شيد السريان الحمصيون كاتدرائية أم الزنار في حمص في بستان الديوان –
سنة ( 59 م ) في زمان البشير إيليا
وسميت بهذا الاسم لوجود زنار السيدة العذراء فيها
( وكانت قبل وجوده عام ( 476 م ) تعرف بكنيسة السيدة العذراء.
وظل أمره سراً حتى عثر عليه بالمصادفة سنة 1953 م قداسة البطريرك مار اغناطيوس افرام الأول برصوم، بينما كان يتفقد المخطوطات السريانية، وكان قبل قرن من اكتشافه الأخير قد عثر عليه ثم أعيد إخفاءه.
وكنيسة أم الزنار؛ هي إحدى أهم معالم مدينة حمص الأثرية، وأقدم كنيسة في
حمص، كما لا يمكن للسائح أن يزور حمص دون أن يعرِّج على هذه الكنيسة
المقدسة.
وتقع الكنيسة في حي بستان الديوان، وأول ما شُيدت كانت صغيرة، بسيطة،
بشكل قبو تحت الأرض في القرن الأول الميلادي.
وأهمّ ما يميّز في الكنيسة الأيقونات المشهورة وطرازها المعماري، حيث بنيت
من الحجر البازلتي الأسود، تزينه القناطر والزخارف المصنوعة يدوياً بدقة منذ
القرن التاسع عشر، والمكتشفات الأثرية التي تمّت فيها، حيث توجد تحت
الكنيسة كنيستان، إحداهما فوق الأخرى، ولا تزال التنقيبات جارية حتى
الآن، كما توجد بئر ماء تصل إلى عمق 20م، تحتوي على مترين ونصف من
الماء، والغريب في الأمر أنّ مستوى الماء لم يتغيّر فيها منذ نشوء الكنيسة وحتى
الآن مهما اُخذ منه.
اكتشاف الزنار...
خاف الحمصيون على الزنار فدفنوه داخل الكنيسة في وعاء معدني، وظلّ
كذلك حتى سنة 1852م، حيث أراد السريان تجديد كنيستهم، فوجدوه ثم
أعادوه إلى مكانه، ووضعوا فوقه حجراً كبيراً نقشوا عليه بالخط الكرشوني
(مزيج بين الكتابة السريانية والعربية)، تاريخ تجديد الكنيسة وتاريخ بنائها،
كما نقشوا أسماء المتبرعين، ونتيجة عوامل عديدة، أهمها الاضطهاد الذي وقع
على الكنيسة، لجأ الآباء إلى إخفاء الزنار، ونُسي أمره حوالي مئة عام.
وفي شهر نيسان عام 1953م وأثناء تصفُّح إحدى المخطوطات لوحظ أنها
جُلِّدت بعدة أوراق مكدسة بعضها فوق بعض، وعندما فتح هذه الأوراق
وُجد أنها مؤلفة من 46 رسالة بالكرشوني والعربي تخص أبرشية حمص
وتوابعها للسريان، ومكتوبة منذ أكثر من مئة عام. إحداها وهي كرشونية
طولها 38 سم وعرضها 20 سم، كتبها وجهاءُ أبرشية سورية إلى وجهاء
مدينة ماردين السورية عام 1852، تتضمن أحوال أبرشيتهم، حيث ذكروا
فيها أنهم قد هدموا كنيستهم المسماة باسم السيدة العذراء أم الزنار في حمص
بغية توسيعها وتجديد بنائها القديم والصغير الحجم.
ووجدوا زنار السيدة العذراء موضوعاً في وعاء بوسط المائدة المقديسة في
الهيكل. وبناء على هذه المعلومات كُشفت المائدة المقدسة صباح يوم 20
من تموز عام 1953م، فوُجِد رقيمٌ حجريٌ مكتوبٌ باللغة الكرشونية،
يَذكر أنه في سنة 59م بنيت هذه الكنيسة المقدسة وذلك في زمان البشير
ملا، المدعو أيضاً إيليا ثم ذُكِر تاريخ تجديد الكنيسة سنة 1852م. ووُجد
تحت الحجر جرن قديم مغطَّى بصفيحة نحاسية مدورة داخل الجرن، ووجد
وعاء معدني قد تفتت بفعل عوامل الزمان، وكان يحتوي على الزنار الشريف
ملفوفاً بعضه فوق بعض وعلامات القدم بادية عليه، وكان إلى جانبه أنبوب
معدني رقيق يقع في طرف الوعاء الأعلى، والجرن من الحجر البركاني على
شكل تاج وعمود بسيط ارتفاعه 12 سم، وطول ضلع سطحه العلوي 24
سم وطول ضلع قاعدته 29 سم في منتصف ضلع سطحه العلوي قرص
نحاسي قطره 15 سم مزين بدوائر متحدة المركز، يغطِّي حفرة نصف بيضوية تقريباً قطرها العلوي 16 سم.
مواصفات الزنار..
يبلغ طول الزنار 74 سم وعرضه 5 سم وسمكه 3 ملم ولونه
(بني فاتح-بيج) تقريباً، وهو مصنوع من خيوط صوفية طولانية في الداخل
ويُرجَّح أنها من الكتَّان، نُسج عليها خيوط من الحرير، وطُرِّز الزنار بخيوط
من الذهب على سطحه الخارجي؛ وقد تآكل من أطرافه وظهرت عليه أملاح
وتأثَّر بتأكسد العلبة المعدنية.
وما زال حتى يومنا هذا الجزء الباقي من زنار السيدة موجوداً في الكنيسة
وموضوعاً في مكان يليق به.
وقد شهدت الكنيسة الكثير من المناسبات والأحداث، ومنها رفع أكبر شجرة
طبيعية، والكثير من الأحداث الدينية الأخرى.
تنقلات الزنار..
أخذ القديس توما الزنار معه عند عودته الثانية إلى الهند، وصحبه معه في
الأماكن التي بشر فيها حتى وفاته، فحفظ الزنار مع رفاقه طوال أربعة قرون،
وفي أواخر القرن الرابع الميلادي نقل الزنار من الهند إلى الرها مع رفاة
القديس، ثم نقل الزنار وحده إلى كنيسة العذراء في حمص سنة 476 م
حيث أنّ راهباً يدعى الأب «داود الطورعبديني» قد حلّ في الكنيسة ومعه
الزنار، فسمّيت الكنيسة نسبة إلى هذا الزنار.
قصة الزنار..
كانت السيدة العذراء في الرابعة عشرة من عمرها عندما حملت بالسيد المسيح
الذي ولدته، وهي بتول، فربّته وشهدت موته وقيامته، وواظبت على التعبد
والتأمل حتى وفاتها فشيّعها الرسل، وكانت قد بلغت السبعين من عمرها،
وبعد وفاتها بثلاثة أيام حمل الملائكة جسدها الطاهر إلى السماء، وحينذاك
رآهم القديس توما، الذي كان يبشر في الهند، والذي لم يشترك في التشييع،
فطلب علامة يبرهن بها لرفاقه حقيقة صعودها إلى السماء فأعطوه زنارها.