هو العليم
توصيات آية الحقّ
المرحوم الحاج الميرزا السيد علي القاضي الطباطبائي
في أشهر رجب و شعبان و رمضان
__________________________________________________ _____________
لقد تفضّل المرحوم العلامة آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني فاض الله علينا من بركات تربته بهذه الأوامر في إحدى الجلسات الخاصّة مع رفقائه، وذكر أنّه نقلها عن آية الحقّ المرحوم الحاج الميرزا السيد علي القاضي الطباطبائي من الرسالة الخطيّة المسمّاة (صفحات من تاريخ الأعلام و المكتوبة بقلم ولده، و كان العلامة يؤكد على العمل بها والمداومة عليها، و قد أمر طلابه بالخصوص أن يدوّنوها في دفاترهم (لذا فقد قام الحقير بنسخها مباشرة من نسخته الخاصةّ الموجودة في مكتبته، و ها نحن نضعها بين يدي المهتمّين مع زيادة توضيح منه رضوان الله عليه، بالإضافة إلى بعض التوضيحات من الحقير [مع الإشارة إلى التعليقات العائدة إلى المرحوم العلامة رضوان الله عليه].
و هذا هو المتن:
«الْحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، وَ الصلاة وَ السلامُ على الرَّسولِ الْمبينِ وَ وَزيرهِ الْوصيِّ الأَمين وَ أبنائهما الْخلفاءِ الرَّاشدين وَ الذُّريَّة الطاهرين وَ الخَلَفَ الصالح وَ الماءِ الْمعين صَلّى اللهُ وَ سلّمَ عليهمْ أجْمَعينَ».
تَنبهْ فَقدْ وافَتكمُ الْأشهُرُ الْحرُمْ[1] ***** تَيقظْ لكي تَزدادَ في الزَّادِ وَ اغْتنمْ
فقُمْ في لياليها وَ صُمْ منْ نهارها ***** لِشكْر إلهٍ تَم فِي لُطْفه وَ عَمْ
وَ لا تَهجَعَنْ في اللَيل إلاَّ أقَلَّهُ ***** تَهَجّدْ وَ كمْ صَبٍّ من اللَيْل لَمْ يَنَمْ[2]
وَ رتِّلْ كتابَ الْحَقِّ وَ اقرأَهُ ماكثاً ***** بِأَحْسن صوتٍ نورُهُ يشرقُ الظلمْ
فَلمْ تحظَ بَلْ لَمْ يُحظَ قط بِمِثْله ***** وَ أخْطأَ مَنْ غيرَ الذي قُلْتُهُ زَعمْ
وَ سلِّمْ على أَصْل القُرَانِ وَ فصلِهِ ***** بَقِيَّة آل الله كُنْ عبْدَهُ السَّلمْ
فَمنْ دانَ للرَّحْمن في[3] غيرِ حُبِّهمْ ***** فَقَدْ ضَلَّ في[4] إنكارهِ أعظمَ النِّعمْ
فَحُبهمْ حُبُّ الالهِ اسْتعذْ به ***** هُمُ الْعروَةُ الوُثقى فَبالعرْوَة اعْتصمْ
ولاتَكُ باللاهي عن الْقول وَ اعْتَبرْ ***** معانيه كيْ تَرْقى إلى أرْفَع الْقمَمْ
عَليكَ بِذكر الله في كُلِّ حالةٍ ***** وَ لا تَن فيهِ لا تقُلْ كيْفَ ذا و كم! [5]
فهَذا حِمى الرَّحمن فادْخلْ مُراعياً ***** لِحرماته فيها عَظِّمْهُ وَ التزمْ
فَمَنْ يعتصم بالله يُهْدَ صراطُهُ[6] ***** فإنْ قُلْتَ رَبِّي اللهُ يا صاحِ فاسْتقمْ
قالَ عَزَّ منْ قائلٍ: {وَ مَنْ يعتصِم بِالله فقَدْ هُدي إلَى صِراطٍ مستقيمٍ} [7]
وَ قالَ: {وَ اسْتقمْ كَمآ أمرْتَ... } [8]
وَ قالَ جلَّ جلالُهُ العَظيمُ: {إنَّ الذين قالوا رَبُّنا اللهُ ثمَّ استَقَاموا تتَنَزَّلُ عليْهمُ الملائكَة... } [9] .
انتبهوا ـ إخواني الأعزَّة وَفقَكمُ اللهُ لطاعتِهِ ـ فَقَدْ دَخلنا في حِمى الأشَهرِ الْحرُمِ[10]،
لقد دخلنا في حرم الله تعالى الزماني، فكما يجب علينا أن نجتنب بعض الأمور التي لا تعتبر حراماً في غير الحرم وتصير محرمة عند دخول الحرم، كذلك الحال في هذه الأشهر فهي بمثابة الحرم الزماني، لذا علينا أن ننتبه ونلتفت عند دخولنا فيها.
فَما أعظم نِعَم الْباري علينا وَ أتَمَّ.
فالْواجِبُ علينا قَبْلَ كُلِّ شيْءٍ التوبَةُ بشُروطها اللازمَةِ وَ صَلَواتُها الْمعْلُومَةِ[11] ..
المقصود طريقة التوبة التي بينها رسول الله صلى الله عليه و آله، و هي مذكورة في كتب الأدعية مثل (مفاتيح الجنانفي أعمال شهر ذي القعدة ، يقول في المفاتيح في أعمال شهر ذي القعدة: وصفتها أن يغتسل في اليوم الأحد ويتوضّأ ويصلّي أربع ركعات يقرأ في كلّ منها الحمد مرّة وقُلْ هُوَ اللهُ اَحَدٌ ثلاث مرّات والمعوّذتين مرّة ثمّ يستغفر سبعين مرّة ثمّ يختم بكلمة لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ الْعَليِّ الْعَظيمِ ثمّ يقول : يا عَزيزُ يا غَفّارُ اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَذُنُوبَ جَميعِ المؤمِنينَ وَالْمُؤمِناتِ فَاِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ أنْتَ .
ثُمَّ الاحتماء مِنَ الكبائِرَ وَ الصَّغائِرِ بِقدْر القُوَّة.
فَلَيْلَةُ الجُمُعة أوْ يوْمُ الأحدِ تُصَلوُّنَ صَلاةَ التوبة ليلةَ الْجمعَةِ أوْ نهارِها؛ ثُمَّ تعيدُونها يوْمَ الأحَدِ في الْيومِ الثانِي مِنَ الشَّهْرِ[12] .
ثُمَّ تلتزمونَ المراقَبَة الصَّغْرى[13] وَ الكُبْرى[14] وَ المُحاسَبَةَ وَ المُعاتَبَة بِما هُوَ أحْرى. فَإنَّ فيها تَذْكرةً لِمَنْ أرادَ أن يَتَذَكَّرَ أوْ يَخْشى.
ثُمَّ أقْبَلوا بقلوبكُمْ وَ داوُوا أمراضَ ذُنوبكُمْ وَ هَوّنوا بالاسْتغْفار خُطُوبَ عُيوبِكُمْ.
وَ إياكُمْ وَ هَتْكَ الْحرماتِ فَإنَّ مَنْ هَتَكَ وَ إنْ لَمْ يهتكِ الكريمُ عليِهِ فهُوَ مَهْتوكٌ.
وَ أنّى يرْجى النجاةُ لِقلبٍ ارتبكَتْ فيهِ الشُّكوكُ [15] حتى يسلِكَ سَبيلَ المتّقينَ وَ يَشْربَ منَ الماءِ الْمَعينِ مَعَ الْمُحسنين؟! وَ اللهُ الْمستعانُ على نَفْسي وَ أنْفسِكُمْ وَ هُوَ خيْرُ مُعينٍ.
الأوامر العمليّة لهذه الأشهر الثلاثة:
1 عَليْكُمْ بالْفرائض في أَحْسن أوقاتها وَ هي مَعَ نوافلها الإحدى وَ الخمْسين[16] . فانْ لَمْ تتَمَكَّنُوا فبأرْبَعٍ وَ أرْبعينَ[17] . وَ إنْ مَنعتكُمْ شواغِلُ الدُّنْيا، فَلا أقَلَّ مِنْ صلاة الْأوَّابين[18] .
2 وَ أما نَوافلُ الليْلِ فلا محيصَ منها عنْدَ المؤْمنين. وَ العجبُ ممَّنْ يَرومُ مرْتبةً مِنَ الكَمالِ وَ هُوَ لا يَقُومُ الليالي! وَ ما سَمعنا أحَداً نالَ مرْتبةً مِنهُ إلا بِقيامِها.
3 وَ عَليكُمْ بقراءة الْقرآنِ الْكريم في اللَيل بِالصوتِ الْحَسَنِ الْحزين[19]، فهُوَ شرابُ الْمُؤمنين.
4 وَ عليكُمْ بالتزام الْأوْراد الْمعْتادَة التي هي بيد كُلِّ واحدٍ منْكُمْ. وَ السّجْدَةِ الْمَعهُودَةِ[20] مِنْ 500 إلى 1000.
أي السجدة اليونسية مع ذكر {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}
5 وَ زيارَة المشْهد الْمعظَّم الْأعظم[21] كُل يومٍ. وإتيانُ الْمساجدِ الْمعظَّمَة[22] ما أمْكنَ. وَ كذا سائِرَ الْمساجدِ. فَإنَّ الْمُؤْمن في الْمسجد كالسَّمَكة في الماء.
6 وَ لا تترُكوا بَعدَ الصلواتِ الْمفروضاتِ تسبيحةَ الصِّديقة صلواتُ اللهِ عليها، فإنَّها مِنَ الذِّكْر الكبير. وَ لا أقَلَّ في كلِّ مَجْلِسٍ دوْرَةٌ.
7 وَ مِنَ اللازمِ الْمُهمَّ الدُّعاءُ لفرجِ الْحجَّة صَلواتُ اللهِ عَليهِ في قُنوتِ الْوتر[23] . بَل في كُلِّ يومٍ و في جميع الدَّعوات.
وهو الدعاء الوارد في مفاتيح الجنان، والذي يشرع بالعبارة التالية: "إلهي عظم البلاء و برح الخفاء...
8 وَ قراءةُ الْجامعة[24] في يومِ الجُمُعة أعْني الجامعةَ الْمعروفَةَ الْمشروحَة.
وهي الزيارة الجامعة الكبيرة.
9 وَ لا تَكونُ التلاوة أقلَّ مِنْ جزْءٍ.
10 وَ أكْثروا منْ زيارة الإخوان الأبرار؛ فإنّهمْ الإخْوانُ في الطريق وَ الرَّفيقُ في المضيق.
11 وَ زيارة القبور في النَّهار غبّاً[25] وَ لا تزورُوا ليْلاً.
مَا لنا وَ للدُّنْيا قَدْ غرَّتْنا! وَ شَغلتْنا وَ اسْتهوَتنا وَ ليْسَتْ لَنا!!
فَطوبى لرجالٍ أبْدانُهمْ في الناسوت وَ قلوبُهُمْ في اللاهوتِ.. أولئك الأقلونَ عدَداً.. وَ الأكْثرونَ مَدَداً.. أقولُ ما تسْمعونَ وَ أَسْتغفرُ الله;)) [26] .... 1357 هـ ق
هذه هي الأوامر التي أعطاها المرحوم القاضي لطلابه، و على الرفقاء أن يؤدوها في هذه الأشهر الثلاثة، و لكن على كلّ شخص أن يؤدّي منها بمقدار طاقته، فمن لم يقدر أن يصوم كلّ يوم فليصم خمسة أيام من رجب و عشرة أيام من شعبان، و بشكل عام يجب أن يراعي كلّ واحد مزاجه و قدرته و استعداده.
كما عليه قراءة القرآن في الليل بمقدار الاستطاعة.
إذا استطعت ألا تنام فلا تنم أصلاً، و إذا لم يستطع الإنسان ألا ينام، فلا بأس.. و لكن ليكن صبّا .. أي ليكن عنده لهفة و حرقة قلب، و عليه أنْ ينام باكراً و يسعى أنْ يكون نومه نوماً خفيفاً يسهل عليه الاستيقاظ، و بالمقدار الذي ينال الجسد حقّه من الراحة.
لقد كان المرحوم القاضي ينام أوّل الليل، ثمّ يستيقظ و يصلّي، ثمّ ينام مرّة أخرى، ثمّ يستيقظ ثانية و يصلّي، و هكذا إلى ما قبل ساعتين من الفجر، حيث لم يكن ينام بعدها، و أما المرحوم الآخوند فكان يستيقظ قبل الفجر بثلاث ساعات.
إذا لم تصلّوا صلاة الليل فلا فائدة.. و عندها فلا معنى للعرفان, إذ العرفان بالعمل لا بالكلام!
اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد.