أشهر المحاكمات السياسية في العراق الحديث
بقلم/الدكتور مؤيد الونداوي
أولا: اشهر المحاكمات السياسية في العهد الملكي 1920- 1939
واجه الاحتلال البريطاني للعراق 1914-1918 مقاومة عراقية عنيفة تجلت عبر صور مختلفة أهمها عندما تطوع الاف من العراقيين للقتال، وتعد معركة الشعيبة (1915) النموذج البارز في هذا الميدان إذ تقدم المقاتلتين، عدد من رجال الدين وشيوخ القبائل من بينهم المرجع الكبير الحبوبي والشيخ محمود الحفيد.
الشيخ/ محمود الحفيد وأتباعه
وتعد ثورة عام 1920 الصورة الأولى للمقاومة العراقية للاحتلال، وكانت السبب في ان يعترف البريطانيون بوجوب منح العراق حق تشكيل حكومته الوطنية، وهكذا جاء تشكيل اول حكومة عراقية في 25 تشرين اول 1920، برئاسة عبد الرحمن النقيب.
بعد ذلك التاريخ ولغاية عام 1932 وهي السنة التي نال فيها العراق استقلاله التام واصبح عضوا في عصبة الامم، كان العراق قد اصبح قيد الانتداب والوصاية البريطانية بموجب قرارات عصبة الامم، البريطانيون من جانبهم قدموا الكثير من مقاومي الاحتلال للمحاكم العسكرية البريطانية، والتي قضت بالحكم عليهم بالإعدام والسجن أو النفي خارج البلاد، وتعد قضية الشيخ ضاري المحمود والحكم عليه بالإعدام واحدة من اشهر المحاكم السياسية المبكرة التي شهدها العراق الحديث، على الرغم من ان المندوب السامي السير بيرسي كوكس كان قد اصدر عفوا عاما عن جميع المشاركين بتلك الثورة وذلك في 30 مايس 1921.
السير بيرسي كوكس
وتعد قضية اغتيال وزير الداخلية توفيق بك الخالدي بتاريخ 22 شباط 1924 اول جريمة اغتيال سياسي في تاريخ العراق الحديث، على وفق ما أرخه لنا السيد عبد الرزاق الحسني، وقعت الجريمة عندما كان الضحية متجها الى منزله مساء ذلك اليوم، ولقد قيل الكثير عن دوافع هذه الجريمة والاشخاص الذين حرضوا عليها، وقد ذكرت اسماء مسؤولين كانوا على راس الحكم في العراق، منهم الملك فيصل الاول وجعفر العسكري ونوري باشا، إذ قيل في حينه ان المغدور كان من انصار الجمهورية، وكان يتطلع الى ان يحكم العراق عراقي، ولهذا تم الاتفاق على التخلص منه عبر تكليف شاكر القره غولي الذي اختبأ في منزل عبد الحميد كنه القريب من منزل الخالدي، ومنه انطلق ونفذ جريمته.
قيل أيضا ان القومين العرب قابلو الاغتيال بالغبطة والسرور وعلى راسهم ياسين الهاشمي لكون الخالدي كان من دعاة الاتحاديين وكان عضوا بارزا في الحزب الحر العراقي المعروف عنه موالاته للإنكليز، ولهذا فقد تم تكليف عبد الله محمد سرية بتنفيذ عملية الاغتيال وقد نفذها بمساعدة القره غولي، وهذا ما أسر به الى الحسني في عام 1941 عندما كان الرجلان معتقلين بعد وقوع احداث 1941.
لم يسجل التاريخ العراقي الحديث تورط الملك فيصل الاول بأي جريمة من هذا النوع، وعلى أية حال لم يهتم احد في متابعة هذه الجريمة وتقديم الجناة للمحاكمة.
القضية الاهم التي اتخذت شكلا سياسيا وعرفت باسم قضية الرسائل السرية التي تم توزيعها وايصال نسخ منها الى الملك فيصل والتي ثبت بعد التحقيق ان وراءها مزاحم بك الباججي، احداث القضية التي حصلت وقائعها 1931 وكان الباججي قد احتل اكثر من منصب وزاري قبل ذلك التاريخ وقد وجه له الاتهام بانه وراء كتابة تلك الرسائل التي تعرضت الى الذات الملكية وقد نظر لمحاكمته على انها محاكمة سياسية غير انه كانت هنالك وكما يبدو لنا دوافع شخصية وعائلية ايضا لم يكشف عنها التاريخ بعد وقد اطلعنا عليها من خلال مطالعتنا لبعض الوثائق البريطانية.
تمت تسوية المشكلة بين الباججي والملك بهدوء ونقل الباججي للعمل في السلك الدبلوماسي إذ امضى حوالي 18 عاما في أوربا قبل ان يعود ويتولى رئاسة الوزارة عام 1948.
خلال السنوات 1921-1936 وقعت احداث كثيرة سببتها احداث وشخصيات سياسية وزعامات عشائرية اتخذت شكل الثورات العشائرية وهي ثورات كانت تقف وراء الكثير منها اسباب ودوافع سياسية، غير أن أيا من الاشخاص والجماعات التي حرضت عليها لم يتم تقديمه الى المحاكم، وقد كان من بين الاساليب التي اتبعتها الحكومات في معالجة مثل هكذا مشاكل أعمال التأديب والنفي والاقامة الجبرية والفصل من الوظيفة أو الدراسة والعفو وفي هذا المجال هنالك العشرات من الامثلة التي تؤكد ما ذهبنا اليه هنا ولا مجال لذكرها أذ هي ليست هدف هذا الموضوع غير ان أهم تلك الثورات العشائرية كانت ثورات عشائر الفرات الاوسط وثورة خوام العبد العباس وثورات الشيخ محمود الحفيد وثورة بارزان وقضية الآثوريين وهي جميعها احداث خلالها سقط صرعى وجرحى الكثير من الاشخاص الحكوميين والعسكريين والمدنيين مع اتلاف ونهب للكثير من الممتلكات العامة.
في عام 1936 وقعت جريمة مروعة وذلك عندما أقدم عدد من الضباط المشاركين في اول انقلاب عسكري نفذه الجيش العراقي وقاده الزعيم بكر صدقي بتنفيذ عملية اغتيال الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع في حكومة ياسين الهاشمي. لم تكن هنالك نية اصلا لدى من ساهم في تخطيط وتنفيذ الانقلاب تنفيذ جريمة كهذه بقدر ما اجبرتهم تطورات الاحداث ان ينفذوها عندما قرر العسكري سلوك مسلك التفاوض معهم من اجل انهاء المشكلة، غير ان من ارتكب الجريمة وهم خمسة ضباط كانوا قد قرروا تنفيذها اعتقادا منهم ان اغتيال العسكري سيفتح الطريق لنجاح تنفيذ العملية الانقلابية وهذا ما حصل فعلا.
حكمت سليمان
حاولت الحكومة المدفعية التي تشكلت بعد مقتل بكر صدقي تقديم القتلة الى المحاكمة غير ان قانون العفو العام الذي استصدرته وزارة حكمت سليمان في 1 مايس 1937 حال دون ذلك، ولم يقدم للمحاكمة منفذو هذه الجريمة على الرغم من اعترافهم بارتكابها.
كما شهدت المرحلة التي اعقبت نجاح الانقلاب وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حكمت سليمان عددا من الاغتيالات السياسية شملت ضياء يونس الموصلي، سكرتير مجلس الوزراء في حكومة ياسين الهاشمي وذلك في كانون الثاني 1937 كما عثر على علي رضا الجعفري شقيق جعفر باشا ذبيحا في منزله في اذار 1937 ونفذها نائب العريف محمد عبد الله التلعفري، بينما نجا مولود باشا مخلص من الاغتيال في شباط 1937.
لم ينجُ بكر صدقي طويلا إذ بتاريخ 11 اب 1938 تم اغتياله وبصحبته المقدم محمد علي جواد امر القوة الجوية. عملية الاغتيال تمت في حديقة مطار الموصل بينما كان بكر صدقي بالطريق إلى تركيا، خطة الاغتيال رتبها عدد من ضباط الجيش لم يتم تقديم اي منهم للمحاكمة بسبب حاجة الاوضاع الداخلية من أجل تسوية الموضوع وغلق الملف.
تعد محاكمة رئيس الوزراء حكمت سليمان والذي تولى منصبه هذا بعد تنفيذ بكر صدقي انقلابه الشهير عام 1936 واحدة من أشهر المحاكمات. بتاريخ 6 اذار 1939 ..
أعلنت الحكومة وكان وقتها يرأسها نوري باشا السعيد عن وجود مؤامرة تهدد ام البلاد واستقرارها وقد وجهت الاتهام الى حكمت سليمان بانه وراء تدبير هذه المؤامرة ومعه عدد من الضباط.
كان السعيد لا يزال ناقما على حكمت سليمان ودوره في احداث انقلاب 1936 الذي نجم عنه مقتل جعفر باشا الذي كان متزوجا من شقيقة نوري السعيد، فضلا عن كون نوري هو نفسه قد غادر العراق طواعية خوفا على حياته من بكر صدقي واعوانه واستقر في القاهرة محرضا ضد المساهمين في ذلك الانقلاب.
الحقائق التاريخية تؤكد عدم وجود مؤامرة من تدبير حكمت سليمان وان القضية لم تكن سوى عملية ملفقة دبرها نوري السعيد من اجل الانتقام من حكمت سليمان والذي تم تقديمه للمحاكمة والتي بدورها أصدرت حكما بإعدامه.
أطراف عديدة تدخلت من اجل انقاذ رأس حكت سليمان من حبل المشنقة وكان من بين من تدخل السفير البريطاني في بغداد، ونصح بعدم تنفيذ الحكم قناعة منه بان القضية بمجملها عملية سياسية دبرها نوري السعيد وبالتالي ليس من مصلحة حاضر العراق ومستقبله ان يتم تنفيذ هذا الحكم وكان السفير يرى بأن تنفيذ الحكم قد يفتح الباب واسعا لمزيد من التصفيات السياسية لاحقا. في النهاية اجبر حكمت سليمان على البقاء في السجن لبضع سنين ثم اعفي عنه ليقضي بقية حياته بعيدا عن عالم السياسة العراقية.
مقتل الملك غازي بتاريخ 4 نيسان 1939 بسبب حادث السيارة الشهير لا يزال موضوع جدل بين المؤرخين فيما اذا كان مقتله ناجما عن خطة ساهمت بها اطراف كي تتخلص منه ام ان الحادث كان نتيجة تهور الملك في قيادته لسيارته.
سيارة الملك غازي / بعد الحادث
صحيح ان هنالك من يربط بوجود دور لنوري السعيد بالموضوع غير انه يبقى محصورا في عالم التكهنات خاليا من اي سند يؤكد ذلك، والوثائق البريطانية المعروض منها لا تساعد بشيء. هذه القضية تبقى موضوع جدل حالها حال قضية مقتل وزير المالية رستم حيدر بتاريخ 18 كانون الثاني 1940 على يد مفوض الشرطة المفصول المدعو حسين فوزي توفيق والذي مرة اخرى حاول بعض المؤرخين عدها من الجرائم السياسية التي ارتبط اسم نوري السعيد بها ولكن من دون ان يقدم اي دليل واضح. المهم تم التعامل مع القضية بوصفها قضية جنائية وصدر حكم الاعدام بحق مرتكبها.
ثانيا: أشهر المحاكمات في العهد الملكي بين 1941 و 1958.
ثورة مايس 1941 وما نجم عنها من تطورات واحداث انتهت ليس بالفشل فقط، بل كانت سببا في ان يشهد العراق سلسلة من المحاكمات التي طالت قادة الثورة من مدنيين وعسكريين، مثلما طالت اعداد كبيرة من الناشطين السياسيين ممن وقف الى جانب الثورة وساهم فيها.
لم تكن الثورة سوى نتاج لسلسلة من الحوادث السياسية انتهت بأن فرضت بريطانيا الحرب على العراق، من اجل ضمان مصالحها السياسية والعسكرية والاستراتيجية وهي تخوض الحرب ضد ألماني.
الاحداث الداخلية المتسارعة انتهت بتدخل الجيش العراقي ممثلا بما عرف في حينه باسم الضباط الاربعة، ونقصد بذلك العقيد صلاح الدين الصباغ ورفاقه وفرضهم ان يتولى رشيد عالي الكيلاني الحكومة، واجبرت تلك الاحداث الوصي على العرش الامير عبد الاله، على الهرب وترك البلاد ليستقر في عمان، وقد تبعه إليها عدد آخر من السياسيين الموالين له في مقدمتهم نوري السعيد واخرون، وحالما تمكنت القوات البريطانية من السيطرة على الاوضاع، وإعادة الوصي الى بغداد جرت ملاحقات واسعة لكل من كان طرفا في الثورة، تم اعتقال الكثيرين ونقلهم الى معسكرات اعتقال في الفاو والعمارة وفي روديسيا، في حين تم تنفيذ محاكمة لمن تم اعتقالهم من رؤساء وزراء ووزراء وقادة في الجيش ومدراء عامين، واصدرت بحقهم بتاريخ 6 كانون الثاني 1942 احكام الاعدام والسجن مع الاشغال الشاقة، وتم تنفيذها بعد ساعات قليلة من صدورها.
صلاح الدين الصباغ
من أهم الشخصيات التي صدرت بحقهم احكام الاعدام ومن ثم تنفيذها، كان العقيد صلاح الدين الصباغ ومحمد فهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب في حين خفف حكم الاعدام لاحقا عن علي محمود الشيخ علي والفريق امين زكي ويونس السبعاوي وتم سجنهم لبضع سنوات.
كما حكم على الوزير ناجي شوكت بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة بينما توفي ناجي السويدي في معسكر اسره في روديسيا وكان واحدا من افضل رجالات العراق الوطنيون.
وتعد محاكمات ثوار مايس 1941 من اشهر المحاكمات السياسية لأنها كانت سببا لاحقا في خلق حالة من العداء لدى تيارات سياسية لأن تعمل من أجل أسقاط النظام السياسي فيما بعد.
وعلى أية حال فان الهزيمة التي تعرضت لها النظم السياسية العربية بسبب اخفاقها في ادارة ملف القضية الفلسطينية عام 1948، نجم عنها تصاعد المد القومي في العراق وانطلاق المطالب بضرورة تحقيق الوحدة العربية وتأميم النفط، بالمقابل أكد النظام السياسي العراقي استمرار تحالفه مع المعسكر الغربي في مواجهة المعسكر الاشتراكي الذي بات في حالة مواجهة عرفت باسم الحرب الباردة.
أحداث كانون الثاني 1948 التي شهدتها البلاد بسبب توقيع معاهدة بورتسموث نجم عنها سقوط الكثير من المتظاهرين بين جريح وقتيل وقد تم اعتقال الكثير من المساهمين فيها، ولكن وفي النهاية لم تكن هنالك محاكمات سياسية بالمعنى الكامل لهذا الوصف على الرغم من تأكيد الحكومة على تنفيذ أحكام قانون التجمعات، والذي يقضي بالسجن لمدد حدها الاقصى الحبس لمدة تصل الى خمس سنوات، لمن يشترك او خطب على ملأ من الناس او الصق على الجدران اوراقا مطبوعة او غير مطبوعة او وزعها محرضا الناس على التجمهر.
الحرية الصحفية والتعددية الحزبية التي بات يشهدها العراق بعد نهاية الحرب الثانية، وان كانت محدودة فأن نوري السعيد ولأجل أن يضع حدا لاستمرار التظاهرات في شوارع بغداد، والتي تواصلت منذ مطلع كانون الثاني 1948، ولأجل تنفيذ شكل من اشكال القبضة الحديدية في حكم البلاد بعد الهزيمة في فلسطين، فقد وجد في الحزب الشيوعي العراق ضالته لكونه لم يكن بوسعه محاربة الاحزاب القومية ومنها حزب الاستقلال.
وكان مكتب التحقيقات الجنائية قد تمكن في منتصف كانون الثاني 1947 من كشف قيادات تنظيم الحزب، الذي أصرت الحكومة عدم منح إجازة تأسيسه في عام 1945-1946،بقيادة زعيم الحزب يوسف سلمان يوسف (فهد)وهكذا تم اعتقاله وعدد من قادة الحزب ومحاكمتهم . تم الحكم على فهد واثنين من قادة بالإعدام، بينما تم الحكم على اربعة عشر اخرين مددا مختلفة. محكمة التمييز التي عرض عليها الحكم ابدلت عقوبة الاعدام بالسجن المؤبد. السجناء تم نقلهم الى سجن الكوت لتمضية مدد محكومياتهم فيه، ولكن اكتشف فيما بعد انهم استمروا يواصلون نشاطهم السياسي من داخل السجن، وقد تمكنت دوائر الشرطة من كشف كامل التنظيم بما في ذلك المطبعة الحزبية.
ولما تشكلت وزارة نوري السعيد العاشرة فقد نشطّت دور المجلس العرفي العسكري في ايلول 1948 وهو المجلس الذي اصدر حكمه بالإعدام شنقا حتى الموت على فهد وثلاثة من رفاقه. وقد تم تنفيذ حكم الاعدام بحقهم وذلك في 14 و 15 شباط من عام 1949. وتعد هذه القضية من اشهر القضايا السياسية التي شهدت تصفية خصوم سياسيين بسبب من نشاطهم السياسي.
الوثائق الرسمية البريطانية ذات الصلة وقضية اعدام قادة الحزب الشيوعي تم حجبها بالكامل باستثناء ورقة واحدة، تشير الى ان نوري السعيد كان وراء المطالبة بتنفيذ الحكم. وفي قضية اخرى تتصل بشخصية اجتماعية معروفة ونقصد به التاجر العراقي المعروف شفيق عدس (يهودي) وكان قد حكم عليه بالإعدام هو الاخر عن جريمة المتاجرة مع العدو الصهيوني، فأن الوثائق البريطانية المتصلة وهذه القضية معروضة بالكامل وهي تظهر حجم الضغط الذي مارسه السفيران البريطاني والامريكي في بغداد على الامير عبد الاله، لأجل عدم تنفيذ الحكم بحق المدان على الرغم من علمهما بحقيقة ما ارتكبه من جريمة جنائية .
لم يكن امام الوصي سوى المصادقة على تنفيذ الحكم، من اجل ان يرضي الشارع العراقي بعد وقوع النكبة في فلسطين.
اكثر الشخصيات السياسية الذي طالته المحاكم كان زعيم الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي. أنظم الجادرجي الى حزب الاخاء الوطني الذي كان يرأسه ياسين الهاشمي عام 1930 وانتخب عضواً في اللجنة المركزية لذلك الحزب. وتولى ادارة صحافة الحزب المذكور فحوكم في عهد وزارة نوري السعيد الاولى وحكم عليه بالسجن، وفي تلك الفترة اظهر كامل الجادرجي مقدرة كبيرة في ادارته لصحافة حزب الاخاء الوطني.
وكان الديمقراطيون قد بدأوا بالتجمع قبيل حوادث عام 1941 في العراق، وكان كامل الجادرجي متصلاً بهم وبالحركة الوطنية عموماً، وفي ايلول من عام 1942 اصدر مع عدد من الديمقراطيين جريدة (صوت الاهالي) ومع إجازة تأسيس الاحزاب العراقية عام 1945 اسس كامل الجادرجي مع محمد حديد وحسين جميل ، الحزب الوطني الديمقراطي الذي اجيز رسميا في نيسان عام 1946 وقد تولى كامل الجادرجي قيادة الحزب.
خاض الجادرجي مع حزبه المعارضة ضد العهد الملكي . وقد قدمته وزارة ارشد العمري للمحاكمة بعد تكوين الحزب بأشهر قليلة عام 1946 وحكم عليه بالسجن ثم نقض الحكم وأعيدت المحاكمة، استمر الجادرجي في خطه الديمقراطي وقدم للمحاكمة مرة اخرى عام 1947، في حزيران عام 1949 قدم نوري السعيد الذي كان على رأس الوزارة كامل الجادرجي مرة أخرى الى المحاكمة وحكم عليه بالسجن مع ايقاف التنفيذ وإغلاق جريدة صوت الاهالي.
معظم المحاكمات التي تعرض لها الجادرجي كانت مناسبة يتم خلالها إذلال الحكومة وكسب التأييد له وقد نجى الجادرجي بحياته ولكنه قضى أوقات مهمة من حياته في مواقف الشرطة.
في عام 1952 شهد العراق حدثا سياسيا كبيرا اطلق عليه المؤرخون اسم انتفاضة كانون الثاني. اضراب طلبة كلية الصيدلة لم يكن حدثا انيا منعزلا بقدر ارتباطه بمجمل الاوضاع السياسية العامة القائمة في البلاد وقت ذاك. لقد تطور الاضراب بسرعة الى تظاهرات كبيرة عمت بغداد رافقها وقوع مصادمات بين قوات الشرطة والمتظاهرين سقط خلالها عدد من الجرحى والقتلى. ولقد استغلت قوى المعارضة السياسية الاحداث واستخدمتها لمصلحتها الى ابعد الحدود، وكانت النتيجة ان اضطر الوصي على العرش ان يستعين بالجيش وان يأتي بالفريق نور الدين محمود لتولي الوزارة خلفا لحكومة مصطفى العمري التي اجبرتها الاحداث على تقديم استقالتها. من جديد تم اعلان الاحكام العرفية في بغداد وتعطيل تنفيذ قانون اصول المحاكمات الجزائية وعدد اخر من القوانين، لأجل ان تتمكن المحاكم العرفية والعسكرية من اصدار احكامها على وفق ما يتراءى لقائد القوات العسكرية.
هذا وقد اصدر الزعيم الركن عبد المطلب الامين قائد القوات العسكرية للإدارة العرفية قرارا بغلق عدد من الاحزاب منها حزب نوري السعيد (حزب الاتحاد الدستوري) وايضا حزب صالح جبر أي حزب الامة الاشتراكي وشمل القرار ايضا حزب الاستقلال والوطني الديمقراطي وحزب الجبهة الشعبية. هذا وقد تم القبض على العشرات من المتظاهرين وزجهم في المعتقلات ولكن لم يمض وقت طويل حتى تم اطلاق سراح معظمهم نتيجة لسياسة تطيب الخواطر التي نفذتها الحكومة.
حكومة نوري السعيد الثانية عشرة والتي تشكلت في شهر اب 1954 احد اهم الوزارات التي تشكلت في العراق الملكي وهي الوزارة الاطول عمرا إذ استمرت وبعد ان شكل نوري السعيد حكومته الثالثة عشر لغاية نيسان 1957. هذه الوزارة لا تزال موضوع جدل بين المؤرخين وما تمت كتابته عنها لا يزال يعكس الجانب المظلم منها، بسبب موقفها من احزاب المعارضة ودورها في تأسيس حلف بغداد، وموقفها من قضية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. بالمقابل اجد ان هنالك جانبا اخر مضيئا عملته الحكومة عبر اصدارها اكثر من مائة تشريع يتصل بتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية وبناء الهيكل الوظيفي للدولة بما في ذلك اصدار قانون الضمان الاجتماعي وغيره.
كان السعيد بحاجة الى استخدام سياسة العصا الغليظة من جديد ضد خصومه ومثلما فعل عام 1949، وذلك من أجل تنفيذ خططه في انهاء معاهدة 1930 واقحام العراق بحلف دفاعي يضمن للعراق الحماية الغربية بالضد من توجهات الاتحاد السوفيتي. اقدم نوري باشا على اصدار سلسلة من المراسم بموجبها تم تعطيل الحياة الحزبية وتحجيم المعارضة السياسية، كما شرّع قانونا بموجبه تتمكن الحكومة من اسقاط الجنسية عن العراقي الذي تتم ادانته بأنشطة سياسية. قوانين كهذه ساعدته كثيرا في الهيمنة على البرلمان وتأسيس حلف بغداد. ولكن لم يمر وقت طويل حتى انفجر الشارع العراقي بسبب موقف الحكومة من العدوان الاسرائيلي – الفرنسي – البريطاني على مصر.
من جانب الحكومة وتحت ذريعة تهيئة البلاد لمواجهة احتمالات تطورات العدوان على مصر لجأت الى اعلان حالة الاحكام العرفية من جديد، في حين كانت مثل هذه الخطوة تهيئة الارضية لمواجهة غضب الشارع العراقي والذي لم يدم وقت طويل حتى شهد التظاهرات الكبيرة والواسعة التي عمت مدنا عراقية عديدة سقط خلالها العديد من الجرحى وزج بالمئات في السجون والمعتقلات وتم فصل المئات من الطلبة من الكليات والمدارس.
قادة احزاب المعارضة السياسية تم اعتقالهم ومن بينهم كامل الجادرجي ومحمد صديق شنشل وفايق السامرائي وعبد الرحمن البزاز وجابر عمر وحسين جميل وحسن الدجيلي ومحمد علي البصام وغيرهم وقد صدرت بحقهم احكام بالسجن ونفي الاخرون الى مناطق نائية في شمال العراق .اما شيوخ العشائر فقد تم نفي عدد منهم الى مناطق خارج مناطق سكناهم الاصلية.
انتهى النظام الملكي في العراق في 14 تموز 1958 ولكن مما يمكن تسجيله انه حاول دوما تجنب سياسة تنفيذ احكام الاعدام بخصومه مفضلا دوما تطبيق الاحكام العرفية وتعطيل الاحزاب واعلان حالة الطواري بوصفها طرقا اسهل في تنفيذ اجراءاته ضد الخصوم وهي اجراءات سرعان ما كان يتم تلافيها وانهائها بأسرع وقت، وكانت اجراءات مثل الابعاد والنفي للخصوم الى مناطق محددة ونائية او اصدار احكام بالسجن او الحبس لبضع سنوات هي الاخرى سرعان ما كان يرافقها قرارات بالعفو وعودة المشمولين بها لمزاولة نشاطاتهم السياسية، سياسات مثل الفصل والابعاد عن الوظيفة او من المقاعد الدراسية قد تمت ممارستها ايضا ولكن بحدود مع التراجع عنها بعد مضي وقت قصير.
ثالثا : أشهر المحاكمات السياسية في العهد الجمهوري الاول 1958-1963
العراق الجمهوري ومنذ اليوم الاول له شهد تحولا واضحا في طريقة التعامل مع الخصوم السياسيين، ويعد تشكيل المحكمة العسكرية العليا الخاصة والمعروفة باسم محكمة الشعب احد اهم مظاهر هذا التحول.
وصفي الطاهر، المهداوي ، ماجد محمد أمين
لقد كلف الزعيم عبد الكريم قاسم قريبه العقيد فاضل عباس المهداوي برئاسة المحكمة التي تقرر ان تتولى محاكمة رموز النظام الملكي. تم نقل وقائع المحاكمات عبر شبكة التلفزيون العراقية وكانت بذلك فرصة كي يتطلع العراقيين ولأول مرة على وقائع تلك المحاكمات ذات الطبيعة السياسية.
شخصيات سياسية وقادة عسكريون ورجال شرطة تمت محاكمتهم، يتقدمهم عدد من رؤساء الوزراء والوزراء مثل توفيق السويدي والدكتور فاضل الجمالي واحمد مختار بابان، ووزير المالية خليل كنا وسعيد قزاز ومن العسكريين وقف في قفص الاتهام رئيس اركان الجيش الفريق محمد رفيق عارف والزعيم غازي الداغستاني واللواء عمر علي قائد الفرقة الاولى والعقيد عبد الجبار يونس،
كما وقف في ذلك القفص الشهير مدير الامن العام بهجة العطية وعبد الرحمن حمود السامرائي مدير الشرطة العام وعبد الجبار فهمي متصرف بغداد.
انعكست طبيعة الشخصية الساخرة لرئيس المحكمة على وقائع المحاكمات، ولذلك فقد شهدت قاعة المحكمة حالات كثيرة من التجاوز اللفظي والاهانة للمتهمين. وكما كان متوقعا فقد صدرت الكثير من احكام الاعدام بحق المتهمين ليس عن جرائم كانوا قد ارتكبوها بحق اخريين، بقدر ما كان التجريم منصبا على طبيعة ادائهم لوظائفهم السياسية.
ولقد كان واضحا ان السياسيين والعسكريين من المتهمين سوف لن تنفذ بحقهم احكام اعدام وانهم سرعان ما سيكونون خارج السجن وهذا ما حصل لاحقا.
وكانت الحكومة البريطانية قد مارست دورا مهما لأجل انقاذ رأس الجمالي إذ لجأت الى قادة دول المغرب العربي للتدخل بهذا الاتجاه خصوصا وان الجمالي كان أكثر الشخصيات العربية ممن مارس دورا كبيرا باتجاه تحقيق استقلال هذه الدول من سيطرة الاستعمار الفرنسي.
اما اعضاء الجهاز التنفيذي يتقدمهم وزير الداخلية الشخصية الوطنية المعروفة سعيد قزاز وايضا بهجت العطية وعبد الجبار فهمي فقد صدرت بحقهم احكام الاعدام عام 1959 وتم تنفيذ الحكم بهم بسبب من ضغوطات مارسها الحزب الشيوعي انتقاما منهم عن دورهم في معاملة الحزب وانصاره فيما مضى.
تحول خطير في دور المحكمة حدث مع تدهور الاوضاع السياسية الداخلية بسبب الصراع على السلطة وشكل ادارة الدولة بين الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف، الذي كان الرجل الثاني في سلم الهرم السياسي الجديد. لم يمض وقت طويل حتى وجد العقيد عارف نفسه واقفا في قفص محكمة الشعب وهو يستمع لرئيس المحكمة بتاريخ 5 شباط 1959 ينطق بالحكم عليه بالإعدام.
وبعد قليل تم الحكم وفي ذات القاعة استمع زعيم حركة مايس لسنة 1941 رئيس الوزراء السابق رشيد عالي الكياني حكما مماثلا ينطق بحقه عن تهمة التخطيط لإسقاط النظام السياسي.
اتسعت شهرة المحكمة بسبب حجم القضايا التي احيلت اليها واصرار الشيوعين على استخدامها ضد خصومهم، ولا تزال الامور مترسخة في الاذهان لدى من عاش تلك الايام وهو يشاهد الجمهور الحاضر في قاعة المحكمة يرفع بيده الحبال ويطالب رئيس المحكمة بإصدار احكام الاعدام بحق المتهمين وبات شعار "اعدم أعدم الحبال موجودة" يمثل جزء من حقيقة ما جرى في حينها.
أعضاء تنظيم الثوار الاحرار الذي خطط لتغيير النظام الملكي سرعان ما انقسموا على انفسهم، واقحموا انفسهم والبلاد في صراعات سياسية حادة.
في عام 1959 كان الصراع محتدما بين القوميين والشيوعيين الذين قدموا دعمهم الى قاسم الذي فشل في مهمته الرئيسية كثوري ناجح، يتوجب عليه ان يوحد جميع القوى التي صنعت الثورة. القوميون سرعان ما فقدوا ايمانهم بقاسم وانقلبوا عليه ومن هذه الزاوية جاءت المحاولة الانقلابية التي قدمت الجمهورية العربية المتحدة الدعم لها وقادها عدد من الضباط من لواء الموصل بقيادة الزعيم عبد الوهاب الشواف امر اللواء الخامس وذلك في 8 اذار 1959.
سرعان ما فشل العمل العسكري للشواف وكان هو اول ضحاياه غير ان الحدث تبعته سلسلة من الاحداث الدامية شهدتها مدينة الموصل راح ضحيتها العشرات من المدنيين بسبب أستباحتها من قبل الشيوعيين وانصار السلام المؤيدين لقاسم، ولكن وبعد وقت قصير شهدت مدينة كركوك احداثا مماثلة.
منحت الانقسامات السياسية الداخلية الحادة، الفرصة للمحكمة العسكرية الخاصة لان تنظر في قضايا جديدة. وقد اصبحت هذه المحكمة ورئيسها المهداوي الاداة التي بات يستخدمها قاسم لتصفية خصومه في الداخل ومنبرا لتوجيه القذع والتسفيه الموجه "للإمبرياليين وعملائهم" والرئيس جمال عبد الناصر. وهكذا انطلقت المحكمة للنظر في اكثر من قضية وجه الاتهام فيها للعشرات من المتهمين بينهم شخصيات مدنية وعسكرية معروفة ولديها حضورها السياسي وشعبيتها بين الناس.
انطلقت محاكمة المشاركين في انقلاب الشواف بتاريخ 24 اذار بمحاكمة اربعة من الضباط الطيارين وتم تنفيذ حكم الاعدام فيهم بعد اقل من اسبوع.
وفي 20 نيسان تمت محاكمة مجموعة جديدة من الضباط بلغ عدد 17 ضابطا وانتهت بسرعة بالحكم بإعدام ستة منهم. وفي 5 مايس تمت محكمة 11 ضابطا اخر تم الحكم على 6 منهم بالسجن مدى الحياة وفي 27 مايس ايضا تمت محاكمة العقيد خليل اسماعيل وثمانية ضباط اخرين وحكم على اربعة منهم بالإعدام بضمنهم العقيد خليل نفسه.
احدى ابرز القضايا التي نظرت فيها المحكمة، كانت تلك الخاصة بمحاكمة العميد ناظم الطبقجلي والعميد العقيلي القادة السابقين للفرقة العسكرية الثانية والفرقة الاولى كما حوكم معهما العقيد رفعت الحاج سري المدير السابق للاستخبارات العسكرية، وذلك عن مساهمتهما في حركة الشواف.
انطلقت المحاكمة في 12 آب وانتهت في 7 أيلول. وبينما كانت محاكمة هؤلاء الضباط الكبار وهم جميعا من مؤسسي تنظيم الضباط الاحرار جارية تم الحكم بالإعدام وتنفيذه بتاريخ 19 اب 1959 على 5 ضباط ومدني واحد بينما حكم على اخريين بالسجن لمدد مختلفة. محاكمة الطبقجلي انتهت بتاريخ 16 اب بالحكم عليه بالإعدام ومعه ثلاثة ضباط اخرين بينما حكم على العقيلي بالبراءة. بتاريخ 20 اب تم تنفيذ حكم الاعدام بالطبقجلي ومعه 12 ضابطا اخر في منطقة ام الطبول في بغداد. وبتاريخ 6 تشرين اول تم اجراء المحاكمة الغيابية بحق الشخصية السياسية فايق السامرائي. اعدام هؤلاء الضباط وقضيتهم احتلت جانبا كبيرا لدى المؤرخين وهنالك اتفاق كبير على أن ايام نظام قاسم باتت معدودة بسبب هذه القضية.
بعد محاولة اغتياله .. الزعيم راقد في المستشفى
عام 1959 كان صاخبا في الاحداث إذ شهد صدور احكام الاعدام بحق العديد من السياسيين والعسكريين، ولكن وقبل ان ينتهي العام وقعت حادثة محاولة اغتيال قاسم وهي محاولة جريئة في تخطيطها وتنفيذها وقد نجا منها قاسم بأعجوبة ولكن اثارها استمرت طويلا.
الزعيم متوجها الى مقر عمله في وزارة الدفاع
إذ في الساعة السادسة والنصف مساءً من يوم الأربعاء الموافق 7/ 10/ 1959 انهال على سيارة قاسم في منطقة رأس القرية وابل من نار الرشاشات اثناء مرورها في شارع الرشيد في طريقها من وزارة الدفاع الى حفل الاستقبال في دار البعثة الدبلوماسية لألمانيا الشرقية في الباب الشرقي، قتل السائق وأصيب عبد الكريم قاسم في كتفه الأيسر، اشترك في هذه المحاولة أياد سعيد ثابت وخالد علي الصالح واحمد طه العزوز وسليم عيسى الزيبق وعبد الحميد مرعي وسمير عزيز النجم وعبد الوهاب الغريري وصدام حسين وعبد الكريم الشيخلي وحاتم العزاوي.
محاولة اغتيال قاسم من قبل حزب البعث كانت سببا لفتح قضية اخرى توجب ان تنظر فيها المحكمة.
محكمة الشعب/ المدعي العام ـ ماجد محمد أمين ـ داخل القفص بهجت العطية
بتاريخ 26 كانون الاول من العام نفسه، انطلقت محاكمة 57 شخصا اتهموا جميعا بمحاولة اغتيال قاسم المذكورة، انتهت المرافعات بهذه القضية بتاريخ 25 شباط 1960، بصدور احكام الاعدام بحق خمسة من المتهمين والسجن بحق اعداد اخرى، ولكن وفي 31 اذار اعلن قاسم في خطاب القاه ليلا، اعلن فيه ان احكام الاعدام لن تنفذ بحق هؤلاء البعثيين، مثلما كان مقررا ان تنفذ بحقهم صباح اليوم التالي، وكانت الحكومة قد اعلنت قبل ايام من الخطبة هذه تخفيف احكام اثني عشر محكوما من اركان العهد الملكي.
لم تقتصر المحاكمات بحق القوميين والبعثيين، وكان على قاسم ان يضع حدا لنشاطات الشيوعيين خصوصا بعد ما ارتكبوه من جرائم شنيعة بحق المدنيين في الموصل وكركوك عقب حركة الشواف راح ضحيتها الكثير من المدنيين والعسكريين، تمت احالة عدد من الشيوعين الى المحكمة العسكرية وقد قضت بالإعدام على عشرة منهم وكان ذلك في بتاريخ 26 كانون اول من عام 1960 بسبب مشاركتهم في احداث الموصل. كما اصدرت المحكمة حكما بإعدام على 7 اشخاص ممن ثبت تورطهم في احداث كركوك.
محاولات كثيرة جرت من اجل القضاء على نظام قاسم إذ في 29 نيسان 1962 تم الاعلان عن اعتقال 80 ضابط شرطة وعددا من طلبة الشرطة بتهمة التآمر. ولكن وفي 25 كانون الأول انطلق طلبة الاعدادية الشرقية في اضرابهم والذي توسع بسرعة ليشمل عموم المدارس في بغداد والجامعة مما سهل بعد قليل لحزب البعث وكوادره في الجيش في تخطيط وتنفيذ عملية جريئة،
إذ في صباح يوم 8 شباط 1963 هاجمت عدة طائرات ودبابات وزارة الدفاع العراقية وسط العاصمة بغداد والتي فيها تحصن قاسم وبعد معارك ضارية استسلم قاسم واقتيد الى مبنى الاذاعة والتلفزيون التي اتخذ منا الثائرون مقرا لهم، وفيها واجه نهايته إذ قرر قادة النظام الجديد، وكان من بينهم العقيد عبد السلام عارف والذي كان قاسم قد خفف حكم الاعدام الصادر بحقه ومن بعد اطلاق سراحه، التخلص منه بسرعة..
وهكذا تم اعدامه ومعه رئيس المحكمة العسكرية العقيد المهداوي داخل مبنى الاذاعة وكان ذلك بتاريخ 9 شباط.
أتسم العهد الجمهوري الاول على الرغم من كونه استمر لبضع سنوات باتساع حجم الاعدامات مقارنة مع العهد الملكي الذي حاول قدر الامكان تجنبها. كما اتسعت اعمال الاعتقال والحجز وبالإمكان تفهم اسباب ذلك نظرا لحجم الخلاف والفجوة الكبيرة التي برزت بين الجماعات والقوى السياسية التي خططت واسهمت بإسقاط النظام الملكي، غير انها اختلفت وتصارعت فيما بينها بعد استلام الحكم وكان فعلا صراعا داميا بمعنى الكلمة امتدت اثاره لسنوات طويلة.
مصطفى البرزاني
كما شهدت هذه المرحلة اتساع حجم الاضطرابات الداخلية تمثلت بحوادث مؤلمة كتلك التي شهدتها الموصل وكركوك ومن بعد اندلاع القتال في شمال البلاد بين الحكومة والمتمردين الاكراد بقيادة الملا مصطفى البارزاني الذي كان قبل قليل قد عاد من منفاه في الاتحاد السوفيتي. اضراب البنزين وإضرابات العمال كانت احداثا نجم عنها الكثير من الاعتقالات ولكن كان قاسم يتعامل معها احيانا بالقسوة واحيانا اخرى بالرأفة لهذا كانت هنالك حالات كثيرة من قرارات العفو وتخفيف الاحكام.