نعيش مشكلة كبيرة يلاحظها الجميع، ولكن لا أحد يُلقي لها بالًا، بل وبعضنا لا يُعرب عن كونها مشكلة يجب التصدّي لها، وهي تهميش وإقصاء اللغة العربية، ولا تعاني العربية من تهميشًا على مستوى العالم فحسب، بل تواجه هذا التهميش ممن يتحدثون بها.
فأنت لو كان كلامك جميعه بالعربية ولا تُدخل فيها كلمات من لغات أجنبية، ستجد شيئًا في نفوس من حولك، شيئًا يقول “لِمَ لا تُدخل في حديثك كلمات أجنبية” وعلى العكس في كثير من البلاد الأوروبية ستجد تمسّكًا باللغة الأم وحفاظًا على الهوية، الشيء الذي لا تجده عندنا في البلاد العربية البتّة!
لا أتحدّث هنا عن المكانة العظيمة للغة العربية، وإنما أتحدّث عن كونها اللغة الأم لنا، أتحدّث عن كونها جزء لن يتجزأ منا، عن كونها هويتنا، عن كونها نحنُ!
أهمية تنمية اللغة الأم
اللغة الأم وكما نعرف جميعًا هي اللغة التي يتحدّث بها الفرد ويتعلمها بمجرد تمكّنه من الكلام، وقد تبيّن من الأبحاث أن الأطفال الذين يتلقّون تعليمهم باللغة التي يتحدثون بها في المنزل تنمو لديهم المهارات والقدرات اللغوية، ويمهّد ذلك أمامهم الطريق لتعلّم لغات أجنبية أخرى فيما بعد، ولعلّ ذلك السبب وراء دعم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو – لتلقّي الأطفال تعليمهم الأساسي باللغة الأم، حيث أنها تُعزز الجانب المعرفي لدى المتعلّم، وتلقيه للتعلّم في مرحلة التعليم الأساسي بغير لغته الأم يُضعِف عنده اللغة ويتطاير ما يقارب ثلثها لديه.
يحدد مايكل هاليداي سبع وظائف للغة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى:
الوظيفة النفعية: وتظهر هذه الوظيفة عندما يستخدم الطفل اللغة في التعبير عن حاجاته كأن يقول عندما يعطش: «أشرب».
الوظيفة التنظيمية: وفيها تُستخدم اللغة في طلب شيء، كأن تقول للطفل مثلًا: «ابْعد: خطر!».
الوظيفة التفاعلية: وفيها تستخدم اللغة في التواصل مع الناس وإقامة علاقات معهم، كأن يقول الطفل: «أحبكَ أبي».
الوظيفة الشخصية: وفيها تستخدم اللغة في التعبير عن المشاعر والآراء والهوية الشخصية كأن تقول الطفلة مثلًا: «أنا بنت جميلة».
الوظيفة الاستكشافية: وفيها يستخدم الطفل حاجته لاستكشاف ما حوله في البيئة المحيطة، كأن يقول الطفل: «ما فائدة المكواة؟».
الوظيفة التخيلية: وفيها تُستخدم اللغة في حكي الأحاديث وإلقاء النكات وابتكار بيئة خلّاقة من الخيال.
الوظيفة الإخبارية: وفيها تستخدم اللغة في نقل الحقائق والمعلومات.
تنمية اللغة العربية – كلغة أم – لدى الأطفال
وكما علمنا أهمية اللغة عمومًا وأهمية تنمية اللغة الأم خصوصًا لدى الأطفال، الشيء الذي يُحدث فارقًا كبيرًا في قدرات الطفل، فهناك أفكار بتنفيذها يحدث نمو ملحوظ لدى الطفل في حصيلته اللغوية، ومنها ما يلي:
تقديم رسوم متحركة محببة للطفل باللغة العربية.
استخدام عبارات التعامل اليومي مع الطفل في المنزل باللغة العربية.
أن تكون أفلام الكارتون بالفصحى حيث من خلالها يقوم الطفل بإكتساب حصيلة لغوية بشكل جيد، أو قد يقارب الممتاز، فهي تؤثر على نطقه، وعلى المصطلحات التي يستخدمها.
تقديم أناشيد باللغة العربية للأطفال.
تشجيع الطفل بعبارات إيجابية عند تحدّثه بالعربية.
اصطحاب الأبناء إلى المسرحيات الخاصة بالأطفال باللغة العربية.
إحضار ألعاب للأطفال يكون من دورها الحفاظ على اللغة العربية.
أن يقرأ له الكبار قصص ما قبل النوم بالعربية، ذلك مما يزيد الحصيلة اللغوية لديه.
أن تقوم الأسرة بتصحيح الأخطاء اللغوية للطفل بإستمرار، وعدم التمادي مع الطفل في الخطأ حتى وإن كان من باب المزاح.
تخصيص يوم على الأقل في الأسبوع للتحدّث باللغة العربية لا بسواها، مع الحفاظ على عدم إستخدام اللغات الأجنبية في باقي الأسبوع.
اللغة المشوهة!
قد يتعجّب البعض من مصطلح “اللغة المشوهة”، ولكن أصبح منتشر بشكل مؤسف مما يدعوني لتحذيركم من التكلّم مع أبنائكم بلغة مشوهة، وذلك بأن تقوم بإدخال كلمات أجنبية في حديثك بالعربية!
هذا الأمر يُحدث خللًا كبيرًا عند الطفل، ويؤثر على قدراته ونمّوه العقلي، فاحذر أن تتكلم مع ابنك بلغة مشوهة، كأن تقول: “البس (الشوز) بدلًا من (الحذاء)” أو “ارمي الورقة في (الباسكت) بدلًا من (القمامة)” أو “سنذهب (للجاردن) بدلًا من (الحديقة)” وغيرها الكثير من الكلمات الأجنبية التي نستخدمها بشكل يومي مما يشوّه اللغة لدى الطفل دون أن نشعر.
مع مراعاة كل ما ذكرته في المقال ستجد تغيرًا ملحوظًا في الحصيلة اللغوية لدى الطفل، وستشعر بجمال وبلاغة العربية كلما تعمّقت في دراستها، ولا يمنع ذلك كله أن تعلّم لغات أجنبية، ولكن تعلّم العربية وتحدث بها أولًا!
أما إن كنت كشخص تخطى تلك المرحلة وتريد تقوية لغتك العربية فيمكنك قراءة هذا
المقال.
المصدر
http://www.arageek.com