من اهل الدار
شذى الربيع
تاريخ التسجيل: September-2013
الجنس: أنثى
المشاركات: 54,573 المواضيع: 8,723
صوتيات:
72
سوالف عراقية:
0
مزاجي: Optimistic
موبايلي: Note 4
الأرستقراطيون سموا أبناءهم بأسماء عربية/كيف تنافست أوروبا لكسب المسلمين؟ اقرأ الحكاية
الأرستقراطيون سموا أبناءهم بأسماء عربية.. كيف تنافست أوروبا لكسب المسلمين؟ اقرأ الحكاية كاملة
قبل أن تبدأ القارة في إجراءات حظر الحجاب، اعتاد الأرستقراطيون الأوروبيون تغيير أسمائهم إلى عبد الله ومحمد، وكان الذهاب إلى المسجد المحلي أحدث الصيحات.
يبدو مسجد فيلمرسدورف، بمآذنه العالية وقبابه التي شُيدت على الطراز المغولي، والواقع بشارع بيرنيير بجنوب غرب برلين، كما كان منذ بنائه عام 1920، ولكن المؤسسة تغيرت، شأنها شأن المدينة التي تحيط بها.
المسجد اليوم مكان هادئ. يقوم بشكل رئيسي بدور مركز للمعلومات، ويزوره أطفال المدارس في رحلات ميدانية أحياناً إذ يقوم باستضافة حفلات الغداء للتقارب بين الأديان. وتظهر جماعة صغيرة من المسلمين بانتظام لصلاة الجمعة.
انفتاح الأوربيين على الإسلام
كل شيء يبدو بعيداً كل البعد عن تلك الأيام، حينما كان مسجد فيلمرسدورف هو المركز الحيوي لحركة الثقافة الروحية المضادة في جمهورية فايمار (جمهورية ألمانيا بعد الهزيمة من الحرب العالمية الأولى وحتى إحكام هتلر لسيطرته على الدولة).
جذبت جمعية الدعوة الأحمدية -من منطقة البنجاب بالهند البريطانية والتي قامت ببناء المسجد- حشداً متنوعاً في عشرينيات القرن العشرين ببرلين، واستضاف المسجد المحاضرات التي تناولت الأسئلة الفلسفية المطروحة وقتها. وشملت المواضيع التي تمت مناقشتها، الفجوة المتزايدة بين الحياة والدين، مستقبل أوروبا، ومستقبل البشرية جمعاء. حضر الألمان هذه المحاضرات من جميع الأعمار، حيث كانوا يُصارعون خيبة الأمل العميقة في الحضارة المسيحية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ضمن سعيهم للحصول على بدائل دينية حديثة وعقلانية، وكذلك روحية، وكثيرٌ منهم تحول في نهاية المطاف إلى الإسلام.
يصعب تخيُل هذا المشهد في ألمانيا اليوم، حيث دعا حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني لحظر النقاب والمآذن، وأكثر من نصف الألمان يقولون إنهم يعتبرون الإسلام تهديداً. ولكن في فترة ما بين الحربين، كانت برلين تتفاخر باحتوائها على نخبة من المثقفين المسلمين، ولم يكونوا من المهاجرين والطلاب من جنوب آسيا والشرق الأوسط فقط، ولكن أيضاً الألمان الذين اعتنقوا الإسلام من جميع فئات المُجتمع.
في ذلك الوقت، مثّل الإسلام صيغة روحية من الثقافة المُضادة –بل والغريبة على المجتمع– وقد اعتنقها بعض اليساريين التقدميين، مثلما حدث مع اعتناق البوذية في كاليفورنيا في سبعينيات القرن الماضي أيضاً.
تنافس أوربي لكسب المسلمين
لم يكن الألمان استثناءً في إظهار هذا النوع من الانفتاح –بل وحتى الانبهار- بالإسلام. فقد شهدت بدايات القرن العشرين ظهور الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الأولى في أوروبا الغربية، ومعها جاء المتحولون للإسلام في بريطانيا وهولندا كذلك. هذه فترة منسية تقريباً من التاريخ. ولكنها ذات أهمية خاصة اليوم، حيث تتسم العلاقة بين الإسلام وأوروبا بالقلق وأحياناً العداء الصريح، بشكل مُتزايد.
حتى المناقشات الدقيقة حول الإسلام في أوروبا -تلك التي تأخذ بعين الاعتبار العوامل الهيكلية التي أدت لتهميش السكان المسلمين في القارة- لا تزال في الأغلب تُعتبر وجود الدين كظاهرة جديدة وشائكة، شيئاً غريباً عن الحياة الثقافية والسياسية في أوروبا التي نعرفها.
ولكن بمجرد النظر إلى الخلف في أوائل القرن العشرين –بشكل أساسي في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، أي فترة ما بعد الموجة الأولى من هجرة المسلمين إلى أوروبا في أعقاب الحرب- يتبين لنا أن علاقة الغرب بالإسلام كانت مختلفة جداً عن اليوم. كانت علاقة قائمة على الفضول من جانب المواطنين الأوروبيين وعلى المحاباة من جانب حكوماتهم.
في ذات الوقت، كان المواطنون الأوروبيون يُجربون التعامل مع الدين الشرقي الوافد، كانت الحكومات الأوروبية تقدم معاملة خاصة للمواطنين المسلمين وتلبي رغباتهم بطرق قد تبدو للوهلة الأولى مستغربة: الحكومة الفرنسية العلمانية أنفقت ببذخ على مساجد فاخرة البناء، في حين سعت ألمانيا إلى إثبات تفوقها في معالجة أوضاع المسلمين بالمقارنة مع فرنسا وبريطانيا. دراسة هذا الماضي تُعتبر بمثابة تذكير بأن اللقاء بينهما ليس أمراً جديداً، بل والعلاقة بين الغرب الأوروبي والإسلام لم تكن دائماً على ما هي عليه اليوم، وقد لا تبدو دائماً بهذه الطريقة في المستقبل.
الطبقة الأرستقراطية تعتنق الإسلام
تَحَوُّل شخص مثل هوجو ماركوس -الفيلسوف اليهودي الشاذ- إلى الإسلام، يُظهر لنا أن الإسلام لم يكن متواجداً فقط في أوروبا في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، بل مثّل بالنسبة للبعض دوراً حيوياً في المناقشات حول ما يجب أن يبدو عليه مستقبل القارة.
ولد ماركوس، الذي ساعد في إدارة مسجد فيلمرسدورف في عام 1880، وانتقل إلى برلين لدراسة الفلسفة. اعتنق الإسلام عام 1925، بعد تدريس مهاجرين مسلمين شباب من جنوب آسيا. متبنياً اسماً إسلامياً، وهو "حامد"، كتب ماركوس مقالات لمجلة المسجد انتقد فيها مشاهير الفلاسفة حينها -غوته ونيتشه، سبينوزا وكانط- وذهب إلى القول بأن الإسلام عنصر ضروري في صياغة " الرجل الجديد" وهو المصطلح الذي استُخدم لوصف المواطن المثالي للمستقبل.
وكان مفهوم "الرجل الجديد" مفهوماً فلسفياً عصرياً استخدمه الجميع، بداية من الاشتراكيين إلى الفاشيين، كما كان مفهوماً مركزياً بالنسبة لكلٍ من السوفييت والحزب الاشتراكي الوطني. وبالنسبة لماركوس، كان الإسلام، وريث الديانات السماوية؛ اليهودية والمسيحية، هو العنصر المفقود في قلب فكرة "رجل المستقبل".
تمكنت البعثة الأحمدية من إنشاء مسجد آخر في أوروبا الغربية -مسجد شاه جهان في وكينج، بإنجلترا. تم تدشين المسجد في عام 1889، بواسطة جوتليب فيلهلم ايتنر، وهو المستشرق الضليع في اللغات الأنجلو-الهنجارية، والذي –حسب أغلب الأقوال- لم يعتنق الإسلام، ولكنه خدم كمترجم في حرب القرم، وسافر كثيراً في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومع عدم وجود أحد للإشراف على
المسجد بعد وفاة مؤسسه غريب الأطوار بعد مرور 10 أعوام، تم هجر المبنى.
ولكن قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، تولى خواجة كمال الدين المحامي الهندي المولد وعضو الجماعة الأحمدية إدارة شؤون المسجد، فأعاد إحيائه. التقط المسجد -الذي يقع على بعد 30 ميلاً جنوب لندن- بنجاح المتحولين للإسلام بين الطبقات العليا والوسطى وغيرها ممن تشاركوا في عدم رضاهم عن المسيحية والمجتمع الغربي الحديث.
أحد الشخصيات الأسطورية التي اعتنقت الإسلام في ذاك الوقت كان الأيرلندي اللورد بيير هيدلي. ولد باسم رولاند جورج ألانسون-وين، الخامس- بارون هيدلي وتحول إلى الإسلام في عام 1913، واعتمد الاسم المسلم "الشيخ رحمة الله الفاروق".
أصبح اللورد هيدلي أيقونة للبريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام. في 1920 عشرينيات القرن العشرين ذهب إلى أداء فريضة الحج وكتب عنها كتاباً شهيراً. كما كتب العديد من الكتب والمقالات عن الإسلام، وكان متأكداً أنه سيكون للإسلام مستقبل مجيد في بريطانيا.
على مستوى الأفراد، يبدو واضحاً أن الإسلام فاز ببعض الأوروبيين الذين يبحثون عن مهرب من تقاليد العالم الحديث. بيتر هنريكوس فان دير هوج -وهو طبيب أمراض جلدية هولندي أسس شركة مستحضرات تجميل، لا تزال تقدم كريمات الوجه للنساء في هولندا حتى اليوم، اعتنق الإسلام خلال هذه الفترة، وذهب للحج بمكة.
كما تحول هاري سانت جون فيلبي، ضابط المخابرات البريطانية ووالد كيم فيلبي -العميل المزدوج سيئ السمعة- للإسلام عندما كان يعيش في المملكة العربية السعودية عام 1930 وتسمى باسم عبد الله. أحد المتحولين للإسلام، في تلك الفترة كان الكاتب اليهودي ليوبولد فايس، والذي اعتمد اسم محمد أسد. ابنه طلال أسد، هو أحد أكثر علماء الأنثروبولوجيا تأثيراً على قيد الحياة اليوم.
امتيازات للمسلمين لم يحصل عليها اليهود
أظهرت الحكومات الأوروبية الغربية في أوائل القرن العشرين تسامحاً وتحيُزاً تجاه الإسلام قد يُدهش القراء المعاصرين، على الرغم من أن دوافعها في الكثير من الأحيان كانت نفعية أكثر من دوافع مواطنيها.
خلال الحرب العالمية الأولى، اعتمدت فرنسا وبريطانيا على رعاياهما في المستعمرات -وكان كثيرٌ منهم مسلمين- للخدمة في ميادين القتال الأوروبية، ولذا أبدت قدراً كبيراً من الاهتمام باحتياجات هذه القوات. فكانت توفر الأئمة للكتائب، كما حصل المسلمون في الجيوش على أحكام "الحلال" الخاصة بهم: فبدلاً من لحم الخنزير والخمر، تم منحهم الكسكس، والقهوة، والشاي بالنعناع. (على الجانب الآخر، لم تحصل كتائب اليهود على هذه المعاملة الخاصة). على الجانب الألماني، تم بناء أول مسجد في البلاد في معسكر لأسرى الحرب في فوندسدورف لاستيعاب الجنود المسلمين الأسرى، وليظهروا لهم كيف أن الألمان يُعاملونهم أفضل بكثير من الفرنسيين أو البريطانيين. النتيجة التي كانوا يأملونها من ذلك هي خلق اضطرابات بين السكان المسلمين في مستعمرات منافسي ألمانيا.
في فترة ما بعد الحرب، دفع تركيزُ الحركات المناهضة للاستعمار على الهوية الإسلامية، تلكَ الحكومات الأوروبية نفسها، إلى قلق متزايد. وتم إرسال المخابرات إلى المقاهي بالقارة، حيث يجتمع المفكرون المسلمون، بمن فيهم شكيب أرسلان، أحد أهم الإسلاميين في أوروبا في فترة ما بين الحربين العالميتين، والذي كان يستقر بجنيف، وهو جد السياسي اللبناني المعاصر وليد جنبلاط، وبدأ في حث جميع المسلمين على المقاومة.
لكن الحكومات الأوروبية حاولت أيضاً الفوز بالمسلمين، من خلال القوة الناعمة للدعاية. في عام 1926، بعد أكثر من عقدين من الزمن على توكيدها على التزامها بالعلمانية، اعتمدت الدولة الفرنسية على مجموعة متنوعة من الثغرات لتمويل بناء مسجد باريس الكبير -الفعل الذي ترك العديد من الكاثوليك بالبلاد غاضبين بسبب معاملة الدولة التفضيلية تجاه المسلمين. ظاهرياً، كان المسجد بمثابة تحية للجنود المسلمين الذين قاتلوا لصالح فرنسا خلال الحرب: عندما تم وضع حجر الأساس في عام 1922، أعلن مسؤول بلدية باريس، بول فليور، بفخر أنه عندما وجدت فرنسا نفسها في خطر في عام 1914، لم يتردد مسلموها في أفريقيا في المجيء والدفاع عنها. فالمسلمون كما قال "لم يكونوا آخر من لبى نداء وطن الآباء حين كان في خطر.. وقدم العديد منهم حياتهم دفاعاً عن الحضارة". وأضاف أن المسجد كان تعبيراً عن امتنان فرنسا، نصباً تذكارياً للجنود المسلمين الذين سقطوا في سبيل البلاد.
في الواقع، يرى المؤرخون المسجد الآن جزءاً من الدعاية الاستعمارية، التي هدفت إلى إعطاء الزوار الأغنياء مذاق القوة الإمبراطورية الفرنسية في العالم الإسلامي. فقد عاش العمال الآتون من شمال أفريقيا في باريس بعيداً عن المسجد، كما لم تتوافق جداول أوقات العمل بمصانعهم مع مواقيت الصلاة. كما جعل ارتفاع أسعار الحمامات والمطاعم، الذهابَ هناك، أمراً بالغ الصعوبة للجميع، ما عدا حفنة قليلة من النخب الفرنسية والمغربية. ولا يزال المسجد الذي تم بناؤه في الحي الخامس بباريس على الجانب المقابل لـ جاردن دي بلانت قائماً حتى اليوم، ويزوره السياح من جميع أنحاء العالم للتمتع بكوب من الشاي بالنعناع مع البقلاوة في المقهى أو شراء سجاد مغربي من محال بيع الهدايا، أو استنشاق "جو الشرق" في قلب باريس.
ومرة أخرى في عام 1935، خصت الدولة الفرنسية العلمانية رعاياها المسلمين ببناء مشفى في بوبيجني، بلدية صغيرة في شمال شرق باريس، وكان المشفى يقدم خدماته للمسلمين حصراً. كان من المفترض أن إنشاء هذه المستشفى كان لدعم مبدأ المساواة الجمهورية، وذلك من خلال توفير رعاية خاصة للمسلمين: حيث قدمت الطعام الحلال للمرضى، والبناء نفسه الذي صممه معماريون فرنسيون وفق ما اعتبروه طراز العمارة "الشمال أفريقي"، كانت فيه قاعات مُخصصة للصلاة ومقبرة إسلامية. في نفس الوقت، أبقى المستشفى الجديد المسلمين خارج المستشفيات العامة الباريسية، إذ أعرب مواطنون فرنسيون مخاوفهم من أن العمال الآتين من شمال أفريقيا قد يحملون أمراضاً تناسلية خطيرة – وتلك علامة على أنه بالرغم من فضولهم غير المتوقع تجاه الإسلام، إلا أن الأوروبيين كانوا عُنصريين في أغلب الأحيان. يقدم المستشفى مثالاً جيداً على استراتيجية الحكومة الاستعمارية النموذجية في تلك الفترة: تقديم الخدمات للسكان المسلمين لسببين: كسبهم من ناحية، وإخضاعهم لسيطرة الدولة من ناحية أخرى.
كسب ود المسلمين للقتال ضد السوفييت
ونتيجة لما تراكم بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب نفسها، كان لجهود الدول للفوز بالمسلمين غايةٌ جديدةٌ طارئة. خلال هذه الفترة، ساعدت بريطانيا في تمويل مسجدين في لندن، في حين حاول النازيون إقناع المسلمين -وخاصة في أوروبا الشرقية- بالانضمام إليهم في قتالهم ضد السوفييت. ولا سيما في البلقان، وشبه جزيرة القرم، والقوقاز، حيث قدم النازيون أنفسهم على أنهم حماة الإسلام. وذلك من خلال نشر الدعاية في الإذاعة والنشرات التي تركز على مكافحة البلشفية، ومكافحة اليهودية، والإمبريالية البريطانية. (تم إنشاء كتائب من المسلمين في الجيش الألماني، ولكن العديد من الجنود الذين انضموا فعلوا ذلك من أجل ظروف حياة أفضل، لا من أجل اعتبارات أيديولوجية.)
هذه الفترة التي تودد فيها الأوروبيون وحكوماتهم إلى الإسلام والمسلمين، تنبئ عن معاملة الإسلام الحالية في أوروبا الغربية، فالاهتمام الخاص بالمسلمين يرجع لرؤية هذا الدين كمصدر تهديد للمصالح الوطنية، لا كعلامة على قبوله في المجتمع، وهو نفس الفكر الذي قاد إلى برامج تدريب الأئمة تحت إشراف الدولة التي رعتها بريطانيا وهولندا في الأعوام الأخيرة.
ندبات الحرب ومرور الزمن تركا آثارهما على مسجد فيلمرسدورف ببرلين. المسجد الذي تحول لساحة حرب في نهايات الحرب العالمية الثانية، إبان الغزو الروسي لبرلين، فتحولت حدائقه الهادئة لخنادق حفرتها قوات النازية، بينما أُطلق الرصاص من مآذنه العالية. وأسفر القتال عن أضرار جسيمة لحقت بالمسجد بالإضافة إلى انهيار مئذنته. وعلى الرغم من جهود الترميم التي بُذلت منذ ذلك الحين، إلا أن المسجد لم يسترجع مجده السابق مرة أخرى. اليوم لا يعرف الكثيرون ماضيه التاريخي، ويقتصر مرتادوه عادة على صلاة الجمعة.
الأوربيون يتخلون عن الإسلام
في العقود الحافلة التي تلت الحرب، تلاشت أيضاً الفترة القصيرة التي اعتنق فيها بعض الأوروبيين الإسلام، ولا يُعرف لماذا، ربما يعود ذلك لتدفق الكثير من العمال المسلمين في الستينيات والسبعينيات مما جعلهم أقلية تزداد وضوحاً في تلك البلاد، وليس مجرد نسبة ضئيلة من السكان، وهو ما زاد من التوترات في المجتمع. ربما يعود ذلك أيضاً لطغيان الأحداث على التاريخ الذي ميز العلاقة بين المجتمع الغربي والشرق الأوسط، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.
لكن النظر للوراء هام لفهم التاريخ المعقد والثري للإسلام في أوروبا الغربية من جهاته المختلفة. فإذا كان حماس الحكومات لاستمالة السكان المسلمين بطرق خاصة قد ساعد على إرساء حس "الآخر" الذي تشعر به أوروبا تجاه الإسلام حالياً، قد يمثِّل مسجد فيلمرسدورف رؤية بديلة، وإشارة لزمن لم يرتبط فيه الإسلام في أذهان الأوروبيين بالقمع أو العداء للفكر أو التهديد. إن تذكرنا للمحاضرات التي عُقدت في وكينج وفيلمرسدورف وجمهورها المتنوع، إذ تشير بعض الشهادات إلى حضور الروائي الألماني توماس مان أحدها، تسمح لنا بتخيل العلاقة بين أوروبا والإسلام، والتي اتصفت بالحوار والسلاسة.
إن تاريخ الإسلام والمسلمين في أوروبا هو أقدم وأكثر تشابكاً مما يظن الكثيرون، وسيساعدنا الاعتراف بذلك على تخيل مستقبل يضم المسلمين باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من الحياة الأوروبية العامة، لا باعتبارهم غرباء رجعيين يشكلون تهديداً.
- هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأميركية. للاطلاع على المادة الاصلية، يرجى الضغط هنا.