خرج من حيّ صغير غير بعيد عن عاصمة الأضواء وفي أزقته داعب الكرة بموهبة اكتشفها لأوّل مرة والده قبل أن تنمو شيئا فشيئا بفضل مدربين امنوا بقدراته -رغم البدايات الصعبة-في نادي كامبير، ثم لوهافر، ولم يكن رياض محرز يدرك أنه سيصبح يوما نجما ساطعا في عاصمة الضباب، بخطى بصّمتها اقدام حافية في فرنسا إلى تسجيل اسمه بأحرف من ذهب في أعرق البطولات الأوروبية منافسا تلك النجوم من مختلف القارات التي تصنع كل موسم الحدث على المستطيل الأخضر والساحة الإعلامية الرياضية. قصة محرز هي ثأر على الاقدار وثمار تضحيات كبيرة، وإن انحنى له القريب والبعيد اليوم فذلك لم يأت بصورة عشوائية.
ولد رياض محرز في 21 فيفري 1991 في فرنسا، ولكن الأزمة لم تكن في فرنسا بل في الحي الذي نشأ فيه محرز وهو حي سارسال، هذا الحي الذي يبعد عن شمال العاصمة باريس بما لا يتعدى الـ 10 أميال فقط، ولكنه الحي الأخطر فيبلد موليير.
حيث ارتبط اسمه منذ 1950 -وإلى يومنا-بالجرائم والأحداث الكارثية بحي والسبب أنه يُعد ملجأ للمهاجرين المستقرين، إذ يقطنه المغربيون، الجزائريون، المسلمون، اليهود والعديد من العقائد المختلفة ومن هنا دائما ما تأتي النزاعات وعمليات القتل في كل مكان ويصبح أي شخص مهدد في أي لحظة بالموت.
وعن تلك الأحداث كتب صحفي فرنسي منذ أكثر من 11 عاما: «ما يحدث أصبح شيئا ثابتا. مواجهات عنيفة دائما بين المهاجرين وأصحاب البشرة السمراء واليهود. الأمر ثابت ومتكرر». نعم في هذا الحي الذي نشأ محرز وحاوطه الموت بشكل دائم حتى أثناء ممارسته كرة القدم في الشارع، وهنا تدخل الأب فتغير كل شيء.
الوالد كأوّل متابع لمحرز والموت تفسد البدايات
مارس والد رياض احمد محرز كرة القدم في أكثر من نادي جزائري وفرنسي ولذلك كان يمتلك تلك النظرة التي تميز الموهوب عن الشخص العادي، ليكتشف موهبة ابنه وأصر على تطويرها ولاحظ مهاراته الرائعة بالقدم اليسرى.
وهنا ألحقه بأحد أندية الهواة في باريس، وكان ذلك السبب في تعلق نجم ليستر الحالي بأبيه وهو الشخص الذي يردده دوما في كل درجة تألق يبلغها، وكيف لا؟ وهو الذي كان كالمعلم بالنسبة له، وقال محرز عنه في مقابلة صحفية مع صحيفة (غارديان) في بداية هذا الموسم «والدي كان دائما معي ودائما ما كان يساعدني. لعب في أكثر من فريق في فرنسا والجزائر ولذلك يعرف ما يقوله بالتمام ولذلك استمع إليه دائما جيدا». وبعد أن قدم احمد نجله دروسا في الكرة لنجله وهي التي وجدها أمثاله في مركز تكويني أو ناد هاو، تمنى الدولي الجزائري ألا تنتهي المغامرة، إلا أن الوفاة وضعت حدا لذلك حيث رحل الأب عن عمر يناهز 54 عاما بسبب أزمة قلبية حدثت بعد عملية جراحية في القلب، وحين يتذكر لاعب «الخضر تلك الحقبة يقول «لا أعلم ما حدث بي عقب وفاة والدي. ولكني شعرت بأن كل شيء تغيّر. الوقت يتقلص والحياة تصبح أقصر وأقصر. شعرت بأن الجد بدأ الآن وعليّ القتال وبذل الجهد لتحقيق حلم والدي».
الخطى الأولى نحو الاحترافية
بعد وفاة والده انتقل محرز إلى فريق «كامبير كورنوال» الفرنسي الذي يلعب في الدرجة الخامسة في فرنسا، وقتها تولى مهمة تدريب وتطوير محرز، محمد مدرب شاب يدعى كوليبالي، ومع أدائه المميز انتقل إلى نادي لوهافر الفرنسي العريق الذي تأسس عام 1872، ولكن لم يشارك مع الفريق الأساسي واكتفى باللعب مع الفريق الثاني. تحدث محمد كوليبالي عن الجزائري في تلك الحقبة في حديث مطوّل مع مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية منذ أكثر من عام قائلا: «كان نحيفا للغاية. وهذه كانت أكبر عيب به، ولكنه كان يمتلك ما هو مميز دائما داخل الملعب. تحركاته السريعة ولمسته المهارية. هذا إلى جانب الشجاعة والشخصية وهذا ما يتميز به الكبار»، وهو الأمر الذي اتفق عليه محرز، قائلا: «كنت ضعيفا ونحيفا للغاية ولم أكن قويا ولكنني بذلت قصارى جهدي وقتها». مع الفريق الثاني لنادي لو هافر شارك محرز في 60 مباراة ونجح في تسجيل 25 هدف، قبل أن يحقق معه الصعود.
من لاعب عادي في لوهافر إلى محرّك فريق ليستر
كان رياض يبلغ 19 عاما عندما انضم إلى لوهافر في 2010 وكانت الأشهر التالية نقلة كبيرة له، إذ عمل المدرب «إريك مومبايرتس» على تطوير وعيه باللعبة ومهاراتها. وكانت البداية مع الفريق الرديف، حيث تألق وسجل 10 أهداف جعلته يظفر بعقد احترافي يمتد لثلاث سنوات، ليرفع رصيده إلى 24 هدفا بعد موسمه الأول، لكن التألق مع الفريق الثاني لم يرافقه نفس الأداء مع الأكابر في بطولة الدرجة الثانية الفرنسية خلال أول موسمين، إذ لم يكن يلعب إلا نادرا لغاية الموسم الثالث، وهذا بحجة تواضع لياقته البدنية، قبل أن يحصل على فرصته مع المدرب «مومبارتس» الذي وثق بإمكاناته في الموسم الأخير له مع لوهافر. وفي جانفي 2014، غير رياض الأجواء ليغادر فرنسا متجها نحو ناد صغير في الدرجة الثانية الإنجليزية ليستر سيتي في صفقة بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني، بقيادة نايغل بيرسون، وثبّت اللاعب الجزائري أقدامه في الفريق الأساسي بعد فوز فريقه بلقب البطولة وصعوده للقسم الممتاز، وهو ما صاحبه دعوة المنتخب الأول عشية نهائيات كأس العالم بالبرازيل، حيث لم يبد أي تردد في تلبية دعوة مدرّب المنتخب الجزائري آنذاك، وحيد حاليلوزيتش. موسم 2015/2016 كان محطة تحوّل كبرى في مسيرة رياض وجعلته يأخذ سمعة «عالمية» بفعل الأهداف التي سجلها وتلك التي صنعها وحتى بالطريقة التي «عذب» بها مدافعي «البرميرليغ» لتتهاطل عبارات الثناء والمدح وتتوج بجائزة أفضل لاعب للموسم عن جدارة واستحقاق.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المخرج سجاد المعموري3
حبا حبيبتي نووورتي