عبد الزهرة زكي
لم يحفظ تاريخ الأدب العربي شيئا يكاد يذكر من آراءٍ لشاعر عظيم مثل المتنبي في شعره أو شعر سواه، لكن من بين القليل من الملاحظات التي حفظها هذا التاريخ للمتنبي يظل رأيه الذي يقارن فيه بينه وبين أبي تمام والبحتري هو الأكثر إثارة للاهتمام والاختلاف والتأليف.يقول المتنبي حسب بعض المصادر: أنا وأبو تمّام حكيمان، والشاعر البحتري.مصادر أخرى تنسب هذه المفاضلة إلى المعري، وقد سئل عن رأيه في الثلاثة، فكان الرأي كالتالي: أبو تمام والمتنبي حكيمان والشاعر البحتري.أميل إلى صلة القول بالمعري.. أبوالعلاء هو الأكثر توقعا للانشغال بهذه المقارنة، وهو الأقرب إلى منطقها.لقد تمسك النقاد بظاهر القول الذي أرادوا به تفضيل البحتري شعريا على المتنبي وأبي تمام، فيما ترك لهذين مجرد انشغالهما بالحكمة.لكن المقارنة محصورة بين ثلاثة من أكبر شعراء العربية، وهذا ركن مهم في إمكانية توجيه القول وجهة أخرى تنسف قيمة ذلك الظاهر الذي انشغل به النقاد وركز عليه المنحازون للبحتري أو المتعصبون ضد أبي تمام والمتنبي.المقارنة بين الثلاثة تفيد مبدئيا حسم القيمة الشعرية الرفيعة لكل منهم، لكن صفة الحكمة التي أقرنت بالاثنين هي امتياز شعري مضاف يعزز قيمة وفرادة التجربة (شاعر حكيم) فيما يظل البحتري شاعرا معنيا بالإجادة بانشغالات الشاعر العربي التقليدية.حين تصحّ نسبة القول إلى المعري الشاعر الأوضح انشغالا بالحكمة فإن النتيجة تتأكد لصالح الشاعرين، ويتأكد تفضيل شعر المعاني الأعمق على ما سواه.(الحسجة) في العامية العراقية حسن تمرير الباطن اللاذع عبر ظاهر القول المجامل.