يخرج صوت هذا المقطع، من سماعات فتاةٍ تنزل من حافلة على الطريق، تقف في آخر الطابور الطويل عاقدةً ذراعيها تتأمل كل ما حولها، يتحرّك الطابور ببطئ، وترحل واحدة تلو الأخرى. تتقدّم الفتاة من بابٍ مغلق، تقف أمامه وتمد ذراعيها إلى السماء، وتثني جسدها بلياقة شديدة إلى اليمين وإلى اليسار، يفتح الباب فتدخل لتقف على المسرح أمام لجنة الحكم، تحييهم بابتسامة وإيماءة لطيفة، ثم تبدأ بالرقص، ترقص لفترة ثم تتوقف لتغني، ثم تؤدي مشهدًا من مسرحية كلاسيكية، وتتوقف لتستعيد أنفاسها وتجفف عرقها، فينظر لها أحد أعضاء لجنة الحكم ويقول: “سنتصل بك في الوقت المناسب”.
في اليوم التالي، تقف الفتاة بجانب مطبخٍ صغير لإحدى مطاعم لوس أنجلوس، تنتظر طلبًا ستذهب به إلى الطاولة الموجودة في زاوية المطعم، ثم تنتظهر مرة أخرى، حتى ينتهي الزبائن من تناول طعامهم، لتلقي ما تبقى على الطاولة بعد ذهابهم، وتنظف المكان، حتى لا يوبخها المدير في الصباح. تذهب إلى غرفتها الصغيرة بهدوء، لتمدد جسدها المُتعَب على السرير، وتغلق عيونها، لتحلم باليوم التي ستذهب فيه إلى أحد استديوهات الافلام في هوليوود.. الحلم.
قصتنا اليوم هي مع استديوهات الافلام التي يُطلق عليها اسم “الاستديوهات الكبرى”، 6 استديوهات حملت شعلة صناعة الأفلام منذ الأزل لتصبح وتصنع كُل منها عالماً خاصاً بها، فهي أكبر الاستديوهات المسؤولة ليس فقط عن توزيع الأفلام في جميع أنحاء العالم، بل أيضاً عن صنعها. تطوّرت عبر التاريخ لتصبح مؤسسات قيمتها أكبر من تصوّرنا، مبدعةً عدد لا نهائي من الأعمال السينمائية المتنوعة، حيث هيمنت بشكل هائل على مجال صناعة الأفلام منذ لحظة تأسيسها في بدايات القرن العشرين.
استديوهات الافلام السِت الكبار
أفلام Paramount أول من وضع حجر الأساس
بجانب فندق هوليوود (أول فندق تم إنشاءه هناك)، قرر “أدولف ذكور” أن ينشئ استديو لصناعة الأفلام عام 1912، بعد أن كانت الاستديوهات الفرنسية هي المسيطرة قبل هذا التاريخ. في البداية أنشئ الاستديو تحت اسم “Famous Players Film Company” بمساعدة شريكاه “دانيال فورمان” و”تشارلز فورمان”، والذي تغيّر فيما بعد اسمه إلى “Paramount Pictures”، والذي يعتبر أقدم شركة أمريكية لإنتاج وتوزيع الأفلام والوحيدة التي لا تزال تعمل في هوليوود حتى الآن.
عام 1914، وفي وقت الأفلام الصامتة، وقف المخرج الذي لم يكن لديه أي تجربة سينمائية أو خبرة في التصوير من قبل “سيسيل بي. دي ميللي”، في موقعٍ ما في هوليوود بالقرب من لوس أنجلوس، ورأى أنه قادرًا على إخراج أول فيلم له في هذا المكان بالذات. كان فيلم “The Squaw Man” والمأخوذ عن مسرحية لـ “إديون ميلتون رويال” بنفس الاسم، هو أول فيلم طويل (74 دقيقة) تنتجه شركة (Paramount)، فيعتبر هو بداية النجاح للشركة، إذ إنه حصد حوالي 245 ألف دولار كمكسب.
بالطبع لم يتوقف النجاح عند هذا الحد، ففي عام 1927، فاز فيلم (Wings) الذي انتجه الاستديو بجائزة أوسكار أفضل فيلم في هذه السنة، ثم توالت النجاحات، بأفلامٍ كثيرة، منها فيلم (Titanic) والذي ظل على قمة قائمة أعلى إيرادات في تاريخ السينما إلى أن جاء فيلم (Avatar) وخطف منه هذا اللقب تحت إنتاج شركة “20th Century Fox”.
أفلام Fox الأعلى إيرادات في التاريخ
عام 1915، أنشئ “ويليام فوكس” شركة أطلق عليها اسم “Fox Film”. في تلك الأثناء، كانت شركة “United Artist” للإنتاج -والتي كان تشارلي شابلن أحد المساهمين في إنشاءها – تعاني من مشاكل مادية كثيرة، وبحلول عام 1924، تركها “دي. دبليو. جريفيث” أحد أهم المساهمين في الشركة، فقرروا تعيين “جوزيف شينك” رئيسًا للشركة، وظل في هذا المنصب إلى أن جاء عام 1933، فقرر هو وشريكه “داريل إف. زانوك” إنشاء شركة لإنتاج الأفلام أطلقوا عليها “20th Century Pictures”.
في هذه الأثناء، كانت شركة مستر فوكس تتهاوى هي الأخرى، ففي عام 1929، أصابت الشركة كارثة مالية، مما ترتب عليها، ترك مستر فوكس لمنصبه في الشركة عام 1930، واعطاء الرئاسة إلى “سيدني كينت” الذي فكر بذكاء، في دمج شركتين ببعضهم، حتى يتمكنوا من الوقوف على قدميهما في السوق ومنافسة باقي الشركات، فكتب عقدًا للدمج مع شركة “20th Century Pictures” لتصبح الشركة التي نتجت عن هذا الدمج تحت اسم “20th Century Fox”، الاسم الذي ظل تردد صداه حتى أصبح الكل يعرفه، بموسيقاه المميزة التي تصاحبه دائمًا.
تنوعت إنتاجات شركة فوكس بين كل شيء، الكوميدي (Ms. Doubtfire – Home alone)، والإثارة (The Rope – sSeed)، وأفلام الخيال العلمي كسلسلة (Star Wars – Planet of the Apes)، وأفلام الكوميكس والمجلات الهزلية (X-Men – Deadpool)، والدراما (Cast Away)، والموسيقي (!Moulin Rouge)، وسلاسل الرسوم المتحركة المحبوبة (The Simpsons – Futurama).
ويجب ألا ننسى، أنها الشركة التي تحمل لقب أعلى الإيرادات في التاريخ من خلال فيلم (Avatar)، وحتى الآن لم تتخطاها أي شركة بأي فيلم أنتجته.
أفلام Sony العملاق الياباني الذي سطى على التاريخ
امتداد هذا الخط قادم من اليابان، من طوكيو تحديدًا، حيث العملاق الذي أنتج للعالم الكثير من الابتكارات في مجال الاكترونيات، كالوكمان والبلاي ستيشن وأسطوانات البلو-راي. حاليًا، هذا العملاق الياباني هو المسؤول عن واحدة من أكبر شركات إنتاج الأفلام الامريكية “Sony Pictures Studios”، والتي تعتبر مزيج بين ثلاثة استديوهات كبيرة وهم “MGM” و”Columbia Pictures” و”TriStar Pictures”.
بدأت سوني في شراء الاستديوهات في الثمانينات، فبدأت بصاحب التاريخ الأكبر “MGM” الاستديو صاحب شعار الأسد الشهير، الاستديو الذي أنتج الكثير من الأفلام التاريخية التي فازت بالأوسكار مثل (Ben-Hur)، وأنتج الكارتون المحبب للجميع (Tom&Jerry)، أصبح الآن بيد العملاق الياباني. وبالطبع لم يكتفي به، ففي عام 1989، حصل العملاق الياباني على استديوهات “Columbia” و”TriStar”، ليكمل بهما مثلثه الخاص الذي يبني أضلاعة بعناية لينجح في اجتياح السوق الأمريكي لشباك التذاكر.
بالطبع يُعتَبر استديو “Columbia Pictures” من أقدم الاستديوهات الإنتاجية الأمريكية، تم إنشاءه عام 1924، في نفس العام الذي أُنشِئ فيه استديو “MGM”، لذلك يعتبر استديو “TriStar” بالنسبة لهم استديو حديث، إذ إنه أنشئ عام 1982، وبعد سبعة سنوات، تم بيعه إلى شركة “Sony”، التي لم تفز بالأوسكار عن أي فيلم أنتجته حتى الآن.
لكننا، لن نبخس حقها في أنها أنتجت أفلامًا جيدة مثل سلسلة (Spiderman) وأفلام (Men in black)، ومسلسلات الدراما المميزة جدًا مثل (Las Vegas) والمسلسل العظيم (Breaking Bad).
أفلام Walt Disney نوستالجيا الطفولة المبدعة
قلعة مرسومة تظهر من نقطة في الصورة، يكتمل البناء ويظهر تحته الاسم واضحًا، بعدها تنطلق نجمة مضيئة من الجانب لتطوّق القلعة، لتقول الصورة الكاملة التي تعلن عن بداية الفيلم (Walt Disney Pictures).
بالطبع، هذا الاستديو الذي أنشئ عام 1923 لصاحبه الغني عن التعريف (Walt Disney)، فيكفي أن نذكر أي فيلمٍ من أفلامه حتى نعود لسنوات جميلة شاهدنا فيها الكثير من الأفلام المحببة للنفس (Lion King – Toy Story – Monsters inc. – Aladdin – Cars – The Incredibles – Up – Ratatouille – Tangled – Inside out) وغيرهم الكثير من الأفلام التي تطول القائمة بذكرهم.
نقطة قوة استديوهات ديزني من وجهة نظري تكمن في وجود فريق عمل مبدع من رسّامين ومحركين وممثلين ومخرجين وكل ما يحتاجه الاستديو ليقدم فنًا مبدعًا. والدليل على ذلك، يمكنك ملاحظة تغيرهم للشعار الخاص بهم عند بداية كل فيلم منذ عام 1995 حتى الآن.
بالطبع، لم تكتفِ أبداً أفلام ديزني بالرسوم المتحركة، وبالرغم من شهرتها الكبيرة في هذا المجال، إلا أن التنويع شبه ضروري حتى تُعتبر الشركة من استديوهات الافلام السِت الكبار في العالم، فهي الوافد الأخير الجديد على القائمة بعد أن كانت الاستديوهات الخمس الكبار، وحالياً من أكثر الشركات، المؤسسات والاستديوهات تقدّماً.
تشمل أقسام شركة ديزني في البداية كُل ما هو متعلّق بهذه العلامة الشهيرة، من مدن ألعاب إلى استديوهات الأفلام وتُعتبر من أبرز التكتلات الإعلاميّة حول العالم، تشمل استديوهاتها قسم للرسوم المتحركة، وقسم للأفلام الأخرى، وقامت أيضاً حديثاً بالاستحواذ على شركات هائلة مثل Pixar وLucas Films الشهيرة لسلاسلها مثل Star Wars وIndiana Jones بالإضافة إلى اتفاقها مع استديوهات مارفل الذي يقع تحت جناح ديزني ولكن ليس بالشكل الكامل.
شركة ديزني هي تقريباً من أنجح الشركات في العالم، وتعمل على احتكار ما يمكنها احتكاره في مجال صناعة الأفلام.
أفلام .Warner Bros لقاء الفَنّ والتجارة
عام 1923، قرر الأخوة وارنر (هاري وألبرت وسام وجاك) إنشاء شركة إنتاج أفلام تحت اسم (.Warner Bros). يمتلك هذا الاستديو العملاق حاليًا الكثير من شركات الانتاج والتوزيع كـ (New Line Cinema) و(DC Entertainment) و(Castle Rock Entertainment).
لكن، الحق يُقال، تعتبر هذه الشركة من أكثر شركات الإنتاج إجتهادًا منذ البداية، فبعيدًا عن فكرة إنتاجهم للأفلام منذ عام 1925 وإنشاءهم لدار عرض خاصة بهم عام 1926، إلا أنهم أثبتوا خلال هذه السنوات أنهم قادرون على المنافسة بقوة في إنتاج أفلام تجارية ترضي إعجاب الجمهور، وفي نفس الوقت يحافظون على الجانب الفني والمتعة الفنية فيها.
أول الأفلام التي كانت من إنتاجهم وحازت على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم كان فيلم (Casablanca) الذي صدر عام 1943، والذي يُعدّ أيضًا واحد من أفضل 100 فيلم أمريكي في التاريخ. منذ ذلك الوقت، حافظ الاستديو على نجاحه عن طريق إنتاج أفلامًا مميزة كسلسلة أفلام (Batman – The Dark knight) و(Police Academy) و(The Hangover) و(A Nightmare on Elm Street) وأفلام سوبرمان وغيرهم.
أفلام Universal السيطرة على الإيرادات بقبضة التجارة
يُعدّ استديو (Universal) من أقدم وأنجح الاستديوهات الأمريكية منذ إنشاءه عام 1912 وحتى الآن. فبعد عام 1913 عندما أنتجوا أول أفلامهم الطويلة (Ivanhoe)، ظلوا حتى عام 1929 ليفوزوا بأوسكار أفضل فيلم عن فيلم (All Quiet on the Western Front).
ظل الاستديو يتّبع نهجًا يُعتبَر إلى حدٍ ما تجاريًا بحتًا، فلم يهتموا كثيرًا بالأفلام الفنية على قد إهتمامهم بالأفلام التجارية ستعود عليهم بالربح فقط، حتى تعاونوا مع المخرج “ستيفن سبيلبرج” في أنتاج مجموعة من الأفلام التي أصبحت في ما بعد علامات في تاريخ السينما مثل (Schindler’s list) و(Jaws) و(Jurassic Park) و(.E.T)، حتى قرر ستيفن سبيلبرج إنشاء شركة إنتاج وتوزيع خاصة به عام 1994 ليتعاون ايضًا مع شركة (Universal) في إنتاج وتوزيع الأفلام، حتى أنفصلا بعدها بسنوات لتصبح (Dreamworks) شركة مستقلة استحوذت عليها Comcast حديثاً.
لكن عمومًا، لم تتوقف شركة (Universal) في حصد نصيب الأسد من شباك التذاكر، ففي عام 2015، حصلت الشركة على النصيب الأكبر من الإيرادات عن طريق أفلام مثل (Jurassic world – Furious 7 – Minions) وغيرهم.
إذا كنت ممن يحلمون بهوليوود، والعمل في أيًا من أفلامها، فأعلم أنك لابد وأن تشترك مع أحد هذه الاستديوهات، كي تستطيع العمل هناك، وتحقيق ما تحلم به، فحاول أن تختار جيدًا وأن تعرف ما تريده بالضبط.
منقول