بعيداً عن أضواء جائزة الأوسكار التي نالها ليوناردو ديكابريو صاحب الجنسيّة الأمريكيّة، لدينا في هذا المقال ليوناردو من نوع آخر. ليسَ مميّزاً في التمثيل، وإنما في الكثير والكثير من الأشياء التي اتقنها واحترفها وسبق عصره بها.
ليوناردو دافنشي .. لم يكن رجلاً أوروبيّاً من رجال عصر النهضة فحسب، بل كان موسوعة حقيقيّة تمشي على قدمين. كان رسّاماً ومهندساً، عالماً في النبات والجيولوجيا، كما كان موسيقيّا مُحترفاً وعبقرياً بكل ما تحمله كلمة عبقري من معنى.
لم يكن شخص ذو موهبة في عصر النهضة فحسب، إنما كان الروح المهيمنة على عصر النهضة بأكمله!!
لمحة عن حياة ليوناردو دافنشي
ولد ليوناردو دافنشي في 15 نيسان من عام 1452 في مدينة فينشي في إيطاليا. نشأ وترعرع فيها وكان من عائلة ثريّة وميسورة الحال، فقد كان الابن الأكبر لوالده الذي كان يعمل كاتباً في العدل، أما أمه كاثرين فقد كانت من طبقة عادية من الفلاحين وهذا ما حال دون زواجها من والده.
بقيَ ليوناردو دافنشي في الريف مع جديّه حيث تلقى تعليماً متقطّعاً وغير منتظماً وبدون أية تعمّق فيه، لكن في تلك الفترة بدأت تبرز إحدى مواهب ليوناردو، فقد استطاع الكتابة من اليسار بشكل مقلوب ومُعاكس للكتابة العادية، واتقن العديد من الأمور التي جعلته عبقرياً فيما بعد بالرغم من عدم دخول للمدرسة!
الاستقرار في فلورنسا .. وبزوغ نجم العبقريّة!
في منتصف القرن الخامس عشر وبعد وفاة جده، استقرت عائلة دافنشي في فلورنسا التي كانت مركز الإشعاع الرئيس للفنون والعلوم في إيطاليا. وفي تلك الفترة بدأ نجم ليوناردو بالبزوغ بشكل لافت للأنظار.
أصبح ليوناردو ذو مكانة اجتماعيّة مرموقة في فلورنسا، فقد كان وسيماً ولبقاً في الحديث، كما تميّز بقدرته الرهيبة على الإقناع. بالإضافة لكونه موسيقيّاً موهوباً.
أما فَنّ النحت والرسم، فهو أبرز ما اتقنه ليوناردو دافنشي .. إذ أن التحاقه بأحد مشاغل الفنون في فلورنسا جعله رسّاماً ونحاتاً مُحترفاً ومن الطراز الرفيع.
اتقان الرسم.. وابداع لوحة الموناليزا
بعد عمله في أحد مشاغل الرسم لفترة، استطاع ليوناردو أن يستقل بنفسه ويعمل بمفرده، فأصبح هو المعلّم بعد أن كان أحد الشركاء. بدأ بالرسم ببعض اللوحات الجداريّة على جدران الكنائس، ولعلَ أبرز أعماله كانت لوحة “توقير ماغي” والتي لم ينتهِ من رسمها، فقد كان معروفاً ببطئه الشديد في الرسم!
أما اللوحة التي أختار التاريخ أن يخلّدها فقد كانت لوحة الموناليزا، أو الجيوكندا كما هو معروف بالفرنسيّة. اُعتبرت هذه اللوحة من أعظم الأعمال في تاريخ الرسم بالرغم من حجمها الصغير نسبيّاً.
استغرق دافنشي 7 سنوات لإكمال رسم لوحة الموناليزا، فقد كان رساماً بطيئاً. ويُقال أن هذه اللوحة تعود لسيدة ايطاليّة تدعى ” مادونا ليزا ” والتي كانت زوجة صديق دافنشي فرانشيسكو.
لعلَ أبرز ما يميز هذه اللوحة ابتسامة الموناليزا الغامضة والتي فُسرت بالعديد من النظريات. كما أن التقنيّات الإبداعيّة المُستخدمة في رسمها لا تزال إلى الآن تستخدم في الرسم والتي من ضمنها الاسقاط المتوسط الذي كان دافنشي أول من عمل به بالإضافة لتقنيّة التمويه التي استخدمها لرسم الموناليزا.
لكن هذا لم يكن كل شيء لدى دافنشي، فهناك أشياء أخرى مهمة لديه أيضاً.
ليوناردو دافنشي .. المُصمم العسكري البارع!
العربة المدرعة من تصميم ليوناردو دافنشي
بعد أن سيطرت عائلة ميديشي على فلورنسا، رحل دافنشي إلى ميلانو وقرر أن يقدّم خدماته لدوق ميلانو وذلك بعد أن صرّح له بأنه قادر على صنع العديد من المعدات العسكريّة الدفاعيّة المفيدة له.
وكان من ضمنها المدافع وقاذفات القنابل بالإضافة للعربات المدرعة والمصفحات.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ وجدَ الباحثين بعض المخطوطات التي تعود لدافنشي ويُظهر فيها رسمه لمخططات طائرات الهيليكوبتر والعديد من الأسلحة المعقّدة التي لم تظهر إلا في عصرنا الحالي!!
مخطط الطائرة من تصميم دافنشي
ميلانو والعودة للرسم
لم يمضِ دافنشي وقته في ميلانو في صنع المعدّات الحربيّة فحسب، بل إن ابداعه في الرسم لم يتوقف، ومن أبرز لوحاته في تلك الفترة كانت لوحة “عذراء الصخور” والتي قام برسمها مرتين. إذ رُفضت في المرة الأولى وقُبلت في المرة الثانية.
لوحة عذراء الصخور – متحف اللوفر
اللوحة الأولى موجودة في متحف اللوفر في باريس، بينما اللوحة الثانية فهي في المتحف الوطني في لندن.
لوحة عذراء الصخور – متحف لندن الوطني
ولم يقتصر الأمر على هذه اللوحة، إذ أتت بعدها لوحة “العشاء الأخير” والتي أخذت جهد جبار من دافنشي، ولا سيما أنها كانت لوحة جداريّة، وبسبب التقنيّة التي استخدمها دافنشي في هذه اللوحة. كانت اللوحة غير ثابتة مما أدى إلى دمارها بسرعة.
لوحة العشاء الأخير
بالرغم من زوال بعض معالمها إلا أنه باستخدام بعض التقنيّات الحديثة تم استعادة جزء كبير من معالمها.
وفاة دافنشي
بعد مكوثه لفترة في ميلانو قرر العودة لفلورنسا، ثم بعدها رجع إلى ميلانو مرة أخرى وأمضى الكثير من حياته في الترحال بين هاتين المدينتين.
في عام 1516 سافر ليوناردو إلى فرنسا ليكون في خدمة الملك فرانسيس الأول، وأمضى سنواته الأخيرة في مدينة أمبوس والتي توفي فيها عن عمر ناهز الـ 67 عاماً قضى معظمها في الرسم والنحت والفنون والعلوم المختلفة، مخلّفاً بعد وفاته العديد من الألغاز التي لم تحل إلى يومنا هذا.
المصادر
1 |
2 |
3