فلسطين. حملت هذا الاسم وردة في قلبي منذ طفولتي، وجرحًا نازفًا يغذي دمه عروقي… وينبض.
أعشق كل ما يمت بصلة للأرض الطاهرة التي مدحها القرآن واحتضنتها الأديان… لأولى القبلتين وأرض إسراء النبي ووموطن الأقصى المبارك…
فلسطين لي قصائد محمود درويش، وأغاني فيروز؛ والأمل في صوتها الذي ينبض في قلبي حين تقول: “لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي.”
وها أنا أدخل فلسطين حقا، لا عبر المعابر ولا تحت الأرض ولا قذيفة من السماء، أدخلها عبر شظايا الذاكرة التي جمعها وأتقن جمعها الكاتب أردني النشأة وفلسطيني الأصل:”ابراهيم نصر الله” في روايته “زمن الخيول البيضاء” التي صدرت ضمن سلسلة الملهاة الفلسطينية ودخلت في القائمة النهائية (القصيرة) للجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2009، ولاقت استحسانا كبيرا من جمهور الكتاب والنقاد والقراء، وترجمت إلى اللغة الإنجليزية.
أدخلها، وأسافر عبر زخات قلم مبدعها في الزمان والمكان وأصير مع ملهاته نسمة تطوف ربوع الوطن وتخترق حدود الزمان من العهد العثماني إلى فترة الاحتلال البريطاني إلى عام النكبة، وأطوف بين شخصياتها التي تجسد النخوة والقوة والكرم والأصالة في الإنسان الفلسطيني، وأتقمص الحياة التي عاشها الناس منذ أكثر من قرن في القرى بحلوها ومرها؛ من أبسط العادات اليومية إلى أعمق المخاوف إلى أكبر الهواجس إلى أغاني الأفراح إلى مراسيم الاحتفال إلى طقوس المعاناة، من عشق الخيل إلى عشق الأرض، من مقاومة الظلم في العهد العثماني إلى الثورة عليه أيام الاحتلال البريطاني.. في ملحمة الصمود الأبدي.
رأيت الرجل الفلسطيني ابنا وأبا وأخا وزوجا وعاشقا وقائد ثورة وشيخ قرية وفداء للوطن، رأيت المرأة كريمة عزيزة بين أهلها وبين الناس، رأيتها فلاحة في الحقول وصامدة تتصدى للظلم وتقهر الظالم وترسل أقرب الناس إليها للجهاد ولا ترضى بأقل من ذلك شرفا وكرامة، ورأيتها أما وابنة وأختا وحبيبة وزوجة، قوية جبارة لا تهتز، وفي نفس الوقت امرأة من سلالة الياسمين ، ورأيت الكنائس والمساجد ترتفع معا من صلب نفس الأرض، وتتآخى في السماء.. ورأيت دموع الناس ودماءهم وهتاف بنادقهم وصهيل خيلهم وزغاريد نسائهم وأهازيج أفراحهم تلتحم كلها من أقصى الأرض إلى أقصاها جسدا واحدا ونبضا متوحدا.
لم تترك القصة طريقا في الحياة إلا وخاضت فيه، ولا ركنا من أركان الهوية الفلسطينية إلا وأتقنت بناءه، وقربت للذهن كل خيال بعيد كان يسبح في أفكارنا عن هذه الأرض وأهلها وصححت باطله وأقامت صحيحه وشيدت في قلبي “فلسطين” أخرى تعيش حرة إلى الأبد.
تذوقت الجرح الفلسطيني من جديد وبوجه آخر، الجرح الذي يكبر كل يوم معنا وفينا.
وأشهد بأني رأيت من صميم هذا الجرح وطني الجزائر وحزنه الدفين في وطن القلب فلسطين؛ كل الجرائم الوحشية من إعدام ومجازر وحصار وتعذيب وتدمير وتقتيل وتشريد .. وأحسست كلما قرأت عن الجماعات الثورية الفلسطينية بأنني أقرأ عن ثوارنا، وحتى بعض عادات الفلسطينيين وجدتها عندنا، وخصال السكان وطقوس الحياة.. واقترب البلدان في قلبي إلى أن استحالا توأمين؛ وجهين لعملة واحدة.. ويبقى لفلسطين مقام الفضل في إيواء الأنبياء، وواجب نصرة أهلها الذين لم يتذوقوا طعم الحرية إلى اليوم..و لكنهم سيشربونها سائغة مستساغة من الكأس التي ستهشم الوجود الإسرائيلي الظالم وتفتك به- بإذن الله !!
هذه بعض المقتبسات، وليست إلا غيضا من فيض وفير:
# “قد خلق الله الحصان من الريح، والإنسان من تراب، والبيوت من بشر.”
# “في بيت الحاج محمود، وقبله في بيت الحاج عمر، كان الشيء الوحيد الذي لا يسمح أن يقع: إهانة المرأة أو إهانة الفرس.”
# “لم نكن نعرِف الخوف أبداً. تسألني لماذا؟ لأننا كنا على يقين من أن الروح التي وهبنا إياها الله، هو وحده الذي يستطيع أن يأخذها، وفي الوقت الذي حدده الله، لا الوقت الذي حدده الإنجليز أو أي مخلوق على وجه الأرض.”
# “أنا لا أقاتل كي أنتصر، بل كي لا يضيع حقي.”
# “إذا خسر اليهود فإنهم سيعودون إلى البلاد التي أتوا منها، أما إذا خسرنا نحن، فسنخسر كل شيء.”
# “إذا ما آمن الرجال أن أعمارهم أطول من عمر الإمبراطوريات سيعمرون أكثر منها.”
المصدر
www.arageek.com