بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
فخ نجمٌ في سماء التاريخ
لقد لمعت في سماء التاريخ الإسلامي وآفاقه أماكن وأحداث وشخصيات ونزفت من قلب هذه الأمة وشريان عنفها دماء طاهرة سقت شجرة الإيمان وخطت فصول المجد والجهاد بأحرف مضيئة وبعناوين لامعه
ومن هذه الأماكن والأحداث والشخصيات والدماء ارض فخ ووقعتها الكبر وقائدها العلوي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، والكوكبة النيرة من طلائع آل أبي طالب فكانت فخ حقا نجما في سماء التاريخ كما كانت كربلاء وبدر وأمثالها من قبل نجوما في سماء المجد والجهاد
إن الذي يقف على واقعة فخ ومأساتها وأهميتها التاريخية والحركية يدرك إنها تكرار لواقعة كربلاء وصدى صوت الحسين السبط الشهيد حتى إن الذي يقرأ تقريع زينب لأهل الكوفة ويصغي إلى لوعتها وشكواها لا يشك إن كربلاء تكررت في فخ وان مأساة أهل البيت تجددت في هذه الأرض الطاهرة فزينب بنت الإمام علي بن أبي طالب بنت فاطمة بنت رسول الله ( صل الله عليه واله ) بالأمس تخاطب أهل الكوفة بعد إن شهدت المأساة ووقفت على مصارع أهل البيت وقتلاهم ( ... ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ وأي حرمة له انتهكتم ؟ ...)
ويعيد التاريخ نفسه فيحدثنا إن زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أم الحسين بن علي صاحب ثورة فخ الشهيرة تعيش المأساة نفسها وتعاني اللوعة ذاتها تلك المرأة العابدة التي قتل أبو جعفر المنصور أباها وأخاها وعمومتها وبنيها وزوجها فقد كانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرجا من ذلك وكراهة لان تشفي نفسها بما يؤثمها ولا تزيد على إن تقول : ( يا فطر السماوات والأرض يا عالم الغيب والشهادة الحاكم بين عبادة احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين ) .
فيأتي دور الحسين ولدها العلوي الثأر ليقتفي اثر الحسين ويحمل راية الجهاد والشهادة فيراق دمه الطاهر ويفجع به رسول الله ( صل الله عليه واله ) كما فجع من قبل في كربلاء ولقد كانت هاتان الواقعتان ( فخ وكربلاء ) عظيمتين على نفس رسول الله وأهل بيته وكان قد أنبا عنهما وبكى ألما لما يجري على أهل بيته فيهما
وكما اخبر رسول الله ( صل الله عليه واله ) عن كربلاء اخبر كذلك عن وقعة فخ فقد روي عن طريق سلسلة من الرواة عن أبي جعفر محمد الباقر ( عليه السلام ) قال : (( مر النبي ( صل الله عليه واله ) بفخ فنزل فصلى ركعتين فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة فلما رأى الناس النبي ( صل الله عليه واله ) يبكي بكوا فلما انصرف قال ما يبكيكم ؟ قالوا لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله قال : نزل علي جبرائيل لما صليت الأولى فقال : يا محمد إن رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان واجر الشهيد معه اجر شهيدين ).
فإذا كان وقع هذه المأساة عظيما في نفس رسول الله ( صل الله عليه واله ) ومروعا لأهل البيت ( عليهم السلام ) الذين لم يشهدوا هذه الواقعة فكيف بعميد أهل البيت وإمام المسلمين موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) الذي عاصر المأساة وعايش المحنة وتحمل أثارها وتبعاتها السياسية والرسالية تلك المأساة التي وصفها الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) حفيد الإمام الكاظم بقوله ( لم يكن لنا بعد ألطف مصرع أعظم من فخ ) فتحملها الإمام بقلبه الكبير وصبره المديد وعزمه الذي لا يلين وصدق رسول الله ( صل الله عليه واله ) بقوله : ( نحن أهل بيت لا يقاس بنا احد ) .