بعد التحرر من قوقعة التعليم المدرسي والدخول مُباشرةً في التعليم الجامعي، يتم بشكل تلقائي إعادة تهيئتنا للتماشي مع أمور جديدة من التعاملات اليوميّة بالإضافة لشخصيّات مُختلفة من البشر المُحيطين بنا.
ويبقى التغيّر الأكبر الذي نلاحظه هو استبدال (الأستاذ) والذي كان المحور الأساسي في حياتنا المدرسيّة بـِ (الدكتور أو المحاضر) والذي سيكون المحور في حياتنا الجامعيّة.
لكنّ الواقع دائماً عوّدنا على مأساويته في جميع الظروف وتحت مختلف المُسميات، فعند أول مُحاضرة سيلقيها ذلك الدكتور أو البروفيسور أو الأستاذ أو أي مصطلح آخر ترغب به، ستتحطم جميع آمالنا في التغيّر وأن الجامعة ستكون أفضل من المدرسة وأن الدكتور أفضل من الأستاذ وتعامله سيكون أفضل حتماً.. ولكن هذا حتماً لم ولن يحصل.
دعنا نختصر الحديث، ونتكلم عن ستة علامات تشير من وجهة نظرك – كطالب – إلى أن دكتورك الجامعي هو مُحاضر فاشل!

يقرأ حتى يموت!



أكثر المحاضرين الجامعيين فشلاً هو هذا النوع؛ الذي يقرأ حتى يموت، أو حتى يموت من يحضر له من طلاب. لا يتوقف أبداً عن سرد معلوماته الجامدة بدون أية فواصل بشكل رهيب، ناسفاً بعرض الحائط كل الدراسات المتعلّقة بالتركيز والنصف ساعة ثم الاستراحة ومواضع الـ Focus Mode. كل ما يعلمه هو أن لديه عدة آلاف من الصفحات يجب أن ينهيها ضمن وقت قصير!
النتيجة أن تلك المحاضرة ذات الساعة أو الساعة والنصف لن تكون سوى أحد أساليب التعذيب التي نسيَ النازيون أن يضعوها في قائمتهم المرعبة.
أتساءل ماذا لو وُضِعَت ورقة بجانب هذا المحاضر مكتوب عليها من قِبل أحد الطلاب “نحن نعرف القراءة وحدنا” ماذا ستكون ردّة فعله؟!
هل سيعي أن التعليم ليس مجرّد قراءة غبية، بل تفاعل ونقاش ومحاورات!!
هل سيفهم ذلك؟! أم أنه سيستمر في قراءته اللعينة إلى أن يموت، أو يميتنا قبله!

صاحب الدُعابة التعيسة!



بعض الناس – بشكلٍ ما – وُهبوا ملكة خفة الظل وإمكانيّة إضحاك الآخرين عن طريق خلق أجواء مرحة وسعيدة، بالإضافة لعرضهم لجميع أحداث الحياة بطريقة ساخرة تجعل من ابتسامتك ترتسم على خديك بدون أذن منك حتى!!
لكن الأمر – في الجامعة – مُختلف تماماً، فعندما يلقي ذلك المحاضر دعابته أو مزحته فلو كانت قديمة قدّم أبجديّة أوغاريت وحجر الرشيد إلا أن عليك أن تضحك. ليس واجباً فقط بل أمر يجب أن تطيعه!
فمن ذا الذي يجرأ على ألا يضحك على إحدى الدعابات الكيمياويّة التي ألقى بها الدكتور في وجه طلابه فخنقهم بها ضحكاً!!
لا شك أن الخلل منك، فالجميع يضحك إلا أنت، أنت الطالب المُعقّد الذي يكره أن يرى الجميع سعداء وينظر للحياة من نافذة سوداء، أما ذلك المُحاضر صاحب الدُعابة المُميتة فلا ذنب له سوى أنه قد أطلقها في وجهك وخنقك بها!

صاحب الجيل الذهبي!



نعم.. إن جيلك هو الجيل الذهبي، الجيل الذي كان فيه التعليم يُعطى بالحرف، والذي كانت فيه وسائل الغش ممنوعة، والذي كان فيه هدف الطلاب هو الدراسة فقط أو الموت في سبيلها وسبيل تحصيلها والوصول إليها.. نعم، إنه الجيل الذي أخرج لنا مُحاضراً مثلك كل همه هو أن يَظهر لك بمظهر المُحاضر الذهبي الذي أصبح عملة نادرة!
وقطعاً هذا صحيح، فهناك العديد من المحاضرين الذين أصبحوا عملة نادرة لا تقدّر بثمن، لكني لا أعتقد أنهم يقضون معظم أوقاتهم في تحقير من تلاهم من الأجيال، ووصفهم بأنهم جيل تافه وضائع وجيل الـ (سوشال ميديا) البغيض.
وأننا جيل لا يبالي بشيء، وغير قادرين على فعل أي شيء، وأننا لو وصلنا إلى أمور الإدارة والحكم فإن العالم سيتحول لخراب!!
وكأن العالم أصبح جنة في أوقاتهم!!
مؤخراً قرأت أحد العبارات الجميلة التي تقول:
“إن معظم ما نعيشه حالياً من مآسي سببه نصائح الجيل الذي سبقنا، لقد كانت نصائحهم فاشلة، لا تستمعوا لهم“
وهذا المحاضر هو المترجم الحرفي لهذه الفكرة، فلا تحضروا له!

الجديّ الرصين!



وكأنه زجاجة صمغ منسيّة في أحد دكاكين النجارة، إنسانٌ خالي من الملامح والمشاعر، خالي من أي انفعال سوى ذلك المسؤول عن العبوس وإبراز العضلات الفكيّة المُبرمجة على إنتاج ابتسامة مقلوبة نحو الأسفل!
وكأن الخيارات ليس سوى أسود وأبيض. فما إن تنتهي من ذلك المحاضر صاحب الدعابة القاتلة، إلى أن تأتي إلى المحاضر صاحب الجديّة والرصانة والابتسامة المقلوبة.
ليس هناك خيارات أخرى، إما أن تضحك على أتفه الأشياء التي ستخرج من فمه أو أن تبقى في حضرة أحد الدكاترة العبوسين وكأنه يدرّس الفيزياء النظريّة لطلاب جامعة أكسفورد العريقة!

الذي لا يتقبّل الأسئلة!



وكأنه أوتيَ العلم كله، وألمّ بجميع المعضلات الكونيّة وأحاط بكل نواحيها، وأطلع على الغيبيّات وعلى بواطن الأمور، لدرجة جعلته أرقى من أن يرد على الأسئلة والاستفسارات.
أو ربما يعدك بالرد فيما بعد، ثم تُنسى وكأنك لم تكن!!
لا شك أن العلاقات داخل الأوساط الجامعيّة علاقات تفاعليّة بين الطلاب والمُحاضرين، واختزال هذه العلاقة في يد المُحاضر فقط وتحويل الطالب لمجرد متلقي كارثة حقيقة.
ولعلَ هذا ما أنشأ لدينا جيلاً لا يتمتع بملكة النقد والسؤال الدائم، إنما جيلاً جعل كل همه تحصيل العلامات ثم الوظيفة والمال وبعدها الزوجة والأولاد ثمّ المحطة الأخيرة، القبر!!
دون أن يفهم ما كان يفعل ولماذا كان يفعله حتى!!

المُتحذلق!



لا يهمه أن تفهم أو أن تشعر بالود اتجاهه، كل ما يشغل فكره هو أن يبيّن لك كم هو ذكي، وكم هو عبقري في مجاله، وكم جاهد وكابد وعانى في سبيل الوصول لمرتبته الأكاديميّة العالية هذه.
وسيظهر لك كل هذا عن طريق حذلقته الكلاميّة وتلاعبه بالالفاظ ومحاولة إغراقك في سيل من الكلمات اليونانيّة المؤلّفة من 20 حرفاً لاتينيّاً أغلبهم الـ X والـ Y والـ Z ولا سيما إن كان محاضراً في الطب، سيغرقك بأسماء الأمراض اللاتينيّة هذه بالإضافة لمصطلحات أخرى.
ليس من باب أن اسمها الحقيقي هو هذا بل من ناحية أنه هو المحاضر الذي يعرف حفظ الأسماء الطويلة التي تعجز أنت عن حفظها وربما لا تعرفها أساساً، وأنك بحاجة للكثير لتصل إلى مرتبته.
خصوصاً في تلك المواضع التي لا يكون هنالك أي داعٍ لتلك الكلمات لا في الشرح ولا في الفهم، سوى أنه يتغذى عليها وينتفخ بها ويشعر بذاته الأكاديمية عن طريق نطقها.

تطول القائمة وتطول، ولكن ليس الخلل في المحاضرين فحسب بل إن الطلاب لهم نصيبهم أيضاً – ربما نناقشه في مقال آخر – لكن المُحاضر هو الذي يلعب الدور الأكبر في العمليّة التعليّمية الجامعيّة ولا سيما أنه هو من يخرّج من تحت أيديه المحاضرين الجدد!!
فكيف يخرج من الفاسد شيء صالح!!

ثم يسألونك ما سبب فشل التعليم في بلادنا؟!

قطعاً ليس المحاضرين فقط، فالجميع يتحمل المسؤوليّة، لكن المُحاضرين هم الذين يلعبون الدور الأكبر ولا سيما أنهم هم من سيصنع الأطباء والمهندسين والمعلمين المستقبلييّن.. فالإصلاح يبدأ منهم قبل إصلاح أي شخص آخر!

www.arageek.com