بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
•الوقفة الأولى:
جاء في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي في حديثه عن الإمام موسى بن جعفر :
" وكان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار"
لن نستطيع مجاراة الإمام موسى الكاظم عليه السلام في صرره التي كانت مضرب المثل، والتي كان يرد بها على إساءات الآخرين، لأن ذلك يحتاج – على فرض امتلاكنا المال – إلى نفس عالية قادرة على ممارسة أقصى درجات الضبط والكظم وحبس الانفعالات والتحكم بها، هذا أولا، وثانيا إلى ثقة مطلقة بالله وتوفيق رباني يعين على شح النفس التي لو امتلكت خزائن رحمة الله لأمسكت خشية الإنفاق.
ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور، فلنجرب صررا من نوع آخر نعارض بها إساءات الآخرين، لنجرب صرر الكلمات الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولنجرب صرر القبلات الصادقة بخاصة مع أبنائنا وبناتنا وأزواجنا، ولنجرب صرر العفو عمن أساء إلينا فأقدرنا الله عليه، ولنجرب ما أمكن من الصرر التي ذكرها الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق، إذ يقول:
اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وسدّدني لأن أُعارض مَن غشّني بالنُّصح، وأجزيَ من هجرني بالبِرّ، وأُثيبَ من حرمني بالبذل، وأُكافيَ من قطعني بالصلة، وأُخالفَ من اغتابني إلى حُسن الذِّكر، وأن أشكر الحسنة، وأُغضيَ عن السّيئة.
•الوقفة الثانية:
تعرض الإمام الكاظم عليه السلام لمحنة السجن، حيث أمعن خلفاء عصره في إبعاده عن الناس حتى لا يستضيئوا بنور هديه، لأنه كان ينشر الوعي والكرامة ورفض الظلم، وهذه مفردات لا يستسيغها الحكام الظلمة، ولا يطيقون من يدعو لها.
موقف الإمام من محنة السجن يمكن أن يكون نبراسا لكل من يتعرض لامتحان شديد أو ابتلاء عسير، سواء في نفسه أو ماله أو أهله أو ولده. فهو من جهة استطاع تحويل المحنة إلى منحة، حيث كان يقول في دعائه في ظلام السجون: "اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد"، وبهذه النظرة الإيجابية المتعمقة في ما وراء المحنة تحول السجن إلى نعمة تستحق الحمد. ومن جهة أخرى كان الإمام يستعين على محنة السجن وآلامه بالتفكير في النهايات والعواقب، فالعبرة دائما بالنتيجة، أو كما يقول السيد المسيح : البناؤون يقولون لكم إن البناء يكون بأوله وأنا أقول لكم إن البناء يكون بآخره.
ففي رسالة مقتضبة بعث بها إلى هارون الرشيد وكان نصها مكثفا ومعبرا قارن بين النهاية المنتظرة والعاقبة المتوقعة لكليهما، حيث قال : إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.
•الوقفة الثالثة:
كان الإمام الكاظم عليه السلام يمشي في الأزقّة يوماً فسمع غناءً ماجناً ينبعث من أحد البيوت . وفي الأثناء خرجتْ فتاة ، فتوقّف الإمام وسلّم عليها ثم سألها قائلاً : صاحب البيت حرٌّ أم عبد ؟ .
فقالت متعجّبة : بل حرّ .
فقال الإمام : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .
عادت الفتاة وسألها صاحب البيت – واسمه بشر – عن سبب تأخّرها فقالت : مرّ رجلٌ وسألني : صاحب البيت حرّ أم عبد .فقال بشر : وبماذا أجبتيه ؟
قالت الفتاة : قلت له : حرّ ، فقال لي : صدقتِ لو كان عبداً لخاف سيّده .
أطرق بشر مفكراً ، وشعر بالكلمات تهزّ أعماقه ، فانطلق خلف الإمام حافياً يعلن توبته. ومن ذلك اليوم دُعي ببشر الحافي واشتهر بين الناس بزهده وعبادته.
سؤال: كم بيننا من أبنائنا الذين تاهت بهم السبل وضاعوا في دنيا اللهو والملذات من يحتاج إلى كلمة صادقة منبعثة من قلب كاظمي رقيق ليتحول إلى بشر الحافي؟!
أعتقد أن الكثير من الضائعين استرسلوا في متاهات الضياع لأنهم لم يجدوا من يتحمل المسؤولية ويأخذ بأيديهم إلى شواطئ النور، لقد كدنا أن ننسى شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مكتفين بالتفرج على ما يحدث حولنا من انهيار أخلاقي وارتفاع لنسبة الجريمة في مجتمعنا.
•الوقفة الأخيرة:
هي عبارة عن وصية منه لأبنائه نحتاجها كثيرا في تعاملاتنا مع الآخرين من حولنا، حيث تحمل كل معاني النبل والتسامح والترفع عن أخطاء الآخرين، وقبول اعتذار المعتذرين. يقول في وصيته الدافئة:
يا بَني : إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آتٍ فأسمع أحدكم في الأذن اليمنى مكروهاً ثم تحوّل إلى اليسرى فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره.
هل نستطيع أن نفعل ذلك؟! أترك الإجابة لكم.