شاهد من التاريخ :
سلمان الصفواني


التاريخ هو حفر على لوح الزمن –
فصنّاع التاريخ لا يموتون إنهم يبقون فيه ،
يستوطنون . ويستمرون باستمراره.
ولاغرابة فالتاريخ هو العلاقات البشرية .
وهو سجل الزمن لحياة الشعوب والأشخاص والأمم .
فلنلج باب التاريخ لنتعرف على شخصية عظيمة
ورجل من رجالات صفوى بالمنطقة الشرقية
في المملكة العربية السعودية –
فهذا رائد يجوب رحاب صاحبة الجلالة عدته القلب والقلم –
والصبر والتصبر ، لأن للقلم والبندقية فوهة واحدة .
ولما كنا أبناء الجيل الحالي لا نعرف كثيراً
عن الرواد الأوائل إلا لماماً فقد حاولنا جاهدين
للبحث والتحري بدقة متناهية للتعرف على جوانب
مختلفة من حياة وكفاح هذا الرائد وما تعرض له
من النفي والاعتقال ولكن قبل ذلك لا بد من
التعريف بهذه الشخصية – فكان هذا السؤال :
من أنت ؟
أنا سلمان بن صالح بن أحمد آل إبراهيم الصفواني .
ولدت في مدينة صفوى 1899م نشأت فيها
وتعلمت القراءة والكتابة وحفظت أجزاء من القرآن الكريم
في ( كُتَّاب ) البلدة . حيث كانت الكتاتيب
مدارس ذلك العصر نظراً لأن البلاد كانت
خاضعة للدولة العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى
بما فيها ( المنطقة الشرقية ) .
ونستطرد ونقول : غادر صاحبنا بلده إلى البحرين
لينال نصيبه من العلم فالتحق بمدرسة الإصلاح الابتدائية ( الأهلية) ونظراً لرغبته الملحة في المزيد من التعلم
فقد هاجر إلى العراق وانضم للنجف الأشرف
حيث تخصص في العلوم العربية الإسلامية
وبالتالي أكمل تعليمه هناك في النجف الأشرف والكاظمية .
هذا وكان ضيفننا منذ شبابه متحمساً للقضايا الوطنية
ومنغمساً فيها من الرأس إلى القدم ،
الأمر الذي أدى إلى نفيه مع الإمام الشيخ مهدي الخالصي
خارج العراق وذلك بسبب اعتراضه واحتجاجه
على الانتخاب الذي سيمهد إليه التصديق
على معاهدة 1922 والتي تضع العراق تحت
الانتداب البريطاني .
وهكذا ابتدأ أولى مراحل الكفاح والتي كانت عبارة
عن خطية مندداً فيها بالاستعمار البريطاني .
وظل ملازماً هذا المبدأ نظراً لكونه عضواً ومندمجاً
في العمل الوطني.
وقد كان سلمان الصفواني من تلامذة الإمام الخالصي
ومن المقربين إليه وكان يثير بكلماته الحماسية
المؤثرة رؤوساء العشائر ورجال المعارضة
وفي أحد الأيام وبينما كان صاحبنا يلقى خطاباً في صحن الكاظمية إذ تقدم نحوه معاون الشرطة عبد الرزاق الفضلي
وقال له بصوت مرتفع :
" إني باسم الحكومة والقانون أمنعك من إلقاء الخطاب
وعند عدم الكف سأستعمل القوة .
وهنا حصلت مشادّة بينهما وهاجت الجماهير
وتدافعت مع الشرطة وانطلق الرصاص
من كل اتجاه واستطاعت الشرطة أن تخطف الصفواني
وعلى إثر هذه الحادثة التي اعتبرتها الحكومة تحدياً
لها وجرأة لا يجوز الصبر عليها
وإلصاق التهم والفتاوى التي تمنع الانتخابات
فقد تم اعتقال الصفواني مع الشيخ الخالصي
وأبنائه حسن وعلي وحفيد أخيه علي تقي
ونفيهم إلى خارج العراق.
وهنا تتوالي المتاعب على الصفواني فيودع السجن
ويعكف على كتابة رسائل ( محكوميتي )
متخذاً لغلافها عبارة :
" رب السجن أحب إلي مما يدعوني إليه "
ويسكب بين ثناياها قلباً حيًّاً غصَّه الألم والظلم
ففاض بالنقمة ، وأخذ يبث في سطورها روحاً
تصارع الجور والعدوان .
ولهذا لا غروَ إذا ما خطّت ( محوكيتي) بالدمع والدم
ولا غرو إذا ما شاع منها " النور والنار "
وهكذا كانت حياة الصفواني مليئة بالآلآم والصعاب
فقد كان ما بين المنفى إلى السجن إلى المنفى قالتشرد
وقد حكم عليه بالحبس الشديد سبع سنين
وقيد بسلاسل من حديد ،
وكل ذلك بسبب إيمانه بالقضية الوطنية
التي كانت تمتلك كل مشاعره .. فما كان يبالي بما
يصيبه من أضرار بل كان يستهين بالمتاعب
ويستعذب التضحية وكان هو ورفاقه صادقين
فيما يدعون له ويناضلوا لتحقيقه
وكانوا يؤمنون بالمثل العليا والمبادئ المقدسة
ويحرقوا أنفسهم بلهيب هذا الإيمان وليكن مايكون........
فنذر قلمه وفكره ودخل معترك العمل السياسي
من أعرض أبوابه ومارس الكفاح الوطني
وله في ذلك صولات وجولات ..
فلقد وقف غير مرة في وجه الاستعمار ذاباً عن وطنه
فهو من حمل مشعل الفكر وصاحب جريدة
اليقظة العراقية وصحيفة المنبر العام والمعارف وغيرها من
الآثار الأدبية والسياسية .
ومن الغريب أن صحفه كانت تتعطل عن صدور العدد
الثالث عشر ، فما أن تقدم بطلب إصدار جريدة باسم اليقظة 1924م وبعد صدور ثلاثة عشر عدداً منها تعطلت
ثم أصدر جريدة المنبر لعام وتوقفت بعد العدد الثالث عشر
ثم أصدر المعارف فكان نصيبها من التعطيل
في العدد الثالث عشر (13) أيضاً.
وبذلك حق عليه قول الاستاذ عبدالرزاق الحسني :
( اعتادت صحف الاستاذ الصفواني أن تتعطل عند صدور
عددها الثالث عشر ).
فصدقت أسطورة شؤم العدد 13 بالنسبة إليه.
ونمضي مع صاحبنا حيث ينفى إلى القاهرة
في عهد عبدالكريم قاسم
فكان الصفواني أول لاجئ سياسي هناك حيث فاتح الرئيس
جمال عبدالناصر يومها يتأسيس مكتب سياسي للاجيئين
في القاهرة فوافق على طلبه كما سمح له يتخصيص
جانب من إذاعه صوت العرب لإذاعة مقالاته وتعليقاته
عن الوضع في العراق.
وبعد مدة من الزمن جاء وفد عراقي إلى القاهرة
برئاسة رئيس الوزراء آنذاك طاهر يحيى والتقى بالرئيس عبدالناصر وقال له:
( أرجو أن توعز لسلمان الصفواني بالرجوع
إلى بغداد لإنها ء حالة اللجوء السياسي ..
فرد عليه عبدالناصر :
( سلمان الصفواني ليس لاجئاً في القاهرة بل هو ضيفي
ونحن نعرف سلمان قبل أن نعرف ضباط الثورة العراقية ) .
وبقي في القاهرة ..
وبنفس راضية مرضية وفي يوم الأربعاء 16-11-1988 م
لبى سلمان الصفواني نداء ربه بعد عمر ناهز
التاسعة والثمانين سنة قضاها في جهاد المستعمرين
والعمل الصحفي والأدبي..