كم يشدني بيته الدارمي الشهير
صرت آنه حايط طين ساسه بوسط ماي
انثلم . . . بس ما طيح ومدوخ اعداي
كامل سواري ذلك النهر الشطري الحلو الطعم والجميل الإطلالة الذي تمتد عروقه عبر اجيال من الشعراء حيث كان الجمال يعانق الابداع والعطاء الفكري والانساني في السبعينات فكان من الناقلين لتلك الثقافة الغنية بمباهج ومناهل العطاء الادبي والانساني والثقافي .
المزاد العلني
من يشتري...
وسط المزاد العلني
أسمي وهويتي ودفتري
قررت اظل ابلا وطن
رحال حظي وقدري
قررت اصيرن غجري
عرض مغرٍ يقدمه الشاعر كامل سواري في قصيدته هذه التي تبدو للوهلة الاولى قصيدة اعتيادية وربما يقرأها البعض قصيدة ساخرة يحاول الشاعر فيها ان يعلن عن تنصله المشروع من اي رابط يربطه بوطنه كما يبدو ظاهريا الا ان في المزاد العلني هذا اسرار وانتقالات عاشها الشاعر فأوصلته للاعلان عن تخليه عن شيء يعده الاخرون من ضروريات الانتماء المكاني والحياتي :
اسمه . وهويته . ودفتره اشياء معنوية اراد الشاعر ان يبيعها وسط مزاد علني ليتخلص مما يعتقد انه وطن ويمتهن الرحيل حلا ينهي معاناته التي تسببت بها هذه الاشياء التي تبدو للوهلة الاولى انها حياته بكاملها ابتداءا من اسمه مرورا بانمائه ثم دفتره الذي لا نعلم ما المقصود به فهو يقبل الاحتمالات المتعددة في كونه (التأريخ . الحضارة . الماضي. وربما منجزه الشعري الذي يحظى بطمع الكثيرين ولا اعتقد ان كامل سواري بهذه البساطة ليبيع شيئا هو كله وربما تعدى ذلك ليكون مستقبله ايضا ’ ولماذا يريد ان يترك هذا الوطن ويعتمد على القدر في تسييره معتبرا ان حياة الغجر ستكون بمثابة الراحة النفسية والجسدية له ؟ نعم ان الشاعر هنا (حسب تقديرنا) اراد ان يصل بالقاريء الكريم الى مفهوم مهم وهو ان تعي ما يدور حولك فأنت على وشك ان تفقد هويتك وانسانيتك وانتماءك وسط هذا الزخم من محاولات هدم الانسان والأتجاه به نحو هاوية المجهول
ومن يشتري....
قيثارتي وحبي وعواصف وتري
وشعري وجوازي وحته فيزة سفري
ومن يشتري...وسط المزاد العلني
نكطة حيائي وفرس جدي اوصايته
وحته سفيفة خنجري
تلك الحضارة الممتدة عبر الاف السنين والتي عجز الانسان ان يستفيد من تجاربها وعبرها فينمي طاقته الانسانية والحضارية واعتمد على مفاهيم وضعية حديثة تتعلق بحياته اليوميه وجعل من نفسه عبارة عن آلة لها اوقات عمل واوقات راحة وقليل هو وقت الصيانة علما انه يجب ان يكون بمستوى وقت العمل .
الشاعر هنا ربما اثقله كاهل الحاضرة ولم يعد للقيثارة السومرية من معنى بعد ما تجاهل السومريون الاحفاد عواصف اللحن الانساني وما حمله التأريخ القديم من معان وعبر وامكانيات عظيمة نظمت حياة الانسان انذاك واتخذت من الفن والادب سبيلا محببا لتنشئة اجيالها الانسانية , الا ان الشاعر يفاجئك بانه يريد الرحيل من الواقع الى واقع آخر ربما اخترعه لنفسه وذلك باعلانه عن بيع جواز سفره وتأشيرة الدخول التي تبدو مجهولة الاتجاه والمكان , وانعدام المكانية هنا دليل على عمق انتماء الشاعر لذاته وسط زحام الانفلات العقلي والنفسي وحتى الاجتماعي في التسعينيات من القرن الماضي حينما كان العراق يعيش تحت وطئة حاكم جائر وحصار ظالم استهدف الشعب المغلوب على أمره , ولم يكن الشاعر عارضا للبيع في مزاده العلني نقطة حياءه وعباءة جده مطلقا وهذا هو ما تخفيه القصيدة الحديثة فالتعبير هنا يدل على العدم اذا ما اعدنا النظر بانتماء الشاعر لأصوله بتخليه عن جواز سفره وتاشيرة دخوله التي اسماها (فيزة) كما معروف عنها الا انه اراد ان يقول (حسب تقديرنا) انا لا احب ان اكون وسط مجتمع بهذه الثقافة حيث اصبح البيع شيء من البديهيات والاشد ايلاما هو بيع ما لايمكن استرجاعه وان ضاعفنا سعره فيما اذا نوينا شراءه مرة اخرى . واذا كان المقصود غير هذا لما تخلى الشاعر عن (سفيفة الخنجر) اي قراب الخنجر فيما احتفظ بالخنجر نفسه ؟ كامل سواري هنا يجعلك تقدر كم هو شاعر كبير محترف مدرك لكل كلمة كتبها .
من يشتري...
قررت اهاجر عن وطن
طبة مغولي وتتري
وقررت اهاجر عن وطن
بية لغط نازي وبربري
هنا يتجدد الشعور بالانتماء لهذا الوطن الذي عاش فيه الشاعر عصر التحولات السياسية عبر العصور (المغول والتتار) هذه الاقوام التي مارست القتل والاحتلال بكافة (ملحقاته) والتي اثرت تأثيرا واضحا على مستقبله وجعلت من بعض سكانه بمثابة عبيد لرغباته وان اختفت من الوجود لكن النزعة البربرية والنازية لما تزل متوطنة في عقول هؤلاء وان لم يشهدوا بربريا او نازيا او مغوليا الا انهم اصبحوا جزء من هذا التشكيل التاريخي والنفسي لهذه الاقوام ربما دون شعور ومن جهة أخرى شعور الشاعر بعجز تام عن التغيير او الاسهام فيه من الاساس .
ومن يشتري
التاريخ كله ويشطب أسم الطبري
وسط المزاد العلني...من يشتري
قررت ابيع اهل الكهف
واهل (الأبولو) وحته عصر الحجري
التاريخ منذ العصر الحجري وحتى عصرنا هذا في نظر الشاعر لم يكن منصفا ابدا واستخدامه لمفردة ( الطبري) تعني انه غير مقتنع بمن كتبوه اصلا فبدأ يشكك في الاساطير لانها تعد حسب رايه من الامور التي جرى تزييفها لتظهر بهذا الشكل فيتراجع الى الوراء وهو ينتقي ما اراد بيعه الى ان يصل الى العصر الحجري حيث لامكان للانسانية بمعناها الحالي ليربطها بواقع مرير يعيشه الشاعر يوميا , مستفيدا من ثقافته العالية في معاجة نصه الذي يتناغم مع صراعه الداخلي مع كيانه كإنسان من حقه ان يعيش حياته بحرية وكرامة الا ان التأريخ غالبا ما يسبب له الصدمة فيعود الى قراره الاول ويعلن كل هذه الاشياء للبيع في مزاد علني
ومن يشتري
تمثال مرمر والنحت فن سومري
مسماري خطة وغامض وما ينقري
من يشتري...وسط المزاد العلني
مليون جثة شهرزاد
ومية سيف الشهريار
والف حاجب بربري
الايحاءات في هذا النص كثيرة ومتعددة ومتباينة ولانجد الا القليل من الايضاح تارة والكثير من التذمر تارة اخرى ,كامل سواري لم يكن من المتذمرين بل على العكس تماما لقد عرف بابتسامته وعطفه على الصغير واحترامه لمكانته يملأ القاعة فرحا واملا وسعادة ولايعرف التكبر اليه سبيلا لكنه في هذا المقطع من قصيدة المزاد العلني اراد ان يقول ماذا عاد علينا نحت المرمر نفعا ؟ والكتابة المسمارية الغامضة التي لايقرأها سوى خمس او ستة اشخاص من كل سكان العالم ؟ كأنه يلوح للقوانين الجائرة التي فرضت على المواطن العراقي والتي حسب من وضعها تعتمد على القرآن الكريم وعلى القوانين القديمة التي كانت تنظم الحياة ان ذاك هذه الايحاءات وغيرها تجعل من هذه القصيدة من اخطر القصائد على الدكتاتورية ويبدو ذلك جليا في انعطافته نحو الف ليلة وليلة التي لم يربح الشعب منها سوى حكايات للتسلية وان كانت تعالج موضوع الخيانة وفقدان الثقة بالنفس وبالاخرين الا انها بالنتيجة تصب في باكورة منفردة وهي خيانة الزوجة وذهاب عقل الملك ودهاء المرأة وهذه الاشياء كلها لا حاجة لا نتعلمها من التأريخ لانه اي التاريخ كتب بأيدي اناس مثلنا عاشوا اوضاعا خاصا وتاثروا باوضاع اخرى وربما تم شراء ذممهم كما في كتابة التاريخ الاسلامي الذي مليء بالزيف والكذب وانعدام الوضوح في ما يخص الملك والسياسة بشكل خاص والامور العبادية بشكل عام
ومن يشتري
هودج عايشة او عطر الزبيدة
او كاس هارون الرشيد المرمري
وسط المزاد العلني
أردابيع الأوس والخزرج خوارج
والخواتم واحد ايبايع والأخر يشتري
ذلك الهودج الذي كان (ثيمة) لحرب ضد خليفة من خلفاء المسلمين والذي يعده الكثير من المؤرخين سببا لانتكاسات وحروب اخرى تبعته يراه الشاعر لايساوي شيئا في حياته وقرر ان يبيعه وليس بالضرورة كان المقصود هودج عائشة بذاته انما الهوادج اللحقة التي نسخت منه تحت عناوين واشكال والوان شتى .
اما عطر زبيدة زوجة هارون وكاس نبيذه فقد شملهما البيع ايضا ففي نظر الشاعر لايمكن لهكذا اشياء يتفرد بها شخص او شخصين اوثلاثة ان تنفعه في شيء بل على العكس هي من يتسبب باستمرار بالاساءة لكرامته كأنسان كفل له خالقه العيش بحرية واطمئنان وخلق له عقلا وسيحاسبه على افعاله لذا قرر الشاعر ان يتخلي عن اهتمامه بهذه المسميات لانها كانت تظره ولم تنفعه يوما ,بل تعدى ذلك الى اعلان بيع حتى من اسس وساعد وساهم في انتشار الفكر الاسلامي لانهم وببساطة لم يتمكنوا من مواصلة رسالتهم وتنحوا جانبا تاركين وراءهم وصايا وتعاليم سماويه وتمسكوا بخوفهم الذي دفع اكثرهم الى اعتناق عقائد اظرت بهم وبحاضرهم وهاي هي اليوم تظر بمستقبل وضحاياها نحن الذين لم نكن معهم ولم نشهد لهم بالاستقامة او عكسها يوما
من يشتري
ابن العاص نقدا وابو موسى الأشعري
ومن يشتري...وسط المزاد العلني
تاج الأمير وسيف عروة ابن الورد
وحمار جحة وزق النواس والغيد العري
أحذروا..وسط المزاد العلني
دلال افاك ولعوب وسرسري
كل الجواري الباعهن تقليد
الأالغواني الماركتهن هزي وزه
ومن تغني أتجيد طور السامري
لا احد سيشتري ابن العاص ايها الشاعر ابدا ولو بعته بالدين فلا احد ينوي ان يخرب بيته بيديه ويحيل حياته الى جحيم لاطائلة من اشعاله ولاينفع معه محاولات اطفاءه ان ازداد سعيرا . اما ابو موسى الاشعري ايها الشاعر فلا تفكر في بيعه لانه تغلغل في النفوس واصبح يتقلب فيها تقلب السمين اذا غرق في النوم , عجيب امر هذا الرجل فهو يتجدد باستمرار وتجدده جاء عن طريق ايمان النفوس الضعيفة بفكرته الخبيثة .أما تاج الأمير وسيف عروة ابن الورد وحمار جحة وزق النواس والغيد العري : كل هذه الاشياء لم تعد ذات نفع ابدا فالناس يا ايها الشاعر الحر تبدلت افكارها وماعادت تهتم لهذه المسميات ولكن قل انك تريد ان تبيع المؤمنين بها فهم أولى بالبيع ولكن قم ببيعهم خارج اسوار الحياة التي اضروا بها وخربوها ودنسوها واساؤا للانسانية تحت هذه العناوين التي تسافلت فتسافلت حتى اصبحت عارا تتداوله العرب عبر العصور .. أما الغواني فبيعهن سيدر بالارباح على تاجر الرقيق وان عرف باستهتاره بسلعته وغشه العلني الا ان هذه التجارة رابحة ايها الشاعر وكم كنت اتمنى ان تضيف لهن على يد هذا (السمسار) بعض الاشياء التي اتضح انها تلاقي رواجا ايضا .. وللغناء حديث ذو شجون
ومن يشتري
هاذا مسيلمة الجذاب بالشرف ما يفتري
وسط المزاد العلني...
من يشتري....
دمعة خريطة أمشككة وعشرين دولة مخربطة
ومليون خوذة عسكري
قررت اعيش بلا وطن
قررت اصيرن غجري
عشرون دولة بلا عنوان ومسليمة الكذاب دون كذبه وخارطة طريق رسمت خلف الكواليس ومليون (خوذة عسكري) الم يساهم المليون هذا يوما في اصلاح هذه الخريطة ؟ اي عسكري هذا الذي عجز عن حماية حدود بلده واي جيش هذا الذي سيباع في المزاد العلني ؟ واي وطن هذا الذي قرر كامل سواري ان يهجره فيه ويعيش حياة الغجر بلا هوية ؟
تساؤلات عديدة والاجابة عنها اصعب من الغوص في خفاياها
كبير انت ايها الشاعر المحترف عش حرا وكن سعيدا فأن هذه الاشياء اولى لها ان تلقى خلف الفناء الخارجي للمسرح .


بقلم : أحسان العسكري