بسم الله الرحمن الرحيم
وصية السيد الشهيد الصدر (قدس)

من الادوار المهمة التي اضطلع بها السيد الشهيد الصدر الثاني (قد) هو تحديده للمرجعية الدينية التي تواصل قيادة الحوزة والحركة الاسلامية بعد رحيله الى الرفيق الاعلى، واهمية هذه الدور تتجلى في كثرة حديثه عن هذا الموضوع في خطاباته ولقاءاته وكلماته، ومنها ما يعرف بوصاياه بمن يتولى قيادة الحوزة والمجتمع من بعده، حيث انه (قد) لم يترك الساحة سدى وانما بين بشكل لا يقبل اللبس مواصفات هذه القيادة ومعايير اختيارها ومن ثم تحديدها بالاسم، لكن يبدو ان هذه الوصايا قد فهمت باشكال وتفاسير مختلفة ادت الى تباين اتباعه واختلافهم في اختيار القيادة النائبة له (قد).
وهذا الاختلاف قد يكون ناشئ من عدم الاطلاع التفصيلي على تلك الوصايا، او عدم اخضاعها للتحليل المستند للضوابط الشرعية، او ناشئ من ترديد ما يقوله الاخرون بان فلان هو وصية السيد دون سماع تلك الوصايا منه (قد)، وكل جهة تجر النار الى قرصها وتفسر وصية السيد (قد) بحسب ما يخدم توجهها ويثبت صحة اتباعها لقيادتها التي ترجع اليها، لذلك وبعد التوكل على الله ساحاول ان اعرض هذه الوصايا بمجموعها واتناولها بشيء من التحليل والقراءة الواعية لاصل الى النتيجة التي ارادها السيد (قد) من وصيته، واطلب من الاخوة القراء ان يشاركوني في هذه القراءة والتحليل بتعليقاتهم الهادفة والموضوعية بعيدا ً عن التسقيط والجدال بغير الحق والتعصب والعاطفة من اجل ان نصل، انا وانتم، للحقيقة فنتبعها ونرضي بذلك الله وائمتنا وسيدنا الصدر (قد) الذي انما اوصى من اجلنا ولكي يجنبنا الضلال والتيه والسير خلف من لا يستحق، ولا ادعي الكمال ومطلق الحقيقة في ما سأقوله بل هو ما فهمته من وصايا السيد (قد) وانا بانتظار تقييمكم العلمي والموضوعي لما ساعرضه وردودكم الهادفة ومن الله التوفيق.
للسيد الشهيد الصدر (قد) عدة وصايا واجمالها انه اوصى بثلاثة اشخاص وهم السيد كاظم الحائري والشيخ محمد اسحاق الفياض والشيخ محمد اليعقوبي، ومدار البحث سيكون هو الاجابة على سؤال مهم، وهو مَن المقصود من هؤلاء الثلاثة بوصية السيد في واقعها؟ ومن هو الاجدر منهم بقيادة الحوزة والمجتمع بعد السيد الصدر (قد)؟ وهذا ما سنجيبه بعونه تعالى:
الوصية بالسيد الحائري:
جاء ذكر السيد الحائري في وصايا السيد في مورد واحد وهو في اللقاء الرابع والمطبوع في كتاب منهج الصدر صفحة (117) حينما سُئل السيد (قد) عن نصيحته بالتقليد من بعده حيث قال ما نصه ((من ناحية التقليد انا اعتقد ان الاعلم على الاطلاق بعد زوالي عن الساحة جناب آية الله العظمى السيد كاظم الحائري الشيرازي، ولكنه حسب فهمي انه لا يتيسر له النظر في امور الشعب العراقي لانه غير موجود هنا ولا اعتقد انه يتيسر له الرجوع الى العراق، فمن هذه الناحية يحتاج الشعب العراقي لو صح التعبير الى قيادة لا تمثل التقليد، يقلدون شخصا ً ويأتمرون بامر شخص آخر)) ولنا في ذلك عدة تعليقات:
1- ان السيد الحائري لا يصلح لقيادة الحوزة والمجتمع بحسب رأي السيد (قد) لانه بعيد عن الساحة العراقية ولن يعود الى العراق وهذا ما تنبأ به السيد، وهو بالفعل ما حصل في الواقع فقد مرت سبع سنين على زوال نظام صدام ولم يأت ِ الحائري الى العراق.
2- ان تقليد السيد الحائري مرهون بكونه الاعلم بين جميع العلماء وهو وان كان يراه السيد الصدر في ذلك الوقت الا انه مما لا دليل عليه في الوقت الحاضر لان الاعلمية تتغير بحسب الزمان فهي ليست ثابتة لشخص وانما هي مدار البحث والاطلاع والتدريس، وهو امر غير ثابت للسيد الحائري في هذا الوقت لاسيما اذا عرفنا كبر سنه وتدهور حالته الصحية وقلة النشاط العلمي له عما كان عليه سابقا ً ، وكمثال على ذلك كان السيد في الثمانينات يرى ان الحائري هو الاعلم بين طلبة السيد محمد باقر الصدر اي يرى اعلميته حتى على نفسه في حين ان السيد في التسعينات كان يقول باعلمية نفسه على الحائري لان النشاط العلمي للحائري قد قل بينما نشاط السيد (قد) قد ازداد، فاذا كان نشاطه قد قل في ذلك الوقت فكيف بالوقت الحاضر مع تصاعد نشاط الاخرين، فلا يمكن القطع باعلمية الحائري، وعليه لا يثبت له التقليد دون غيره، وهذا ما اقره السيد (قد)، في نفس اللقاء حينما قال ((نحن لا نعلم بالمستقبل من الذي يكون اعلم، انا قلت ان جناب السيد كاظم الآن هو الاعلم له باب وجواب، اما في حينه لعله سيكون بعض طلابي هو الاعلم ليس مجتهد فقط بل اعلم، فحينئذ يجب الرجوع اليه تقليدا ً وقيادة)).
3- ان السيد اراد من وصاياه ان يأتي بعده مرجع يكمل مسيرته ومدرسته وخطه وحوزته، وعليه لا بد ان يكون المرجع من بعده منبثقا ً من هذه المدرسة ومؤمنا ً بها وبمنهجها وهذا لا ينطبق على السيد الحائري الذي له مواقف مؤلمة مع الحوزة والمجتمع ابتداءا ً من مخالفته لأوامر الصدر الاول (قد) لطلبته ومنهم الحائري بالانسحاب من حزب الدعوة حينما لم يستجب وبقي منتميا ً الى صفوفه دون علم السيد الصدر، ومن ثم تركه العراق والسيد الصدر الاول وهجرته الى ايران عام 1973 في ذلك الظرف الذي كان السيد بحاجه ماسه له وللاخرين، ومن ثم خذلانه للسيد الصدر الثاني (قد) وعدم تجاوبه مع مبعوث السيد الصدر (السيد جعفر الصدر) الذي طلب منه نصرة مرجعية الصدر الثاني ولكنه لم يتعاون معه واجابه (ماذا يفعل السيد محمد الصدر بالمكتب هنا في قم ؟الا تكفيه النجف؟) (راجع كتاب سفير الصدر / صفحة 22) وعندما نقل ابو سيف الوائلي هذا الموقف من الحائري للسيد الصدر امتعض السيد (قد) من موقفه هذا ووصف السيد الحائري بوصف يقلل من شأنه (راجع كتاب سفير الصدر / صفحة 22).
ومن ثم خذل الحائري اتباع السيد بعد استشهاده عندما لجأوا الى ايران في قصص وحكايات يرونها من كانوا هناك كالشيخ عباس الزيدي والشيخ كريم المنفي وغيرهم، وخذل العراقيين بعد زوال الطاغية حينما كانوا ينتظرون قدومه الى العرق ليقود الحوزة والمجتمع باعتباره وصية السيد واخذوا يهتفون بالعامية ((صلوات على النبي .......... يمتى يجينا الحائري)) ولكن خابت امالهم وثبتت نظرة السيد (قد) بانه لا يعود الى العراق ولا يستطيع النظر في امور شعبه وهو ما كشفه الواقع حيث لم يتصد َ لاي شيء من اموره ولم يعالج مشاكله ولا قضاياه ولم يتصد َ للغزو الغربي الذي حرف افكار واخلاق الكثير من ابناءه، حتى انه لم يتعب نفسه في اصدار الفتاوى التي يبين فيها تكليف المجتمع تجاه الكثير من القضايا والتعاملات والشبهات، وانما اكتفى باصدار بعض البيانات البعيدة عن الواقع واجابة بعض المسائل الفقهية التي توجه له على الانترنت واستلام الحقوق الشرعية عن طريق مكاتبه وايصالها الى مكتبه في قم!! فهل تجدون هذه المرجعية مؤهلة لتكون نائبة عن مرجعية السيد الصدر؟ وهل يرى ابناء الصدر في السيد الحائري انه مرجع يتحسس آلامهم ويعيش طموحاتهم وامالهم؟ وهل يشعرون بابويته كما استشعروها مع السيد الصدر؟ وهل يلمسون فيه الرسالية والتحرك والاصلاح كما لمسوها في السيد الصدر؟
الوصية بالشيخ الفياض
جاء ذكر الشيخ الفياض في وصايا السيد في مورد واحد وهو في اللقاء الرابع والمطبوع في كتاب منهج الصدر صفحة (117) حينما سُئل السيد عن نصيحته بالتقليد من بعده، اي في نفس اللقاء الذي اشار به للحائري، حيث قال ما نصه (( اذا صادف والله العالم بما يقضي ويقدر اني زلت عن الساحة بزمن سريع .... فحينئذ نحتاج الى قيادة توجيهية طبعا ً غير سياسية اكيدا ً حوزوية ودينية لاجل المجتمع في حدود الفراغ المرجعي الموجود في العراق انا نصحت وان كان الى الان لم تفحص المسألة بدقة ولكنني اجد ان اطيب المحتهدين قلبا ً من الموجودين هو الشيخ محمد اسحاق الفياض بالرغم من انه منزوي وبالرغم من انه يمثل الطريقة القديمة بالمرجعية، ولكنني ابحث عن طيب القلب وهم المنصف وعن المتورع وهو من هذه الناحية جيد بشكل معتد به )) ولنا في ذلك مجموعة تعليقات:
1- ان اشارة السيد بالشيخ الفياض لم تكن نابعة من قناعة السيد بقيادته واهليته العلمية وانما كانت في حدود ملئ الفراغ المرجعي الحاصل من عدم وجود مرجع مؤهل لقيادة الحوزة والمجتمع، فالحائري لا يتمكن من الرجوع ومجتهدي النجف لا ينصح السيد بالالتفاف حولهم كما ورد في نفس المصدر قوله (قد) ((ربما الالتفاف حول غيره يؤدي الى نتائج وخيمة وصرف المال في فيافي بني سعد كما يقولون))، وطلابه لا زالوا يحتاجون الى بعض الوقت لوصولهم للاجتهاد فلا يمكن تسليمهم الحوزة لانها لا تقاد الا من قبل مجتهد، فالشيخ الفياض كان مناسب لملأ الفراغ المرجعي ليس الا.
2- ان اِتباع الشيخ الفياض والالتفاف حوله امر وقتي ينتفي بوصول بعض طلاب السيد (قد) للاجتهاد، اي انها ليست وصية قطعية وانما وقتية حتى لا تبقى الحوزة والمجتمع بدون مجتهد، وعليه فلو وصل الى الاجتهاد طلابه فان القيادة تكون لهم.
3- ان التفاف الناس حول الشيخ الفياض لا يحقق اهداف السيد ولا ينجز مشروعه لانه ليس على الخط الحوزوي والمرجعي الذي يتبناه السيد (قد) ولذلك نجده (قد) يصفه بانه (منزوي) و (يمثل الطريقة القديمة بالمرجعية) اي انه لا ينتمي الى اتجاه الحوزة الناطقة التي تخدم الدين والمجتمع، ولكنه ينفع لادارة بعض الامور وتوجيه الناس لانه فقط طيب القلب ومنصف ومتورع بشكل معتد به.
4- ان السيد لم يشر الى اِتباع الشيخ الفياض من ناحية التقليد، وانما اشارته من اجل قيادته التوجيهية وادارة شؤون الحوزة العلمية، وهذا ما ينفي عنه صفة الاعلمية في ذلك الوقت بحسب رؤية السيد الصدر، والا لو كان يرى بان الشيخ الفياض هو الاعلم بعده لاشار له بالتقليد.
5- ان قيادة الشيخ الفياض مرهونة بقبوله لهذه القيادة لان السيد لم يفرضها عليه وانما كانت مجرد اشارة من السيد دون الاتفاق مع الفياض حيث ورد عنه (قد) في نفس اللقاء ((بالرغم من انني لم اتكلم معه الان، ولكنني اعلنها حسبة لله سبحانه وتعالى))، فحتى لو اشار السيد له بالقيادة، فلا يمكن تحققها اذا كان الفياض رافض لها او ليس له استعداد للتصدي، وهو ما كشفه الواقع بعد استشهاد السيد الصدر (قد) حيث لم يتصد َ الشيخ الفياض لقيادة الخط الصدري وكان يعبر بانه لايستطيع ذلك ولا يتمكن من ممارسة هذا الدور، وهو يكتفي بممارسة الدور العلمي المحصور باعطاء الدروس وبعض الشؤون الحوزوية المعتادة فقط وفقط ، فلماذا نأتي ونحمل الرجل اكثر من طاقته واستعداده وامكانياته.
6- ان السيد الصدر عندما طرح وصيته بالشيخ الفياض لم تكن المسألة محسومة في ذهن السيد وانما كانت اشارة سريعة وهو ما يؤكده في نفس اللقاء بقوله (قد) ((انا نصحت وان كان الى الان لم تفحص المسألة بدقة، ولكنني اجد ان اطيب المجتهدين قلبا ً من الموجودين هو الشيخ محمد اسحاق الفياض))، ومن ثم فان هذه الوصية ليست قطعية وجازمة.
الوصية بالشيخ اليعقوبي
جاء ذكر الشيخ اليعقوبي في اكثر من مورد من وصايا السيد الشهيد، ففي بعضها نص عليه بالاسم وبعضها جاء ذكر طلبة السيد دون تحديد الاسم ولكن الشيخ اليعقوبي مشمول بها لانه ضمن طلبة السيد (قد) بل ابرزهم على ما سنعرف لاحقا ً ، ففي الموارد العامة ما ذكره السيد في نفس اللقاء الذي اشار به للفياض والحائري وهو في اللقاء الرابع والمطبوع في كتاب منهج الصدر صفحة (117) قال (قد) ((فان الله تعالى مد في عمري لو صح التعبير وبقيت عدة سنوات اخرى فيوجد بالتأكيد هناك من طلابي وممن اتوخى منهم الاخلاص والتعب على نفسه والاجتهاد يحصل هناك عدة مجتهدين بعون الله سبحانه وتعالى جملة منهم نستطيع ان نقول طيب القلب وخبير وورع ونحو ذلك قابل لان تحول عليه القيادة الحوزوية ولربما في ذلك الحين يكون هو الاعلم، نحن لا نعلم بالمستقبل من الذي يكون اعلم، انا قلت ان جناب السيد كاظم الآن هو الاعلم له باب وجواب، اما في حينه لعله سيكون بعض طلابي هو الاعلم ليس مجتهد فقط بل اعلم ، فحينئذ يجب الرجوع اليه تقليدا ً وقيادة لو صح التعبير وانتهى الحال)) وجاء في لقاء ائمة الجمع المطبوع في كتاب منهج الصدر صفحة (254) قول السيد (قد) ((انما نحتاج اذا بقيت الحياة لعدة سنوات ربما خمسة او الى عشرة سنوات يوجد هناك اكثر من مجتهد خمسة ستة عشرة ، حينئذ في ذمة المجتمع وفي ذمة الحوزة تعيين اعلمهم من هذه الناحية وتعيين اخلصهم من ناحية اخرى، قلدوا اخلصهم كائنا ً من كان)).
وجاء في لقاء جامعة الصدر الدينية قول السيد (قد) ((الان استطيع ان اقول ان المرشح الوحيد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي اذا امد الله لي العمر الى حين شُهد له بالاجتهاد فانا لا اعدو عنه هو الذي ينبغي ان يمسك الحوزة من بعدي)) ، وهناك نص اخر للسيد (قد) بخط يده وهو مطبوع في مقدمة كتاب قناديل العارفين حيث جاء في احدى رسائله للشيخ اليعقوبي (( شيخنا الاجل دام عزك بعد التحية والسلام ارجو التفضل بالاطلاع على النقاط الاتية: اولا ً – انت تعلم انني كنت ولا ازال اعتبرك أفضل طلابي وأطيبهم قلبا وأكثرهم إنصافا للحق بحيث لو دار الأمر في يوم من الأيام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عَدوتك لكي تبقى المرجعية في أيدي منصفين وقاضين لحوائج الآخرين لا بأيدي أناس قساة طالبين للدنيا حتى انني فكرت في درجة من درجات تفكيري انني اقيمك للصلاة في مكاني عند غيابي تمهيدا ً لذلك ولا زال هذا التفكير قائما ً ولم تمنع عنه رسالتك الصريحة هذه كما لم اجد في طلابي الى الان على كثرتهم وتنوع اتجاهاتهم واذواقهم من هو جامع للشرائط التي اتوقعها اكثر منك فحقق الله رجائي فيك بعونه وقوته)) ولنا على هذه الوصايا جملة من الامور:
1- ان السيد (قد) كان يخطط لايجاد المرجعية والقيادة من طلابه الذين يؤمنون بمشروعه ومنهجه ويسيرون على خطه ليواصلوا المسيرة من بعده وهو ما اشار اليه في عدة مواطن غير ما ذكرناه اعلاه ومنها ما ذكره في لقاء الحنانة / منهج الصدر صفحة (58) ((انه من هدفي ايجاد مرجعية صالحة وعادلة حقيقية وقاضية لحوائج الناس تترفع عن الماديات وعن الدنيويات)) وعليه تكون وصيته بطلابه هي الاصل واما وصيته بالحائري والفياض فهي محدودة ومقيدة ووقتية اي محددة بالفترة التي يتأهل من خلالها طلبته لنيل مقام المرجعية، لانه (قد) يعلم ان كل من الحائري والفياض ليسوا على منهجه ولا يؤمنون بطريقة عمله وادارته لشؤون الامة والحوزة.
2- انه كان يرى في طلبته من هو مؤهل لان تحول عليه القيادة الحوزوية والمرجعية الدينية كما جاء اعلاه ووصفه بانه خبير وطيب وورع ولكنه يحتاج الى فترة من الزمن لانضاج هذه المرجعية ووصولها الى الدرجة العلمية التي تؤهلها لذلك وانتشار ذلك في الحوزة والمجتمع، وابرز هؤلاء الطلبة بدون خلاف هو الشيخ اليعقوبي علما ً واخلاقا ًوهو ما ذكره السيد في رسالته الخطية المذكورة اعلاه ((اعتبرك أفضل طلابي وأطيبهم قلبا وأكثرهم إنصافا للحق)) فيكون هو الاولى بين طلبته لخلافة السيد الصدر.
3- ان السيد (قد) احتمل بان يكون بعض طلبته في المستقبل هو الاعلم وعندها يجب الرجوع اليه في التقليد والقيادة، وهذا يعني ان الاعلمية ليست محصورة في السيد الحائري كما يحاول البعض ان يثبتها له الى يومنا هذا بدعوى شهادة السيد له، فالاعلمية قد تكون لاحد طلبته في الوقت الحاضر وهذا ما يجب ان يدفع المنصفين الى البحث عن الاعلم.
4- في الوصية الثانية يعطي السيد (قد) تكليفا ً للحوزة والمجتمع بان يختاروا الاعلم والاخلص من طلبته دون غيرهم ليكون هو المرجع من بعده ((حينئذ في ذمة المجتمع وفي ذمة الحوزة تعيين اعلمهم من هذه الناحية وتعيين اخلصهم من ناحية اخرى ، قلدوا اخلصهم كائنا ً من كان)) ، ونحن نعلم ان الشيخ اليعقوبي هو الاعلم والاخلص من بين طلبة السيد (قد) وهذا واضح للمطلعين والمتابعين، وسأورد نصين للسيد (قد) يدلان على ذلك، ففي مقدمة بحث المشتق وهو احد اجزاء منهج الاصول للسيد (قد) والذي قرره الشيخ اليعقوبي يشيد السيد (قد) بالامكانية العلمية للشيخ والفضل والاخلاص والهمة والنبل حتى وصفه بانه من نعم الله عليه وعلى الدين والمذهب واشاد باتقانه لدرس الاصول بحيث اعتبره هو المؤلف للكتاب فقال (قد) ((من نعم الله على الدين والمذهب وعليّ خاصة وأنا العبد الخاطئ الذليل أن رزقني عدداً من الطلاب الفضلاء المخلصين وأهل الهمّة المجدين جزاهم الله خير جزاء المحسنين ومن أهمهم هذا الشيخ الجليل والعلامة النبيل المفضال الشيخ محمد موسى اليعقوبي دام عزه فقد ألتزم دروسنا في علم الأصول ونالها العناية الكافية فهماً وكتابةً وممارسةً وها هو يقدم لنا هذا الكتاب نموذجاً من جهوده وليالي تفكيره وقد قمت بمراجعته فوجدته وافياً بالغرض ملمّاً بالمطالب حسب الأصول..ولكني أعتبرته هو المؤلف وله حرية التعبير وان كانت المطالب بالأصل صادرة مني بطبيعة الحال ولكني أجزته في ذلك بعد حفظ المعنى ووضوح المبنى..ولا شك أنه بهذا الجهد الجهيد يسير بخطو حيث نحو الاجتهاد ومعرفة السداد أتمنى له المستقبل الزاهر في خدمة العلم والعمل وان يكون من المراجع المخلصين والقادة الطيبين جزاه الله خير جزاء المحسنين)) وهو نص واضح على مكانة الشيخ واهليته للمرجعية والقيادة، والنص الاخر ما جاء في لقاء البراني بوصفه للشيخ بانه الناصر الاول له في مسيرته بقوله (قد) ((الشخص الرئيسي الأول الذي يعني حقيقة ناصرني في يوم شدتي هو جناب الشيخ،شيخ محمد)).
5- ان السيد في وصيته الثالثة ورسالته الخطية الى الشيخ اليعقوبي قد حسم امره فيمن يخلفه للمرجعية وهو الشيخ اليعقوبي فقد وصفه بانه (المرشح الوحيد) اي لا ثاني له، وانه من (حوزتنا) اي انه يمثل خط ومنهج حوزة السيد (قد) وهي الحوزة الناطقة، وانه لايريد غيره في مقام المرجعية (لا اعدو عنه) و (لو دار الأمر في يوم من الأيام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عَدوتك) وانه المؤهل لقيادة الحوزة من بعده (هو الذي ينبغي ان يمسك الحوزة من بعدي) وان تسلمه للمرجعية يعني قطع الطريق على طلاب الدنيا وقساة القلب من الوصول الى هذا المقام (لكي تبقى المرجعية في أيدي منصفين وقاضين لحوائج الآخرين لا بأيدي أناس قساة طالبين للدنيا)) وانه (جامعا ً للشرائط) اي انه اجتمعت فيه كل الشرائط والصفات المطلوبة في الشخص الذي يستحق مقام المرجعية، أفبعد هذا الوضوح من السيد نأتي لنلتف على الوصية ونحاول نثبت مرجعية الخط الصدري لغير الشيخ اليعقوبي؟
وقد يقول البعض ان شهادة السيد (قد) مشروطة بحصول الاجتهاد للشيخ، ونجيب على ذلك بانه لم يقل في وصيته اذا اجتهد او حصل على الاجتهاد بل قال (اذا شـُهد له بالاجتهاد) والحاذق يعرف فحوى الكلام اي انه مجتهد ولكنه يحتاج الى بروز هذا الاجتهاد بين الناس والحوزة حتى يكون في تمام الحجية وهذا بتوفيق الله قد حصل وللشيخ شهادات خطية وغير خطية عديدة من مراجع وطلبة بحث خارج ، وهو من المراجع البارزين في النجف وله بحث خارج متميز يحضره عدد كبير من الطلبة، بل ان كلام السيد عنه بانه (جامع للشرائط) هو خير دليل على الاجتهاد لان من يفتقر للاجتهاد لا يكون جامعا ً للشرائط، والكلام في مقدمة بحث المشتق من كتاب الاصول الذي اوردناه اعلاه واضح الدلالة على ذلك.
اذن نخلص من هذه الوصايا ان الشيخ اليعقوبي هو من اوصى به السيد (قد) وهو من يستحق خلافته وقيادة الخط الصدري، بقي ان نشير الى مجموعة امور تثبت وتؤكد هذا المطلب:
1- ان وصية السيد (قد) بالسيد الحائري والشيخ الفياض كانت في اللقاء الرابع وهي الاشارة الوحيدة، وقد جرى هذا اللقاء في شهر ربيع الاول من عام 1419 في حين ان وصية السيد بالشيخ اليعقوبي كانت في لقاء جامعة الصدر الذي جرى في الخامس من جمادى الثانية عام 1419 اي انه جاء بعد اللقاء الرابع بثلاثة اشهر، اي ان وصيته بالشيخ اليعقوبي جاءت بعد وصيته بالسيد الحائري وبعد وصيته بالشيخ الفياض، وهذا يعني ان وصيته بالشيخ اليعقوبي هي المعتمدة وهي الناسخة للوصية الاولى وهي التي تكون حجة على اتباعه وهي القطعية، ولذلك نجد ان السيد في وصية الحاسمة بالشيخ اليعقوبي يفتتح وصيته بقوله (الآن) اي انه قبل ذلك لم يصرح بهذا الشكل القطعي او لم يكن الوقت المناسب وقد جاء الوقت الذي رأه السيد (قد) مناسب للبت في وصيته والتصريح باسم المرجع من بعده، وهذا يعني عدوله عن وصيته الاولى بالسيد الحائري، لاسيما اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان في هذه الفترة بين الوصيتين قد وصلت للسيد المعلومات الكافيه من مبعوثيه الى قم حول وضع السيد الحائري وعدم تفاعله مع حركة السيد (قد) وخذلانه له، فاستنتج عدم اهليته لقيادة الخط الصدري.
2- من الراجح ان السيد قد يكون تعمد الاشارة الى اكثر من شخص وذلك لحفظ المرجع والقائد الحقيقي من سطوة النظام الذي لو عرف ان خليفة السيد هو شخص واحد وتمت الاشارة له بشكل قطعي فانه قد يقضي عليه ليقضي على مشروع السيد من الاصل لان وجود البديل يعني استمرار المشروع، لذلك حاول السيد ايهام النظام الذي كان يترصد لقاءاته العامة بان خليفته غير الشيخ اليعقوبي لاسيما وانه اخذ بنظر الاعتبار ان الحائري بعيد عن سطوة النظام فيكون في مأمن وكذلك فان النظام يعرف طبيعة الشيخ الفياض وطريقته واسلوبه وانه ينتمي الى الاتجاه التقليدي الذي لا يضر النظام بدرجة معتد بها، فتكون اذن محاولة من السيد للتعتيم على خليفته، ومما يرجح هذا الرأي ان اشارته (قد) للحائري والفياض كانت في اللقاءات العامة بينما اشارته للشيخ اليعقوبي كانت في لقاء خاص وهو لقاء جامعة الصدر الذي لم يتداول في ذلك الوقت وبقي محفوظ لدى ثلة من طلبة السيد (قد) والاخرى رسالة سرية مكتوبة بخط يده الى الشيخ، واما الاشارات التي وردت في لقاءاته العامة فكانت بدون ذكر الاسم وانما قوله (طلابي) حيث كان يشير الى تقليد افضلهم واخلصهم واعلمهم، والسيد لا يريد من ذلك تضليل الناس لانهم يجب ان يخضعوا هذه الوصايا الى الضوابط العامة والاسس الشرعية فيكون مطمئنا ً لوصول الواعين الى مراده ومعرفتهم بمن يخلفه وهو بذلك قد حذى حذو الامام الصادق (ع) الذي اوصى من بعده لخمسة اشخاص من بينهم الامام الكاظم (ع) ليضلل السلطة عن القيادة الحقيقية، ولكن اتباعه الواعين عرفوا ان الامام الكاظم (ع) هو المقصود وفق تلك الضوابط والاسس بينما زاغ البعض من السذج والبسطاء عن معرفة الامام الحقيقي.
3- ان السيد كان يتبنى قاعدة مهمة في تشخيص الاعلم بين المراجع وخلاصتها ان طلاب الاعلم هم المستحقون للاعلمية وان الشخص الاعلم هو من يدرس عند الاعلم ويستوفي مطالبه ويحويها في عقله ويهضمها بشكل وافي ويكون اعلم من الذين تفوق عليهم استاذه من معاصريه، وقد شرح ذلك مفصلا ً في لقاء الحنانة / منهج الصدر صفحة (42-44) ، واذا طبقنا هذه القاعدة على طلاب السيد الصدر فيكونوا هم المستحقين للاعلمية لانهم درسوا على يد الاعلم، طبعا ً بشرط ان يكونوا ممن حوى مطالب استاذهم وفهموها بشكل جيد،وقد حصل ذلك للشيخ اليعقوبي فهو درس البحث الخارج عند السيد الصدر الذي كان هو الاعلم بحسب ما كان يرى وبحسب ما نعتقد، كما ان سماحة الشيخ قد استوعب مطالب السيد (قد) بشكل كامل ووافي وبشهادة السيد الصدر التي اوردناها والتي جاءت في مقدمة بحث المشتق حيث قال السيد (قد) ((فقد ألتزم دروسنا في علم الأصول ونالها العناية الكافية فهماً وكتابةً وممارسةً وها هو يقدم لنا هذا الكتاب نموذجاً من جهوده وليالي تفكيره وقد قمت بمراجعته فوجدته وافياً بالغرض ملمّاً بالمطالب حسب الأصول..ولكني أعتبرته هو المؤلف وله حرية التعبير وان كانت المطالب بالأصل صادرة مني بطبيعة الحال ولكني أجزته في ذلك بعد حفظ المعنى ووضوح المبنى)).
فالسيد يوضح ان الشيخ اليعقوبي قد حوى مطالبه بشكل وافي حتى اعتبره هو المؤلف لبحث المشتق، وبذلك يكون سماحة الشيخ بحسب هذه القاعدة هو المستحق للاعلمية بين طلاب السيد (قد) ويستحقها على من عاصر السيد من المراجع ومنهم الحائري والفياض، بل ان السيد (قد) كان يقول في لقاء الحنانة ((كل من لم يتلق َ علمه من السيد محمد باقر الصدر ولم يعرف حقائق مطالبه التي هي المدرسة الرئيسية في الاصول فلا يحتمل ان يكون الاعلم وان كان مجتهدا ً)) وبذلك يكون كل من لم ينحدر في دراسته من المدرسة الاصولية للسيد الصدر الاول (قد) هو خارج قوس في موضوع الاعلمية بحسب هذه القاعدة ومنهم الشيخ الفياض الذي لم يدرس عند الصدر الاول، في حين ان الشيخ اليعقوبي درس عند الصدر الثاني الذي كان يعرض اراء استاذه الصدر الاول ويناقشها فيكون سماحة الشيخ قد تلقى عن الصدرين واستوعب مطالبهما، بل كان سماحته يناقش اراء استاذه الصدر الثاني في الدرس وخارجه ويبدي اراءا ً متميزة وهو ما يشهد به طلبة السيد الذين كانوا يحضرون درسه.
4- ان السيد الصدر الثاني كان يحتج على اعلميته بمؤلفه (منهج الاصول) ويقول هو واضح الدلالة على الفرق بين مستواه العلمي ومستوى المراجع الاخرين، واذا عرفنا ان سماحة الشيخ قد قرر جزءين من هذا الكتاب ويشهد له السيد بانه استوعبها وفهمها بشكل كامل واعتبره هو المؤلف، وهذا يعني ان السيد احتج على اعلميته بما فهمه الشيخ من مطالبه وبما اعتبره مؤلفا ً له من علم الاصول، وهذا وجه اخر على اعلمية الشيخ اليعقوبي على الاخرين، علما ً ان هذه الشهادة من السيد للشيخ كانت عام 1418 وبعدها استمر سماحة الشيخ بالحضورعند السيد اكثر من عام ومن ثم استمر طوال اثنى عشر سنة من المدارسة والبحث والتأليف فيكون اكثر استحقاقا ً للاعلمية من ذلك الوقت.
5- ان سماحة الشيخ اليعقوبي لم يكتف ِ بهذا التفوق في علم الاصول بل خطى خطوة مهمة باتجاه تطوير الحركة العلمية للمدرسة الصدرية وتقدمها حينما كرس جهوده في تطوير الدرس الفقهي، حيث لا نقاش في اعلمية المدرسة الصدرية في حقل الاصول، وقد تفوقت على المدراس الاخرى بشكل كبير جدا ً، اما في حقل الفقه فلم يبرز تفوق المدرسة الصدرية بشكل ملفت للنظر، وكان البعض يعيب عليها ذلك وانها تعتني بالاصول فقط ، لذلك باشر سماحة الشيخ قبل سنين باعطاء دروس البحث الخارج في الفقه وهي خطوة ابرزت المدرسة الصدرية في حقل الفقه بشكل كبير حتى قال بعضهم عن درسه بانه، اي الشيخ اليعقوبي، قد نقل الفقه من فقه متشرعي الى فقه شرعي، وهذا المعنى واضح لاصحاب الاختصاص، ولم يكن درسه تقليديا ً بان يتناول احد الكتب الفقهية (كالعروة الوثقى وغيره) بالمدارسة والمباحثة الفقهية العالية، بل اختار المسائل الخلافية بين الفقهاء والمهمة والمؤثرة في تكليف الانسان وتناولها بالبحث مناقشا ً فيها اراء ابرز العلماء كالصدر الاول والصدر الثاني والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد الحائري والسيد السيستاني والشيخ الفياض والسيد محمود الهاشمي والشيخ المنتظري وغيرهم من فطاحل العلماء.
وقد اصدر خمسة اجزاء من تقريرات هذا الدرس تحت عنوان (بحوث استدلالية في مسائل خلافية)، وعادة الفقهاء في دروسهم يناقشون الاراء المتفقة والمختلفة، وعادة تكون الاراء المختلفة قليلة، فاذا كان سماحة الشيخ قد اصدر خمسة مجلدات من المسائل الخلافية فهي تعادل اضعافها من مجموع المسائل الخلافية وغير الخلافية، كما ان سماحته تناول مواضيع عصرية لم يناقشها بعض العلماء اصلا ً، الى غيرها من مميزات هذا البحث التي لا نستطيع تفصيلها هنا.
6- ان سماحة الشيخ اليعقوبي تميز عن اقرانه ومعاصريه باستخدام العلوم العصرية في عملية استنباط الاحكام الشرعية، كعلوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء، وتوصل من خلال استخدامها الى نتائج واراء لم يتمكن الفقهاء الاخرون من الوصول اليها، ويمكن ملاحظة هذا التميز من خلال قراءة كتبه (الرياضيات للفقيه) و (القول الفصل في احكام الخل) و (بحوث استدلالية في مسائل خلافية)، وقد استفاد في ذلك من تحصيله الاكاديمي كونه حاصل على شهادة البكلوريوس في الهندسة المدنية من جامعة بغداد.
7- ان سماحة الشيخ هو صاحب مشروع اسلامي متكامل وله مؤسساته وفروعه ونشاطاته التي تغطي جوانب عديدة من حياة الامة، بينما لا نجد ذلك في مرجعية السيد الحائري الذي هو خارج العراق ولا يتبنى العمل الاجتماعي والسياسي او التصدي لقيادة المجتمع كما اوضحنا سلفا ً كما لانجد ذلك في مرجعية الشيخ الفياض الذي هو غير متصدي اصلا ً لشؤون المجتمع لا سابقا ً ولا حاضرا ً، بل انه يصرح بذلك وانه ليس له القابلية على الدخول في هذه المعمعة فهو يكتفي بالتدريس والمباحثة وبعض الشؤون الحوزوية البسيطة، ونحن نعرف ان المرجعية ليست مقاما ً علميا ً وان الحوزة ليست جامعة اكاديمية بل ان المرجعية قيادة وارثة عن الائمة (ع) وهذه الوراثة تقتضي ان يتصدى المرجع لامور المجتمع في عدة جوانب من حياته كالجوانب الاخلاقية والفكرية والاجتماعية والسياسية، كما ان الحوزة كيان يقود الحياة ويمارس قيادة المجتمع نحو ما يصلحه ويهديه ويسعده في الدنيا والاخرة، فهل تجدون ان مرجعية منغلقة على نفسها ولا تهتم الا بالتدريس اهلا ً للتقليد وتسليمها قيادة الامة؟
وهذا التصدي من قبل المرجع ورعاية امور المسلمين واحدة من الامور المهمة التي ركز عليها السيد (قد) كشرط لتقليد المرجع من بعده والا فبدون هذه التصدي وهذه الرعاية لا يستحق المرجع التقليد وان بلغ المراتب العليا من العلم لان العلم ليس غاية وانما وسيلة لخدمة الامة، ففي خطبة الجمعة السابعة والعشرين المطبوعة في كتاب دستور الصدر صفحة (293) قال (قد) ((والمرجع الجديد، لو صح التعبير، وان لم يكن متفقا ً مع السيد محمد الصدر بكل التفاصيل، الا ان المهم فيه هو الاتجاه نحو العدالة الاجتماعية وانصاف الناس من نفسه كما قيل في الحكمة (قل الحق ولو على نفسك) وادراك المصالح العامة، فان وجدتموه شخصا ً من هذا القبيل فتمسكوا به والا فدعوه الى غيره، فان الانانية في المرجعية هي العنصر الغالب مع الاسف جيلا ً بعد جيل، وهذا هو المضر حقيقة في الحوزة خاصة، والمرجعية عامة، فاتبعوا شخصا ُ من المجتهدين ليس له مثل هذا الطبع بل له اتجاه التضحية في سبيل الاخرين وبذل النفس والنفيس في سبيل دينه ومذهبه)).
ويمكن ان نقرب الفكرة بمثال الاطباء، فرجوع الناس للمرجع كرجوعهم للطبيب لانه رجوع غير المختص للمختص، فلو كان لدينا ثلاثة اطباء احدهم مسافر ويدرس في جامعة هناك ولا يستطيع الناس مراجعته بشكل مباشر وان كان يمكن الاتصال به عبر بعض الوسطاء او عبر الانترنت (وهو مثال السيد الحائري)، وطبيب اخر ليست له عيادة ولا يداوم في مستشفى وانما هو استاذ في كلية الطب وله بحوثه الطبية المتميزة (وهو مثال الشيخ الفياض)، وطبيب ثالث يدرس في الجامعة ويداوم في المستشفى وله عيادة ويبادر بتوجيه الارشادات والنصائح الطبية عبر اللقاءات الصحفية والمحاضرات والمنشورات وهو منفتح على الناس (وهو مثال الشيخ اليعقوبي)، فمن هو الطبيب الاجدر بالمراجعة لمعالجة الامراض التي يعاني منها الناس؟ بالتأكيد الطبيب الثالث، وحتى لو فرضنا تفوق الطبيبين الاوليين في الجانب العلمي فان العقل وسيرة العقلاء تقتضي مراجع الناس للطبيب الثالث.
8- ان سماحة الشيخ يمتاز بميزة اخرى هو انه ابن العراق، ابن الوطن، وهي ميزة مهمة للمرجع في ظل الوضع الدولي والاقليمي الذي يسود البلدان في الوقت الحاضر، فهذه الميزة تجعل المرجع يتفاعل مع قضايا وطنه ويتدخل لايقاف الجور والظلم ضد ابناءه واعطاء الاراء والحلول للمشاكل الاجتماعية والسياسية في بلده وتجعل الاخرين يتقبلون طرحه لانه ابن البلد، بل تجعل الكثيرين يتطلعون له ويأملون منه تخليصهم مما يعانون منه واستنقاذ حقوقهم والدفاع عنهم مما تجعل علاقته بالمجتمع علاقة رصينة، وهذا خلاف لو كان المرجع من بلد اخر او جنسية اخرى حيث تحول الكثير من الموانع الذاتية والموضوعية عن تفعيل دور المرجعية في حياة مجتمع معين، ولذلك نجد ان حركة القيادات الناجحة كانت في نفس البلد الذي انتمت له تلك القيادات، كحركة السيد الخميني في ايران وحركة الصدر الاول والصدر الثاني في العراق وحركة السيد فضل الله في لبنان وهكذا ولا نتوقع منهم انهم يستطيعون تحقيق هذا النجاح في غير بلدانهم.
وهذا الطرح ليس من باب العنصرية والمناطقية كما قد يفهم البعض ولكن الواقع يحكم ذلك وهذه الفكرة يقرها سيدنا الصدر فقد جاء فيحديثه خلال لقاء ائمة الجمع المطبوع في كتاب منهج الصدر صفحة (253) ((انا استهدفت ايجاد المراجع للمستقبل والا الحمد لله جملة من مراجعنا ذهبوا والباقين ايضا ً يذهبون يبقى المجتمع وتبقى الحوزة بدون مجتهد ، بدون اجتهاد هل يصير تقليد ؟ لا يصير تقليد، لان غير المجتهد لا يقلد، اذا لا يقلد معناها لا يوجد مرجع، فمن الذي يقضي؟ من الذي يقبض حق الامام؟ من الذي يحل المشاكل؟ من الذي يفتي؟ لا يوجد فلربما – وان كان ليست باللطيفة – يتسلط علينا غيرنا بعنوان ان الاعلم في ايران او في الهند او في باكستان او في الخليج، لا فليكن الاعلم في النجف وليس في غيرها)) ، فسماحة الشيخ اليعقوبي هو ابن العراق وابن المحنة وابن الواقع المرير، لذلك نجده يحمل الهم ويسعى لتغيير الواقع ويوجه ابناء شعبه ويحرص عليهم ويدافع عنهم وهو ما يلمسه كل منصف لو راجع خطاباته التي عالجت قضايا وشؤون الشعب في السنين الماضية.
9- ان لسماحة الشيخ مقامات روحية تضيف له خصائص ذاتية، وهذه الخصائص تضيف ميزة اخرى لمرجعيته، فالسيد كثيرا ً ما كان يركز على صفة طيبة القلب والاخلاص في المرجع وهو واضح من بعض النصوص التي ذكرناها، وهذه المقامات تكون كاشفة عن هذه طيبة القلب والاخلاص، ويمكن ان التعرف على هذه المقامات الروحية من خلال التعامل المباشر مع سماحته فيتبين سمو اخلاقه وصدقه ونبله وعفوه عن المسيئين له ورعاية الاخرين وحبهم وعطفه عليهم وغيرها من الصفات، ولعل هذه الصفات هي التي جعلت السيد (قد) يصفه باوصاف عظيمة لايمكن للمنصف تجاهلها، ومنها ما ورد في كتاب قناديل العارفين والتي لخص بعضها في مقدمة الكتاب، فيخاطب السيد (قد) الشيخ اليعقوبي فيقول ((مولاي واخي في الله عز وجل ومؤنس نفسي وقلبي اعزه الله واجله واعطاه الخير كله انه ولي التوفيق)) ويقول (قد) ((لو كان غير الله سبحانه وتعالى يستحق الحب والشوق لكنت انت في رأس القائمة ولم اقل ذلك جزافا ً ولا احسب انه يفوتك فهم مضمونها الخاص فانه من حديث ارباب القلوب)) ويقول (قد) ((مولاي وابن مولاي لا اعتقد انه يوما ً يمر دون ان اتذكرك عدة مرات فيهفو قلبي اليك ويحن عليك)) وغيرها من اقوال السيد بحق سماحته التي لايمكن ان تكون على نحو المجاملة منه (قد) لانه لا يجامل وانما تعبر عن المكانة الكبيرة للشيخ عند السيد والناشئة من تلك الصفات الروحية الفريدة التي تمتع بها سماحته.
هذه بعض الامور التي وددت ان ابينها فيما يتعلق بوصايا السيد (قد)، اسأل الله ان يوفق الجميع لمرضاته وسلوك صرطه القويم بمحمد وعترته الابرار، انه ولي التوفيق ...... منقول