوف بسمة، ويؤدي التحية بلباقة ولياقة، ويخص صاحب الضيافة برد التحية بأدب جم، وكلمات قلب مفعمة بالشكر، لما بدر منه في حقه من تكريم لاعلاقة له بالطعام، فهو لمَّا يتذوقه بعد. وكم هو الفارق بين هذا وبين من دخل إلى مثل هذه الضيافة، وكأنه لايرى إلا الطعام. إن الفارق الزمني لايذكر، ولكن الفارق القيمي والأخلاقي كبير، كبير.

للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، ندرك منها هذه الفرحة التي تلامس شغاف القلوب لدى المشاركة في الضيافة العامرة، بالأدب الجم، الذي قد يخدش بهاءه كلمة من هنا، أو إشارة من هناك.فعلى ماذا نفطر؟ وكيف سنفطر؟

في الجواب على السؤال الأول ورد ذكر الماء والتمر وغيرهما،ولكن الأهم من ذلك مابينه السيد ابن طاوس عليه الرحمة بقوله:" وكلما كان الذي يفطر عليه الإنسان أبعد من الشبهات، وأقرب إلى المراقبات كان أفضل أن يفطر به، ويجعله مطية ينهض بها في الطاعات، وكسوة لجسده يقف بها بين يدي سيده".

وفي الجواب على السؤال الثاني: ورد في آداب الإفطار استحباب أذكار مختصرة، وسورة القدر، ويمكن للصائم اختيار أحدها، كما ورد استحباب دعاء أطول من الأذكار والسورة، والغالب الحث على الأول، إلا أن الحث على الثاني كبير جدًا.