كيف ردَّ الشيعة غزو المغول
الكتاب: كيف ردَّ الشيعة غزو المغول.
المؤلّف: علي الگوراني العاملي.
الناشر: دار الهدى ـ قمّ المقدّسة.
الطبعة: الثانية ـ سنة 1431 هـ / 1210 م.
أسفٌ بالغ
إذ لم يُكتب التاريخ بأيدٍ أمينة، ولا بدوافع نزيهة، فقد كان وراءَ الأقلام نوازع تميل مرّةً إلى مدح الظالمين والغاصبين، ومرّةً أخرى تميل على المظلومين والمغصوبين. وكم نُقِعَت تلك الأقلام بسموم محابر السلاطين الذين سخّروا الضمائر الخؤونة لتزوير الحقائق أو كتمها، وتحريف الوقائع أو تشويهها، حتّى ضلّت أجيال لم تعرف تاريخها الصحيح ولا عقيدتها السليمة، فتاهت مع كتب السيرة والحوادث، وتخبّطت في المتناقضات، ووافقت الظُّلامات التي وقعت على أهل بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ على مُواليهم ومُحبّيهم، ورجالاتهم وعلمائهم بما حملت تلك الظلامات مِن تُهمٍ وانتقاصات، وسبابٍ وشتائم وافتراءات، كانت إحداها قصّة تهدئة المغول وترويضهم وأسلمتهم مِن قِبل علماء الشيعة، فدُفع شرُّهم ابتداءً، وجُنيَ خيرهم انتهاءً، لكنّ ذلك لم يَرُق للبعض لأن التوفيق جرى على يد غيرهم، فلم يكتفوا بأن لم يشكروا لهم تلك المواقف الحكيمة، والخطوات الإنسانيّة الرحيمة، أو يفتخروا بها، بل استلّوا أقلام الحقد وألسنة البغض ليتّهموا ويُوهّنوا ويُجرّحوا.
وهذا الكتاب الذي بين يديك في التعريف بذلك ـ إخوتَنا الأعزة ـ مشروعٌ علميّ يكشف الحقائق المهمّة، ويدافع عن الحقّ المظلوم، ويعرض الوقائع مقرونةً بالشواهد القاطعة، والأدلّة المُبرهِنة الساطعة.
وهذه مقدّمته
لقد اجتاحت جيوش المغول أكثر البلاد الإسلامية، وعاثوا فيها تقتيلاً وإفساداً، وحكَمَ منهم واحدٌ وعشرون ملكاً لأكثر من قرنٍ ونصف. يقول ابن خلدون في ( تاريخه 726:7 ): فانتظمت ممالك الإسلام في أيدي وُلد جنگيزخان من المُغُل ثمّ الطَّطَر، ولم يخرج عن مُلكهم منها إلاّ المغرب والأندلس ومصر والحجاز، وأصبحوا وكأنّهم في تلك الممالك خَلَف من السلجوقيّة والغُزّ.
كان جيشهم مئات الألوف، سكنوا في بلاد المسلمين وتكاثروا، ولم يرجع منهم إلى موطنهم الأصلي ( بَرّ الصين ) إلاّ القليل، فما هو السبب الذي جعلهم يذوبون في بحر الأمّة حتّى أصبحنا لا نعرف أبناءهم وذراريهم إلاّ بصعوبة ؟!
لقد اعترفوا بأنّ تلك كانت ظاهرةً فريدة انخرمت بها قاعدة علماء الاجتماع في أنّ الأمّة الغالبة هي التي تفرض ثقافتها على الأمّة المغلوبة، ففي الغزو المغولي فرضت الأمّة المغلوبة ثقافتها على المغول، فأسلموا، فما هو السبب يا تُرى ؟!
السبب هو جهود مرجِعَينِ من كبار علماء الشيعة، هما: محمّد بن محمّد بن الحسن المعروف بـ « خواجة نصير الدين الطوسي » قدّس سرّه، ويوسف بن المطهَّر المعروف بـ « العلاّمة الحلّي » قُدّس سرّه، فقد واجه هذا المرجعان الحكيمان المدَّ المغولي بحكمةٍ وعُمق، وعَمِلا خطّةً كانت موفّقةً حقّقت إنجازاتٍ عظيمة؛ حيث:
1. ركّزا عملهما على قادة المغول ابتداءً من طاغيتهم الأكبر هولاكو إلى أبنائه وأحفاده ووزرائهم، وأجادا معهم العلاقة والأسلوب، فأثمرت جهودهما بسرعةٍ نسبية، فأسلم على يديهما وأيدي تلاميذهما أبناءُ هولاكو وكبار قادة جيشهم، وتغيّرت نظرة المغول وشعورهم تجاه الإسلام وأمّته، وبعضهم حَسُن إسلامه، وكان أوّلهم إسلاماً أحمد بن هولاكو وإن كان هولاكو قد أسلم شكليّاً.
2. أقنع المرجعانِ المغولَ أن لا يحكموا بلاد المسلمين مباشرة، بل أن ينصبوا حكّاماً أكفّاء من أهلها أو غيرهم ويُطلقوا أيديهم، أمّا هم فلا يتدخّلوا في الأمور الداخلية للبلاد.
3. أقنعا المغول بتبنّي: سياسة الحريّة المذهبيّة، وسياسة الإعمار.. فكان ذلك هو برنامج الحكّام المنصوبين مِن قِبل المغول، حتّى ظهرت ثماره خاصّةً في العراق، فشهد المؤرّخون بأنّ نهضةً ثقافيّة وإعماريّة قامت أفضلَ ممّا كانت عليه في عهد الحكومة العبّاسيّة.
4. اهتمّ المرجعان بالبحث عن الكفاءات العلميّة والإداريّة والسياسيّة، في طول البلاد وعرضها، فقاما بجذب تلك الكفاءات ورعايتها، وإطلاق يدها في العمل والإبداع.
ونيتجة لذلك ظهر في مرصد مَراغة وجامعتها، وجامعات المستنصريّة والنظاميّة، والحلّة وغيرها من حواضر العلم، عشرات الأطبّاء والمهندسين والفلكيّين، والعلماء من كلّ علم، فأَثْرَوا بعملهم ومؤلّفاتهم حياةَ الأمّة. وكان عمل هذين المرجعين وتلاميذهما عملاً واسعاً شمل المناطق التي احتلّها المغول، وهي أغلب العالم الإسلامي. وكذلك كان عملاً متنوّعاً، فيه البُعد: العلمي، والاجتماعي، والسياسي، والإداري. وكان عملاً عميقاً أيضاً، في: اختيار الطاقات، ووضع الخطط، وإقناع القادة بها، وتوعية الناس عليها.
وكان الجزء الأصعب في تلك الأعمال عطفَ أذهان ملوك المغول وقلوبهم من الوثنيّة إلى الإسلام، وتبديلَ تعطّشهم للدماء والتدمير والسيطرة إلى حبّ الهدوء والتقوى وخدمة الناس. وذلك أمرٌ لم يتمكّن منه إلاّ المرجع النابغة الشيخ نصير الدين الطوسي وتلميذه العلاّمة الحلّي رضوان الله عليهما، بما آتاهما الله تعالى من شخصيّةٍ جذّابة حتّى لأعدائهما!
( ويختتم المؤلّف مقدّمته هذه بالقول: ) وسيرى القارئ أنّ الشيعة كانوا قارب النجاة للأمّة من سوء أفعال الحكّام وجهازهم، وأنّ اتّهامهم بأنّ لهم يداً في غزو المغول هو من أكاذيب خصومهم. كذلك سيرى القارئ أنّ نصير الدين الطوسي والعلاّمة الحلّي قد قاما بِدَور المُنقذَينِ للإسلام والمسلمين من شر المغول، فاستطاعا تحويل بعض قادة المغول من وحوشٍ مدمّرين مُخرِّبين إلى مسلمين يتبنَّون سياسة الحريّة المذهبية والحرية العامة، وسياسة الإعمار، وتشجيع العلم والعلماء. وقد حقّق الحكم المغولي بتبنّيه مذهبَ التشيّع في مدّةٍ قصيرة ما عجز عنه حكم السلطة المترفة المتعصّبة في قرون طويلة!
إلى الكتاب
في فصوله العشرة:
الفصل الأوّل ـ خلاصة معرِّفة بالمغول: مَن هم.
الفصل الثاني ـ غزو المغول لبغداد قبل سقوطها بنصف قرن.
الثالث ـ سقوط بغداد بيد المغول.
الرابع ـ منصفون سُنّة دافعوا عن الشيعة.
الخامس ـ سياسة علماء السنّة والشيعة مع المغول.
السادس ـ المرجع الديني العبقري يغيّر معادلة الغزو المغولي.
السابع ـ خطّة نصير الدين الطوسي لردّ غزو المغول.
الثامن ـ العلاّمة الحلّي يواصل جهود المحقّق الطوسي.
التاسع ـ السلطان المغولي بوسعيد بن محمّد خدابنده.
العاشر ـ خلاصة الأحداث الكبرى بعد انهيار المارد المغولي: ـ
1. أضواء على أهمّ الأحداث في قرنَين بعد حكم المغول.
2. نشوء الدولة الشيعيّة الفارسيّة في إيران ومحيطها.
3. نشوء الدولة العثمانيّة المغوليّة في تركيا ومحيطها.
4. التعصّب المذهبي ودوره في صناعة التاريخ.
إلفات
على الصفحة الخلفية لغلاف الكتاب، وتحت عنوان: هذا الكتاب، جاءت هاتان الفقرتان وكأنّهما خلاصة مكثّفة ونتيجة حاكمة وعصارة نافعة.
هذا الكتاب دراسة تُثبت أنّ فساد جهاز الحكومة ورجال الدولة ( يومذاك ) كان السببَ وراء طمع المغول وحملتهم الوحشية على بلاد المسلمين، وتخريبها وإسقاط نظامها، فهيّأ الله تعالى للأمّة مرجعَينِ عبقريَّين هما: نصير الدين الطوسي والعلاّمة الحلّي قدّس الله روحَيهما، فاستطاعا أن يُروِّضا الطغاة شاربي الدماء، هولاكو وأولادَه، فيجعلا منهم مسلمين، وقد حَسُن إسلام بعضهم، ويجعلا مِن حُكم سلاطينهم نموذجاً في الحريّة المذهبية، وفي الإعمار وتطوير العلوم.
وقد شمل هذا الكتاب دراسة التطوّرات بعد انهيار حكم المغول وامتداد الموجة التي أحدثها نصير الدين والعلاّمة، وتأثيراتها على الدولة الصفويّة، وتَشكُّل الدولة العثمانية في مقابلها