التعلّم عملية طبيعية بالنسبة للطفل. تبدو العبارة غريبة جدًا، أليس كذلك؟ لكن ما المقصود هنا هو التعلّم بمعناه الأشمل، من الورقة والقلم.. تعلّم اللغة الأم والقيم والمبادئ وخبرات الحياة، وأيضًا العلوم والمعرفة.
الطفل كائن ينمو كل يوم، فباستثناء نمو الجسد، يكون نمو العقل والشخصية عملية تعلّم يترقى فيها الطفل شيءً فشيءً. فالطفل يصبح طفلًا لأنه يمارس النمو والتعلّم كل يوم.
لكن الأمر ليس مقتصرًا على الأطفال فقط، الكبار أيضًا في نمو مستمر، يتعلمون من الحياة وخبراتها آلاف المرات عما تعلموه في المدرسة. أنت بالتأكيد لست الشخص الذي كنت عليه منذ ثلاث أو خمس سنوات. حقًا إنها مدرسة الحياة كما يصفونها.
الشخص الكبير الذي يتوقف عن التعلم والتطور، يُوصف بعدم النضج على مستوى الشخصية. وعلى المستوى المهني إذا لم يصقل معارفه وخبراته، يقف مكانه ولا يرتقي إلى مكانة أعلى.
والوسيلة التي يتعلّم بها الأطفال تختلف تمامًا عن الكبار. الطفل كائن بلا خبرة أو تجارب سابقه، عقله لا يزال في مرحلة التكوين والنمو.. ينظر إلى الدنيا بعينيه المندهشتين والمفتوحتين على وسعيهما، يتملكه الشغف والفضول للعبث بكل ما حوله حتى يكتشفه ويفهمه ويفك لغزه.
أما الكبار فلديهم مخزون من التجارب والمعارف الذي يجعل عملية التعليم مختلفة في طبيعتها عن الأطفال. نحن بحاجة لنفهم الفرق بينهما، حتى نُقدّم للطفل المواد التعليمية بالأسلوب الذي يناسبه ولا نحكم عليه من مكاننا وننتظر منه أن يفهم، ويتعلّم بنفس الطريقة بطرق لا تناسب طبيعته إطلاقًا.
التعلّم كعادة يومية

لدى البالغون مخزون كبير من الخبرة والمعرفة، ويصبح التعلم أسهل عليهم عندما تربط ما يتعلمونه بخبراتهم وتجاربهم وظروف عملهم وحياتهم. سيستوعبون المعلومة بسهولة أكبر عندما يتم ربطها بالمواقف التي يمرون بها أو المخزون المعرفي الذي بنوه عبر السنين.
والأطفال يتعلمون أسهل باستخدام حواسهم وأن يصبح التعلم كأنه نشاط أو لعبة ممتعة. قدّم للطفل كتابًا عن النباتات مثلًا، وسيجد صعوبة كبيرة في الفهم والحفظ، وحتى إن فعل.. ماذا سيستفيد مما تعلمه؟
أما إذا قدّمت للطفل هذه النباتات وبدأت بالشرح عليها، وعلّمته كيف يزرعها ويعتني بها بنفسه البسيطة في منزله، فهو قد اكتسب مهارة وعلمًا جديدًا، وفي نفس الوقت اكتسب قيمة تقدير الجمال والحفاظ على الطبيعة.
الأطفال يتعلمون ما يحبونه فقط

يحتاج البالغون دائمًا فهم قيمة ما سيتعلمونه أولًا والفائدة التي ستعود عليهم في المستقبل القريب من عملية التعلّم. هم يسألون أولًأ عن الفائدة قبل تعلّم أي شيء. لكن الأطفال يتعلمون لأنه تم إخبارهم أن عليهم أن يتعلموا، أو لأنهم يحبون موادًا بعينها، ولا يبحثون عن الهدف.. يتبعون ما يحبونه فقط.. بينما يضع البالغين هدفًا ليسيروا عليه.
ولذلك إذا أردت أن تعلّم طفلًا فاتبع اهتماماته وقدم له ما يحبه، وإذا أردت أن تعلّم شخصًا كبيراً فاقنعه بالفائدة والهدف.
الأطفال أكثر تفاعلًا.. ولكن

جهّز للطفل البيئة الصديقة التي تحترم رأيه وشخصيته وستجده نشيطًا جداً داخل الفصل، يتكلّم مع معلميه وزملاءه ويشاركهم تجاربه وما تعلّمه وفهمه خلال الدرس، فالأطفال يملؤهم الحماس للتعبير عن أنفسهم وإثبات استقلاليتهم في الرأي والشخصية، وحين يأتي الأمر للتعليم يصبحون أكثر اجتماعية وتواصلاً مع زملائهم عن الكبار الذين يصبحون أكثر هدوءً.
يصبح الطفل انطوائيًا ومنعزلًا فقط عندما تفسد البيئة التعليمية شخصيته، سواء بالتخويف والعقاب، وتدمي ثقته بنفسه أو وصفه بالفشل، أو عندما تكون المادة التعليمية مملة وتقليدية وتخلو من الأنشطة التي تحمس الطفل للتعلّم.
الاستمتاع بالتعلّم

أعط طفلًا أي نشاط تعليمي، وليكُن لعبة المكعبات التي يتعلم من خلالها أولى وأبسط مبادئ الفيزياء، ستجده يحاول فكها وتركيبها بكل الطرق الممكنة، لن يسأم أو يمل مهما فشل في بناء البرج أو تكوين الأشكال التي يريدها، فلديه عزم داخلي على اكتشاف الطريقة الصحيحة، لأن النشاط ممتع بالنسبة له، ويناسب طبيعته في التعلم من خلال اللعب والأنشطة.
أما الكبار فستجدهم أكثر تحفظًا من ناحية التجريب، ويفضلون التعلّم بطريقة معينة تعودوا عليها، حتى وإن لم تكن الطريقة المثلى التي تجعلهم أكثر تركيزًأ وإبداعًا.
لا يخافون الفشل

ليس للأطفال تلك التجارب الكثيرة التي تجعلهم يخافون الفشل بنفس الدرجة التي توجد عند البالغين. ينجذب الأطفال نحو الأنشطة التعليمية التي تثير اهتمامهم، وما يُهمهم هو اللحظة الحالية التي يمارسون فيها التعلم ويستكشفون الأشياء حولهم، وكأنهم يمارسون لعبةً ما. الخطر الحقيقي الذي يهدد عملية التعليم عند الطفل هو فقدان الحماس والتركيز.
أما البالغين فيحسبونها بطريقة مختلفة، فالتعلّم سيقتضي وقتًا ومجهودًا وربما مالًا، وهي أشياء قد تأتي على أولويات أخرى في حياتهم، فيكون الخوف من الفشل وضياع الجهد والمال محسوبًا بشكل قد يتسبب في ضياع فرصة حقيقية للنجاح.
لا يوجد شيء اسمه طفل فاشل أو يكره التعليم. الخطأ الحقيقي هو في الوسائل التربوية والتعليمية التي تفشل تمامًا في فهم طبيعة الطفل وحلّ مشاكله وتحفيزه باستمرار.. التحفيز الحقيقي الذي يخلق لديه الفضول للمعرفة، وليس التعلم لأجل المكافأة والحصول على إعجاب الآخرين.
المصادر 1 | 2