أثر الذنوب في تأخير الظهور الشريف وفي عدم التوفيق للنصرة
بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن للذنوب أثر كبير في إعاقة العملية التغييرية المهدوية، فالإمام صلوات الله عليه حينما غاب، فليس هرباً من المواجهة، إذ ان أهل البيت عليهم السلام كلهم لديهم شجاعة علي عليه السلام وفدائية الحسين عليه السلام وصرامة الإمام الكاظم وثباته، ومن كانت لديه هذه المواصفات لا يمكن لابتعاده عن ساحة المواجهة المباشرة مع الظلمة أن يفسّر بالهرب من المواجهة أو النكوص عنها أو التخلف عن استحقاقاتها، فهذا الأمر مستحيل أن يسري عليهم، ولكن غيبته حينما اقترنت بطلب الانتظار، إنما تعني أنها تتحيّن الفرصة المناسبة لتحقيق أهدافها، إذ إن أي تحرك سابق لأوانه لا يمكن أن يوصف بالشجاعة بقدر ما يوصف بالتهوّر المخالف للحكمة، ولو قدّر لنا أن نلحظ أن القائد موجود في معسكره، والظالم موجود في معسكره، إذن من الذي يتبقّى غائباً عن المعسكر هو الذي يكون عاملاً أساسياً في طول فترة الغيبة، وهنا لن يكون غائباً إلّا الناصر الذي تخلّف في دخول المعسكر لسبب أو لآخر.
وما من شك أن الذنوب بطبيعة ما يترتب عليها من آثار هي التي توفّر قسطاً كبيراً من العوامل التي تجعل الناصر يتهاون أو يتواكل أو يهمل أو لا يتصف بالمسؤولية مما يجعله بعيداً عن أرض الصراع بين الحق والباطل، فلو اعتبرنا أن الإنسان كلما قويت بصيرته كلما استطاع أن يرى صورة الحق بجلاء في وسط تشابك صور الباطل وتلبيسها أيام الفتن ومضائق الأزمات، وكلما فقد هذه البصيرة كلما أصبحت الصورة خافية عليه، مما يجعله أقرب إلى الضلال منه إلى الهدى، ومما لا شك فيه أن الذنوب لها دورها الأكبر في فقدان الإنسان لبصيرته، إذ يروي زرارة، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قوله: ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد، حتى يغطّي البياض فإذا [تـ]ـغطى البياض، لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عز وجل: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".(الكافي 2: 273 ب111 ح20).
وكذا ما رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت، وإن زاد زادت، حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح بعدها أبداً". (الكافي 2: 271 ب111ح13).
فالإمامين صلوات الله عليهما يشيران إلى أن القلب كالمرآة، كلما كانت نظيفة كلما كانت الرؤية فيها أيسر، وكلما اتسخت كلما تدانت قدرة الرؤية، ويجعلان الذنوب هي مصدر هذا الاتساخ، في مقابل التوبة وممنها إلى الطاعة التي تعتبر هي مصدر الصفاء فيه، وهذا الاتساخ له مراتب كما أن ذلك الصفاء له مراحل فالقرآن يشير إلى رين القلوب وإلى زيغ القلوب وإلى الطبع على القلوب وإلى الختم على القلوب وإلى القلوب المقفلة وما إلى ذلك، وهي ليست متساوية في المرتبة، وإنما هي مراتب تتعاظم كلما انغمس الإنسان في عالم الذنوب، وتتضاءل كلما ابتعد عنها، وهذا البعد هو الذي ينتج البصيرة التي تجعل الإنسان يرى ما لا يراه الناس ويشخّص الحكمة في أعقد الظروف وأحلكها بصورة يعبّر عنها الأمير صلوات الله عليه في وصفه لأحد أصحابه وهما يمران على قمامة، فقال له: إن أرى الذنوب كما ترى أنت هذه القمامة، ومن هنا قال الإمام زين العابدين عليه السلام لعمته الصديقة الحوراء صلوات الله عليها: عمة أنت عالمة غير معلمة.
وعليه فإن كانت نصرة الإمام صلوات الله عليه تحتاج من المرء إلى بصيرة لكي يدرك الحق من الباطل ويشخّص الهدى من الضلال في زمن ستشتد فيه الفتن، وستختلط على المؤمنين المواقف والمصالح، حتى يكون القابض على دينه كالقابض على جمر الغضى، علمنا أن الذنب وعدمه له تأثير جاد على مواقف النصرة من عدمها.