وصفت الأحاديث والأدعية الإسلامية شهر رمضان بأسماء متعددة، تدلّ بأجمعها على عظمة هذا الشهر، ومن هذه الأسماء:
«1ـ شهر الله» «2ـ شهر الله الأكبر» «3ـ شهر ضيافة الله» «4ـ شهر نزول القرآن» «5ـ شهر تلاوة القرآن» «6ـ شهر الصيام» «7ـ شهر الإسلام» «8ـ شهر الطهور» «9ـ شهر التمحيص» «10ـ شهر القيام» «11ـ شهر العتق» «12ـ شهر الصبر» «13ـ شهر المواساة» «14ـ شهر البركة» «15ـ شهر المغفرة» «16ـ شهر الرحمة» «17ـ شهر التوبة» «18ـ شهر الإنابة» «19ـ شهر الاستغفار» «20ـ شهر الدعاء» «21ـ شهر العبادة» «22ـ شهر الطاعة» «23ـ شهر المبارك» «24ـ شهر العظيم» «25ـ سيد الشهور» «26ـ عيد أولياء الله» «27ـ ربيع القرآن» «28ـ ربيع الفقراء»، «29ـ ربيع المؤمنين» «30ـ المرزوق».
ونقف قليلاً عند بعض هذه الأسماء:
أوّلاً: شهر الله:
جاء عن الرسول(ص) في خطبته التي استقبل بها شهر رمضان، في آخر جمعة من شهر شعبان قوله(ص):
«أيّها النّاس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دُعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا (1)الله ربّكم بنيّات صادقة وقلُوب طاهرة، أن يوفّقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه، فإنّ الشّقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم...»(2).
فقد منح الله شهر رمضان شرف الانتماء إليه; لأنـّه طريق يوصل إليه تعالى، ففي هذا الشهر قد حوّل فيه نوم الصائم إلى عبادة، وأنفاسه إلى تسبيح، ويقبل فيه عمله ويستجيب فيه دعاءه. ويقول النبي(ص): «فإنّ الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم» وهذا معناه لو أنَّ أحداً، أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتى مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية، كان شقيّاً.
ثانياً: شهر القيام:
المراد هنا من القيام هو القيام إلى الصلاة في الليل والتهجّد في شهر رمضان وقد ورد استحباب صلاة «ألف ركعة» في ليالي هذا الشهر، وهذا العنوان يوحي بإنّ الله لايريد للإنسان أن يعيش الغفلة عن نفسه في هذا الشهر، فيترك النوازع الخبيثة تسيطر عليه، بل لابدّ أن يلاحق نفسه بالمحاسبة والمجاهدة بكلّ الوسائل الممكنة التي تصل بالإنسان إلى إخراج كلّ الأفكار السيئة والخبيثة من ذهنه.
ثالثاً: غرَّة الشهور:
عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «(إنّ عدّة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض)(3) فغرَّة الشهور شهر الله عزَّ ذكره وهو شهر رمضان»(4).
رابعاً: ربيع القرآن:
إنَّ القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبيّنا الأكرم(ص)، وهو عهد الله إلى خلقه، وهو رسالة الله إلينا وحبله المتين وهو الكتاب الأعظم. وفي هذا الشهر المبارك نزل القرآن الكريم من السماء حيث نزل جملة واحدة على قلب نبي الرحمة، في ليلة مباركة.
قال تعالى: { شهر رمضان الذي اُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان}(5). وقال تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين}(6).
فالقرآن هدىً للناس لاشتماله على البيِّنات الواضحة لكلّ فرد، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنّة وهو شفيع له يوم القيامة، ومن جعله وراءه ساقه إلى النار; ولذلك ينبغي للصائم أن يستثمر أوقات هذا الشهر بتلاوة القرآن الكريم، ولابدّ له أن يتدبّر معاني القرآن، وأن يتلو آياته بإمعان وتوجُّه، كي يزيده بصيرةً ويفهّمه الحياة على أفضل وجه.
قال رسول الله(ص): «ياسلمان عليك بقراءة القرآن، فإنّ قراءته كفّارة للذنوب، وستر من النار، وأمان من العذاب، ويكتب لمن يقرأه بكلّ آية ثواب مائة شهيد، ويعطى بكلّ سورة ثواب نبي، وينزّل على صاحبه الرحمة...»(7).
وخصوصاً في شهر رمضان الذي ورد عن الرسول(ص) في خطبته في آخر جمعة من شعبان، أنّه قال: «ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور».
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان»(8)
خامساً: شهر التوبة:
ورد عن رسول الله(ص): «شهر رمضان شهر الله عزّوجلّ، وهو شهر يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات، وهو شهر البركة، وهو شهر الإنابة، وهو شهر التوبة»(9).
وعن الامام الرضا(ع): «من كان تائباً من ذنب فليتب إلى الله تبارك و تعالى منه في شهر رمضان، فإنّه شهر التّوبة و الإنابة و شهر المغفرة و الرحمة، و ما ليلة من لياليه (إلّا) ولله تبارك و تعالى فيها عنقاء من النار كلهم قد استوجبوا بذنوبهم النار» (10)
إنّ أبواب رحمة الله تعالى مفتوحة للتائبين العائدين إلى ربّهم بعد خروجهم عن تعاليمه، فلابد للإنسان أن يتوب إلى الله تعالى، وقد خصّ هذا الشهر بأنّه شهر التوبة على الرغم من أن التوبة لاتختص بوقت إلاّ أنّ في هذا الشهر التوبة تقبل أسرع.
والتوبة: هي الرجوع إلى الله تعالى والندم على ما صدر من العبد، من الإساءة في جنب الله، وهي سبب لمحو الذنوب وإبدالها بالحسنات، وسبب لرفع الدرجات، فإنّه تعالى يحبّ التائبين من عباده، ويحبَّ الذين يكثرون التوبة، والاستغفار في كلّ يوم، حيث روي عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال: «إنَّ الله تعالى أشدُّ فرحاً بتوبة عبده من رجل أضلّ راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها»(11).
والتائب إذا كان عالماً بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة عن كلّ واحدة مفصّلاً، وإن كان لايعلمها على الإجمال، وجب عليه التوبة عن المفصّل بالتفصيل وعن المجمل بالإجمال.
فشهر رمضان يشبه إلى حدّ كبير نهر ماء جار طاهر أمامنا ونحن قد أحاطت بنا أوساخ الذنوب، فلابدّ علينا أن نعجّل بالتوبة ونغسل نفوسنا وقلوبنا بماء النهر الممتد أمامنا وهو شهر رمضان المبارك.
وعن جابر، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سمعته يقول: «التائب من الذنب كمن لاذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ»(12).
____________________________________
(1) في البحار: 93/356/ح25.
(2) إقبال الأعمال: 1/26، عيون أخبار الرضا7: 2/265، عنه بحار الأنوار: 93/356 .
(3) سورة التوبة:36.
(4) الكافي: 4/65 ـ 66/1 .
(5) البقرة: 185 .
(6) الدخان: 3 .
(7) بحار الأنوار: 89/17/18، ومستدرك الوسائل: 4/257/3 باختلاف يسير جدّاً .
(8) ثواب الأعمال: 103 .
(9) فضائل الأشهر الثلاثة: 95.
(10) فضائل الأشهر الثلاثة: 106.
(11) الكافي: 2/435/8 ، عنه: بحار الأنوار: 6/40 . وسائل الشيعة: 16/73/6 .
(12) الكافي: 2/435/10، ولاحظ: الخصال: 543