حاكم العراق المدني بول بريمر - 2004
غيّر تضاريس العراق السياسية والعسكرية والاقتصادية والتشريعية جذريا في 13 شهرا، وأكمل بذلك المهمة التي بدأها نحو 130 ألف جندي أمريكي، إنه بول بريمر حاكم العراق المدني بعد الاحتلال.
ولم يضيع بريمر الوقت سدى طيلة مدة إدارته للعراق، فقد أصدر عددا كبيرا من القرارات لا يزال هذا البلد يعاني من مضاعفاتها ومن تبعاتها الخطيرة. إلا أن تراكم الأخطاء لاحقا وتوالي الأزمات والانهيارات وعدم وجود وعي بضرورة إعادة النظر فيما كان، يسدل ستائر ثقيلة من النسيان، ويدفع الجميع للتركيز على التساؤل عما يجب عمله للخروج من هذه الورطة المحكمة، لا البحث عن المذنب، بخاصة أن "المشتبه به" لا يطاله أي قانون، والزمن لا يعود إلى الوراء.
وهذا ما لا يغفل عنه بريمر، فقد أقر عام 2007 أمام جلسة مساءلة بالكونغرس بأنه "ارتكب أخطاء"، مضيفا أن الزمن لو عاد به إلى الوراء لكان عالج عدة قضايا بطريقة مغايرة، إلا أنه أكد في نفس الوقت أنه نجح في مهمته وحقق "نجاحا كبيرا بصفة عامة في ظروف صعبة تفوق التصور".
فماذا فعل مستر بول بريمر بالعراق ليكون مسؤولا عن مصير هذا البلد حتى بعد انتهاء مهمته الصعبة والمعقدة كما يصفها؟
AFP
بول بريمير في اجتماع مع شيوخ العشائر في تكريت - 2004
من بين أهم الانتقادات التي توجه لبريمر أنه حل جميع تشكيلات الجيش العراقي وألغى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وحل وزارتي الدفاع والإعلام، ما حرم نحو 500 ألف شخص من أعمالهم، وجعلهم لقمة سائغة لمختلف التنظيمات العنيفة التي ظهرت فيما بعد، بالإضافة إلى أنها دمرت بالدرجة الأولى قدرات العراق الدفاعية والأمنية بشكل مريع، كما أكدت الأحداث ذلك لاحقا.
وبعد أن كانت الطائرات الأمريكية تلقي خلال الغزو منشورات تعد فيها الجنود العراقيين بمستقبل مشرق مقابل استسلامهم، وعلى النقيض من خطط وضعتها الإدارة الأمريكية قبل الغزو تقضي بالاستعانة بالجيش العراقي والإبقاء عليه بعد الاحتلال، قرر بريمر وبموافقة فورية من الجميع بما في ذلك الحلفاء البريطانيون استبدال الجيش القديم بآخر جديد.
ولم تخل جعبة رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق من البراهين على براءته وحسن نيته، فقد أعلن عام 2014 أن الأكراد والشيعة العراقيين رفضوا الإبقاء على الجيش القديم، مشيرا إلى أن الأكراد هددوا بالاستقلال إذا لم يُحل، والشيعة قالوا إنه سيكون "جيشا صداميا من دون صدام" إذا تمت المحافظة عليه.
وتبرأ بريمر من مسؤوليته عن تداعيات قرار حل الجيش العراقي، حيث اتهم رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي بالمسؤولية عن سقوط الموصل في قبضة تنظيم "داعش"، مشيرا إلى أن المالكي أبعد الضباط الذين دربتهم بلاده ما تسبب في انهيار الجيش.
وتنصل وزير الخارجية الأمريكي كولن باول حينها من المسؤولية عن القرار الذي وصفه بالخطأ الفادح، ونقل عن مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس قولها إنها أيضا تفاجأت بالقرار الذي ذكرت أن الرئيس يقف وراءه "وبريمر هو الشخص الوحيد الموجود في الميدان".
ولم يُقصر حاكم العراق المدني في مجالات أخرى، إذ أعلن بعد أسبوعين من توليه منصبه العراق منطقة "تجارة حرة"، واتخذ الكثير من القرارات التي كان لها نتائج كارثية على الاقتصاد العراقي.
وكان وزير الصناعة العراقي محمد الدواجي اتهم بداية العام الجاري بول بريمر بأنه "ضرب اقتصاد العراق من خلال سلسلة تشريعات قانونية أصدرها، ما تزال نافذة، وتسببت بإهدار مليارات الدولارات على مدى الـ 13 عاما الماضية"، مضيفا أن الكثير من قرارات حاكم العراق المدني "كان غايتها ضرب الصناعة الوطنية والمساعدة على تهريب العملة الصعبة".
وقبيل ساعات من مغادرته منصبه، أصدر بريمر حزمة من التشريعات والقرارات من بينها قرار يمنح الحصانة للقوات الأجنبية والأجانب العاملين في صفوفها، وآخر نص على حل هيئة اجتثاث البعث.
وبكلمة وداع فياضة بالمشاعر اختتم الحاكم المدني الأمريكي مهمته، وصف فيها العراق بأنها "قطعة من قلبي ستظل باقية هنا في الأرض الجميلة الممتدة ما بين النهرين، بأوديتها الخصبة وجبالها المهيبة وشعبها الرائع".
محمد الطاهر