في بلدٍ تُرهقه أزمات متعدّدة، لا يزال الفنّ يشكّل بصيص أمل ويفتح أبوابًا على مستقبل ترسمه أقلام فنانين، يستوحون ضوءًا من العتمة.. فنانون أرادوا إنهاء هيمنة العاصمة بيروت وضواحيها وغيرها من المراكز الحضرية على الفن في لبنان.. فالفن لَيْس حكراً على أبناء المدن، بل إن سكان المناطق الريفية المهمّشة هم أكثر حاجة من غيرهم في ظل ما يعانيه هذا الريف من ضعف الخدمات وهجرة واسعة فرّغته من شبابه.
وفي هذا الإطار.. أطلقت الجمعية اللبنانية لتطوير وعرض الفنون "أبيل" برعاية وزارة الثقافة اللبنانية وعدد من الجامعات، القرية الفنية في رأس مسقا – قضاء الكورة شمال لبنان، التي تستمر إلى 18 أبريل/نيسان، بمشاركة فنانين ذوي اختصاصات متنوّعة تشمل: المسرح والإخراج والتصوير والموسيقى وهندسة الصوت وغيرها.
وعن الفكرة التي لقيت إقبالاً من المجتمعين الفني والثقافي، أوضحت ندى خوري، من "أبيل"، لـ"هافينغتون بوست عربي" أنّ المشروع يهدف إلى إبعاد صفة المركزية عن الفن، وتقليل تركز الفنانين في المدينة فقط، ويصبو المشروع للخروج إلى أماكن قروية وريفية لإشراك المواطنين العاديين في الفن وجعلهم على اتصال مباشر بالفنانين لمعرفة القيم الثقافية.
الخروج إلى الجنوب
ولفتت إلى أن المشروع خطوة أولى ضمن مخطط أكبر ينتهي ببناء مُتحف في بيروت عام 2020 تُعرض فيه جميع الأعمال الفنية.
وأشارت إلى أن الفنانين المشاركين يقيمون في أحد الفنادق في رأس مسقا النموذجية، حيث يزورون الجامعات هناك (الجامعة اللبنانية، الجامعة اللبنانية الدولية وجامعة القديس يوسف) ويقيمون ورش عمل مع الطلاب كل يوم ثلاثاء، أمّا الأحد فيعرضون أعمالاً في ساحة الضيعة (البلدة)، حيث يأتي مواطنون من مختلف المناطق للمشاركة، وقد لقيت هذه العروض إقبالاً كبيراً.
وعن الوجهة المقبلة للمشروع، تقول خوري: "من المتوقع أن نقيم القرية الفنية في جنوب لبنان في المرة المقبلة، وبالتأكيد في البقاع (المنطقة الأكثر اضطراباً في البلاد جراء القرب من سوريا وانتشار الجريمة المنظمة)".
من جهتها، قالت مديرة جمعية "منصّة فنية مؤقتة"، أماندا أبي خليل، التي ترافق الفنانين بإقامتهم في رأس مسقا، في حديث لـ"هافينغتون بوست عربي"، إن الفنانين المشاركين يأتون إلى القرية لتنظيم لقاءات وإلقاء محاضرات وتحضير ورش عمل حول "التربية الفنية" في الجامعات.
ولفتت إلى أنه يتم عرض أفلام لمخرجين لبنانيين في ساحة الضيعة عشية كلّ أحد، وتنتهي العروض في 18 أبريل/نيسان 2016.
الفنان ريمون الجميّل أعرب لـ"هافينغتون بوست عربي" عن فرحته بالمشاركة بهذه التجربة الفريدة، وشجّع جميع الفنانين على المشاركة في المشاريع المقبلة.
وقال إنه يعمل على مشاريع صور وفيديو ويلقي محاضرات ويقيم ورش عمل مع الطلاب في راس مسقا.
وقال الفنان الذي كان يعيش في كندا حيث أنهى دراساته العليا، إنه انتقل مؤخرًا إلى برلين وجاء إلى لبنان فقط للمشاركة في القرية الفنية، ويعمل حالياً على تجهيز الفيديوهات، ويتضمن مشروعه بناء مكبرات صوت بشكل يدوي، ويحضّر شعرًا وموسيقى وقرّر أن يزرع مكبرات الصوت بعد الانتهاء من صنعها في القرية، حيث يمكن لأي قروي عندما يقترب منها أن يستمع إلى الأشعار.
من جهتها، قالت بترا سرحال لـ"هافينغتون بوست عربي" إنها متخصصة في المسرح والعروض الفنية والتصميم الراقص، وتقيم ورش عمل مع الطلاب ومشروعها هو "تجزئة" الصور والأفكار.
وأعربت ميريام بولس، المتخرجة في جامعة "ألبا" اللبنانية منذ 8 أشهر، في حديث لـ"هافينغتون بوست عربي" عن سعادتها بالمشاركة في القرية الفنية، لافتةً إلى أنها لا تقيم ورش عمل بل تخرّج في القرية وتلتقط صورًا للمواطنين في منازلهم وأعمالهم، وتدعهم يصوّرون أيضًا ويشاركوها التجربة.
وقالت إنها تشارك في معارض منذ 3 سنوات، وفي المستقبل ستُشرك الصور التي التقطتها في أحد المعارض.
منقول