تفسير العسكري (عليه السلام) ، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة؟
فقال علي (عليه السلام): أنا هو- يا رسول الله- وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري.[1216]
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حدث بالقصة إخوانك المؤمنين ، ولا تكشف عن اسم المنافقين الكائدين لنا ، فقد كفاكم الله شرهم ، وأخرهم للتوبة ، لعلهم يتذكرون أو يخشون.
فقال علي (عليه السلام): بينا أنا أسير في بني فلان بظاهر المدينة ، وبين يدي- بعيدا مني- ثابت بن قيس ، إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر ، وهناك رجل[1217] من المنافقين فدفعه ليرميه[1218] في البئر ، فتماسك ثابت ، ثم عاد فدفعه ، والرجل لا يشعر بي حتى وصلت إليه ، وقد اندفع ثابت في البئر ، فكرهت أن اشتغل بطلب المنافق خوفا على ثابت ، فوقعت في البئر لعلي آخذه ، فنظرت فإذا أنا قد سبقته إلى قرار البئر.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وكيف لا تسبقه وأنت أرزن[1219] منه؟! ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الأولين والآخرين ، أودعه الله رسوله [و أودعك] ، لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شيء ، فكيف كان
حالك وحال ثابت؟
قال(عليه السلام): يا رسول الله ، صرت إلى البئر ، واستقررت قائما ، وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي كنت أخطوها رويدا رويدا ، ثم جاء ثابت ، فانحدر فوقع على يدي ، وقد بسطتهما إليه ، وخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره ، فما كان إلا كطاقة[1220] ريحان تناولتها بيدي.
ثم نظرت ، فإذا ذلك المنافق ومعه آخران على شفير[1221] البئر ، وهو يقول لهما: أردنا واحدا فصار اثنين! فجاءوا بصخرة فيها مائة[1222] من [1223]فأرسلوها [علينا] ، فخشيت أن تصيب ثابتا ، فاحتضنته وجعلت رأسه إلى صدري ، وانحنيت عليه ، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي ، فما كانت إلا كترويحة بمروحة[1224] ، تروحت بها في حمارة القيظ[1225] ، ثم جاءوا بصخرة أخرى ، فيها قدر ثلاثمائة من ، فأرسلوها علينا ، وانحنيت على ثابت ، فأصابت مؤخر رأسي ، فكانت كماء صب على رأسي وبدني في يوم شديد الحر ، ثم جاءوا بصخرة ثالثة ، فيها قدر خمسمائة من ، يديرونها على الأرض ، لا يمكنهم أن يقلوها ، فأرسلوها علينا ، فانحنيت على ثابت ، فأصابت مؤخر رأسي وظهري ، فكانت كثوب ناعم صببته[1226] على بدني ولبسته. فتنعمت به.
فسمعتهم يقولون: لو أن لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ، ما نجت منها واحدة من بلاء هذه الصخور ثم انصرفوا ، فدفع الله عنا شرهم ، فأذن الله عز وجل لشفير البئر فانحط ، ولقرار البئر فارتفع ، فاستوى القرار والشفير بعد بالأرض ، فخطونا وخرجنا.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا أبا الحسن ، إن الله عز وجل أوجب لك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره ، ينادي مناد يوم القيامة: أين محبو علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم من الصالحين ، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة ، فأدخلوهم الجنة ، وأقل رجل منهم ينجوبشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل.
ثم ينادي مناد ، أين البقية من محبي علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم مقتصدون فيقال لهم: تمنوا على الله تعالى ما شئتم ، فيتمنون ، فيفعل لكل واحد منهم ما تمناه ، ثم يضعف له مائة ألف ضعف.
ثم ينادي مناد: أين البقية من محبي علي بن أبي طالب؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم ، معتدون عليها ، ويقال: أين المبغضون لعلي بن أبي طالب؟ فيؤتى بهم جم غفيروعدد كثير ، فيقال: ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليدخلوا الجنة؟ فينجي الله عز وجل محبيك ، ويجعل أعداءهم فداءهم.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا الفضل الأكرم ، محبه محب الله ومحب رسوله ، ومبغضه مبغض الله ومبغض رسوله ، هم خيار خلق الله من أمة محمد.
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): انظر فنظر إلى عبد الله بن أبيوإلى سبعة من اليهود ، فقال: قد شاهدت ، ختم الله على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت- يا علي- أفضل شهداء الله في الأرض بعد محمد رسول الله.
قال: فذلك قوله: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها ، ويبصرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ويبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب (عليه السلام).
منقول من كتاب تفسير البرهان