خالد أبو الخير
لو كنت مؤلفاً.. لمن تهدي كتابك؟.
الإجابة تحتاج لا شك إلى تفكير وربما إلى قراءة هذة المقالة التي أستعرض فيها غرائب إهداءات الكتب.. وأروعها.
تتعدد أغراض الإهداء، فثمة إهداءات لشخصيات عامة يقصد منها التقرب وربما النفاق!، وتحري الصدق أحيانا في إنصافها وربما للتعبير عن مشاعر الامتنان أو الصداقة. وأخرى للحب والصداقة، وربما تحت الضغط حين تكون للزوجة مثلا والعائلة مع تعدادهم واحدا واحداً، وثالثة لشخصية أو صديق أو أستاذ أو مكان أو حادث سكن الذاكرة وما عاد يحير تغيراً.
إهداء لافت صدره الكاتب الكولمبي غابرييل غارسيا ماركيز لروايته « الحب في زمن الكوليرا»، جاء فيه : إلى زوجتي مرسيدس طبعاً. وطبعاً هذه تحتاج إلى إمعان النظر والتفكير طويلا. ومثله.. أهدى مؤنس الرزاز رواية (اعترافات كاتم صوت): إلى «قسمت التي رممتني»، وهو إهداء موجه الى زوجته التي وقفت بجانبه في الأوقات العصيبة.
عرف القدماء الإهداء باعتباره أمرا ذاتيا ومساحة للتعبير وربما إضاءة لصفحات الكتاب. ونادرا ما يقع في يدك كتاب لا إهداء فيه، فقد درج المؤلفون على إهداء كتبهم كيفما شاؤوا.
ومن الإهداءات القديمة ما احتواه كتاب «الموشى أو الظرف والظرفاء»، لمحمد بن إسحاق بن يحي الوشاء أبو الطيب من فصول ممتعة عن الإهداءات منها:..
هذا كتابٌ متيمٌ خُطت إليك أنامله
مزج المداد بدمعه فبكت عليك عوازله.
وعلى الرغم من احتفاء كتاب بأساتذتهم، واعترافهم بجميلهم عليهم، إلا أن الشاعر أدهم الشرقاوي اختار أن يهدي كتابه( كش ملك) بالقول: إلى مدرس اللغة العربية الذي قذف دفتر التعبير في وجهي وقال: ستموت قبل أن تكتب جملة مفيدة».
ومن غرائب الإهداءات، إهداء إلى إبليس.. للمؤلف إبراهيم محمد الجمل في كتابه" مملكة إبليس : التنظيم الإداري للدولة الإبليسية في ظلال القران والسنة" وجاء فيه:»إهداء الى إبليس الشيطان الرجيم: حربا عليك.. وتحذيرا منك.. وكشفا لخططك.. وإفسادا لعملك.. أهديك هذا الكتاب».
إهداء استثنائي
الكاتب يوسف السباعي خالف عادة المؤلفين وما درجوا عليه في إهداء كتبهم، فخط إهداءه في روايته الشهيرة « أرض النفاق» بهذه الكلمات:
الى خير من استحق الإهداء، الى أحب الناس الى نفسي، وأقربهم الى قلبي، إلى يوسف السباعي، ولو قلت غير هذا لكنت شيخ المنافقين من أرض النفاق.
وقد صدق.
إهداء غريب ايضاً تضمنته رواية « نباح لـ « عبده خال» فقد قال: الى كل أوغاد العالم.. لعنة كبيرة.
المغني والمؤلف راسل براند عندما أهدى كتابه السيئ الى أمه كتب:"كتابي هذا مذكرات عن الجنس والمخدرات وكل ما يخطر على البال أهديه إلى أمي، أهديه إليك يا أعظم امرأة في حياتي لكن بحق السماء لا تقرأيه".
ولأن لغة التعبير عن الحب.. ليست كأي اللغات، كتب نزار قباني اهداء إلى حبيبته بلا كلمات:
لأن كلام القواميس مات
لأن كلام المكاتيب مات
لأن كلام الروايات مات
أريد اكتشاف طريقة عشق
أحبك فيها بلا كلمات
..بالنسبة لي، الإنسان الوحيد الذي اهديته نصا أدبياً بعنوان " النمر النبيل"، كان رائع الحس، عالي التذوق.. وما زال، عند إهدائي وتوقعي نبلاً وإشراقاً وإبداعاً.
.. حين نشرت مجموعتي القصصية «ليلة واحدة لا تكفي» الصادرة عن دار فضاءات عام 2007، لم أجد أحدا يستحق إهدائي سوى الفيلسوف الصيني «شوانج تسو».. وجاء بهذه البساطة: الى الفراشة التي حلمت أنها " تسو..؟
"تسو".. لمن لا يعرف، قال : "ذات مرة حلمت أنا شوانج تسو أنني فراشة، وحينما استيقظت لم أدر هل أنا «تسو» يحلم بأنه فراشة، أم أنني فراشة تحلم أنها «تسو"..
وحين يمضي الزمن، ازداد تيقناً من ان " تسو" ترك بصمته في احلامي ويقظتي، أكثر من جل من كتبت عنهم، بمناسبات شتى تأريخاً.. وكانوا مثل الحجارة فاقدي المشاعر أو أشد صمماً وبكماً.. واحدهم " كابيتال"".
.. يبقى إن الاهداء حق شخصي، وبصمة خاصة.. وعليه أوقع.
منقول