عامل بمطعم للوجبات السريعة أسس شركة تدر الملايين سنوياً
-
تمكن أحد العاملين في مطعم للوجبات السريعة في لندن من التغلب على صعوبات العيش، بل ونجح في تأسيس إحدى أسرع الشركات نموا في مجال تكنولوجيا المعلومات في المملكة المتحدة.
عمل مارك فيرنس لفترة ما في مطعم للوجبات التايلندية الجاهزة جنوبي لندن. كان وقتها يعيش أياماً صعبة للغاية من الناحية المادية. كان فيرنس يدير في السابق، وبنجاح، شركة إلكترونيات شمالي إنجلترا، وهو في الأساس من مواطني مدينة ليفربول. وعندما تراجعت الشركة الأم عن منحه حصة في الشركة، قدم استقالته على الفور. ثم انتقل للعيش في لندن في عام 2004، عندما كان في الثلاثين من عمره، ليبدأ مجدداً في تكوين مستقبله المهني. وبدلاً من ذلك، سرعان ما أدرك أنه “ورقة خاسرة”، بحسب التقلبات الجارية في عالم التجارة والأعمال. كان المال الذي ادّخره فيرنس قد بدأ ينفد بسرعة، وكأن سوء الحظ يلازمه. وبدافع من اليأس من الناحية المالية، لم يكن أمامه سوى ترك خبرته في بيع أجزاء أجهزة الكمبيوتر للعمل في مطعم للأكلات التايلندية.
يقول فيرنس، وهو يبلغ الآن41 عاما: “في تلك الأيام، لم يتبقَ لدي فلس واحد من مدخراتي. كنت أعيش مع بعض الأصدقاء”. ويضيف: “كنت أكسب 150 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع. وكان إيجار سكني يبلغ أسبوعياً 120 جنيهاً إسترلينياً، والفواتير بمجموعها 25 جنيهاً إسترلينياً. كان كل ما يتبقى لدي أسبوعياً هو خمس جنيهات إسترلينية لأعيش بها”. ويتابع قائلا: “لذا، كنت أشتري علباً كبيرة من ’الكورن فلكس‘ ولترات من الحليب أتناولها في وجبات الفطور والغداء. أما وجبة العشاء فكانت أكلة تايلندية أتناولها في مطعم الأكلات الجاهزة. كانت هذه حالي لمدة سبعة أشهر”.
ولكن رغم سقوط فيرنس إلى ذلك الدرك، فهو يقول إنه ظل مؤمناً بقدرته على تأسيس شركته الناجحة في مجال تقنية المعلومات، بل كان واثقاً من قيامه بذلك في يوم ما. وهكذا، بينما كان يخدم زبائنه بتقديم الحساء والأكلات التايلندية، كان يدوّن أفكاره الخاصة بشركته التي ينوي تأسيسها. وفعلاً، تم له ما أراد بعد سنتين، إذ أسس شركة “إيسينسيس”. تقوم فكرة الشركة على إتاحة المجال للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم للاستعانة بالخبرات الخارجية من أجل تلبية كافة متطلباتها في مجال تقنية المعلومات.
واليوم، تُعتبر شركة “إيسينسيس” ثاني أكبر شركة في مجال تقنية المعلومات في المملكة المتحدة من حيث سرعة نموها وانتشارها، حسب ما أوردته مجلة “إينك” للمال والأعمال. ومن ناحية أخرى، أعلنت مجموعة “غارتنر” للأبحاث في مجال المال والأعمال، إن شركة “إيسينسيس” تثير الاهتمام. ومع أن مقر الشركة يقع في لندن، إلا أنها تتوسع حالياً لتمارس أعمالها في الولايات المتحدة الأمريكية. ويشغل فيرنس منصب المدير التنفيذي للشركة، وكان قد انتقل من العيش في غرفة بإحدى أحياء جنوبي لندن ليعيش في شقة كاملة في حي مانهاتن بمدينة نيويورك. ليس ذلك بالأمر السيء بالنسبة لرجل ترك المدرسة في سن 16 ربيعاً. ويعترف فيرنس صراحة أنه لا يعرف “حتى ذرة واحدة” من كيفية كتابة برامج وتطبيقات الكمبيوتر، أو بناء شبكة لربط بضعة أجهزة كمبيوتر ببعضها البعض.
ترعرع فيرنس في حي “هايتن” العمالي بمدينة ليفربول، ويقول إن والده كان مجبراً على العمل في وظيفتين لتغطية نفقات العيش، بينما كانت أمه تعمل في صالون لتصفيف الشعر. ويقول فيرنس: “لم يكن لدينا الكثير من المال، ولكنك لم تكن لتلحظ قلة المواد. لذا كانت نشأتنا على ما يرام، مثل حال أكثر الصبية. كنا نعيش بمرح”. لم يكن فيرنس متأكداً مما يخطط لحياته القادمة. وتدخّل القدر في يوم من أيام السبت ليحدد مصيره بشكل غير اعتيادي. كان يومها يعزف على مجموعة من الطبول في متجر لبيع الآلات الموسيقية في ليفربول. لم يكن الأمر إلا محض صدفة عندما مرّ بالقرب منه مدير أحد الفرق الموسيقية المحترفة، والذي أُعجب بما سمعه من عزف فيرنس. وهكذا، عُرض على فيرنس أن يكون عازفاً للطبول في فرقة عازفين شباب بإسم “جوفينايل جاز” في إحدى الملاهي، وهو لا يزال ابن 16 عاما.
وكانت الفرقة تعزف في مناسبات تقيمها الشركات بطول المملكة المتحدة وعرضها، إضافة إلى أوروبا. قبِل فيرنس العرض، علماً أن بقية أعضاء الفرقة كانوا في أوائل العشرينيات من أعمارهم. كانت أول حفلة شارك في إحيائها مع الفرقة قد أقيمت في لندن، وقد شمل ذلك الإقامة لليلة واحدة في فندق شهير في لندن. يقول فيرنس: “لم أمكث في فندق من قبل، على الإطلاق. وفجأة وجدت نفسي مقيماً في فندف ’كلاريدجيس‘. كانت إحدى لحظات الحياة التي أدركت فيها أنه توجد فرص سانحة”. ويضيف أنه بعد قضاء سنة مع الفرقة الموسيقية جرى فصله من عمله. وقيل له إن السبب يعود لكونه “غير موهوب بما فيه الكفاية”.
وقضى بعد ذلك سنة في السفر والترحال، بما في ذلك قضاء بعض الوقت في أستراليا لبيع اشتراكات خاصة ببعض شبكات التلفزيون. كان عليه أن يدق أبواب الزبائن ليحاول إقناعهم بالاشتراك. ويقول إنه وجد الأمر “سهلاً للغاية”، مضيفاً: “كنت بائعاً بالفطرة. أحببت التحدث مع الناس.”وشهدت تلك الفترة أيضاً بداية مهنته في مجال تقنية المعلومات.
بعد عودته إلى المملكة المتحدة، عمل فيرنس لصالح عدة شركات في مجال التكنولوجيا قبل أن ينتهي به المطاف إلى المطعم التايلندي في جنوبي لندن. لم يكن لدى فيرنس المال الكافي للبدء في تأسيس شركة في مجال تقنية المعلومات. وبدون ذلك، فقد أدرك حاجته إلى عمل براتب أفضل لكي يدّخر بعض الموارد المالية. وبمساعدة أخيه، الذي اشترى له بدلة جديدة يلبسها لمقابلة عمل، حصل فيرنس على وظيفة في قسم المبيعات لشركة متخصصة في شبكات الكمبيوتر.
وبعد سنتين، تبلورت فكرته في إنشاء شركة في مجال تقنية المعلومات للاستعانة بالخبرات الخارجية. كما أقنع اثنين من زملائه في العمل ليتركا وظيفتهما ويؤسسوا سوية شركة “إيسنسيس” في عام 2006. استثمر كل منهم مبلغ ستة آلاف جنيه إسترليني. أما زميلا فيرنس، وهما المؤسسان المشاركان برين سادلر و باري كلارك، فقد كانا يمتلكان مهارات في الكومبيوتر، ليتوازن ذلك مع مواهبه في البيع والريادة. كان أول زبون لهم هو مالك شركة “سينتر بوينت” الشهيرة، والواقعة في النهاية الشرقية لشارع أوكسفورد ستريت.
تتعامل شركة “إيسنسيس” الآن مع متطلبات تقنية المعلومات العائدة لستة آلاف شركة في المملكة المتحدة، و250 في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تجاوزت العائدات السنوية للشركة التي أسسها فيرنس 12 مليون جنيه إسترليني، بعد أن شهدت الشركة نموا سنويا بمعدل خمسة أضعاف في كل عام. وتوظِّف الشركة الآن أكثر من 90 شخصاً. يقول أدريان مارس، الصحفي والخبير الاستشاري في مجال تقنية المعلومات، إن ما يثير الإعجاب هو النمو الذي تشهده شركة “إيسينسيس” بالرغم من عدم وجود أي مستثمر خارجي. ويقول مارس إن نمو الشركة بأكمله كان أصليا، وهذا أمر رائع. أعتقد أن الفضل في نجاح الشركة يعود إلى سهولة استخدام منظوماتها، فهي قد ركزت حقاً على ذلك”.
يقول فيرنس إن هدفه هو أن تصبح “إيسينسيس” شركة ذات رأسمال بملايين الدولارات. ويضيف أنه تغلب في السنوات الأخيرة على مسألة عدم الاستقرار والأمان الذي كان يراوده. ويقول: “كنت قلقاً على الدوام خشية لأنني أسستها بدون خبرة لي في ذلك المجال. كنت لا أزال قلقاً حتى قبل عامين. أما الآن فأنا سعيد بما حققته، فالشركة تساعدنا على الابتكار