بعد سلسلة من الروايات التي أصدرها ولاقت رواجاً واسعاً لدى القراء العرب، أطلق الروائي المصري أحمد مراد روايته الجديدة تحت عنوان أرض الإله. وما إن صدرت رواية أرض الإله حتى انقسم القرّاء إلى قسمين أساسين، منهم من أبدى إعجابه الشديد بها وبأسلوب مراد المميز ومنهم من أبدى استياءه منها متهماً الكاتب بالتقليد والجهل بالكثير من الحقائق التاريخية.
قبل أن نبدأ الحديث عن أبرز وجهات النظر حول هذه الرواية لا بد أن نقول إن الكاتب أحمد مراد استطاع في الآونة الأخيرة الوصول لأعداد كبيرة من القرّاء عن طريق أطروحاته المميزة التي قد تتفق أو تختلف معها. فرواية “فيرتيجو” أول رواية صدرت له عام 2007 كانت لها أصداء واسعة ليس على الصعيد العربي فحسب بل العالمي أيضاً، إذ ترجمت للغة الإنكليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة. كما حصلت الرواية على جائزة البحر المتوسط للثقافة لعام 2013 في إيطاليا.
لم يقتصر الأمر على أول رواياته فحسب، بل اتسع ليشمل البقيّة، إذ أن رواية الفيل الأزرق نالت المركز الأول كأكثر الكتب مبيعاً في معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2013. أما الرواية التي هي سبب هذا المقال فهي أرض الإله، وقصتها كانت كالتالي :-
تدور أحداث الرواية عن مغامرة لكاهن ايجبتي يُدعى “كاي” يقوم بترجمة نصوص برديات قديمة تحكي قصة النبي موسى بدون التحريفات التي قام بها اليهود وقاموا بإدخالها لقصته.
مهمة كاي في الرواية كانت ترجمة هذه البرديات من أجل السماح للآخرين بالاطلاع على القصة الحقيقيّة للنبي موسى.
تبدأ مغامرة هذا الكاهن عند اغتيال معلّمه “الكاهن الأعظم” على يد “مردخاي” رئيس القصر اليهودي والذي حاول فيما بعد اغتيال كاي نفسه، وتدور أحداث الرواية عن الملاحقات بينهم.
الرواية مزيج من المعلومات والأحداث التاريخيّة والدينيّة المقوّلبة في سياق روائي مميّز مع قليل من البهارات العاطفيّة والرومانسيّة لزيادة التشويق. بالرغم من الانتقادات التي طالتها هذه الجزئيات إلا أن الرواية لاقت الكثير من المدح والثناء. دعنا لا نطيل كثيراً ونبدأ بذكر أهم ما تم مدح به رواية أرض الإله لصاحبها أحمد مراد.
الجرأة في الكتابة
كما ذكرت في البداية، سواءً اتفقت أو اختلفت مع الكاتب، فإن الرواية من الناحية الروائيّة كانت مميزة وممتعة وهذا ما قد يكون جذب القرّاء اليها.
ومما بدى واضحاً في الآونة الأخيرة أن أحمد مراد من الكتّاب الجريئين لحدٍ ما، فهو لا يخشى أبداً أن يخوض في المواضيع المعقدة والشائكة بالرغم من كل الانتقادات التي قد توجّه ضده.
فغالباً الموضوعات التاريخيّة المصبوغة بطابع ديني تلقى العديد من الردود العنيفة قد تصل إلى المنع والحظر في كثير من الدول. لكن هذا لم يشكل عائقاً في طريق أحمد مراد بل دفعه لكتابة المزيد مثبتاً ما تناقله عنه الجميع ومدحوه به بأنه كاتب جريء، ولعل جرأته كانت بارزة في رواية أرض الإله بشكل واضح.
الأسلوب يتطوّر باستمرار
بالرغم من وجود بعض الكتّاب بمستوى نجاح أحمد مراد إلا أن ما يميزه فعلاً هو أنه يطوّر من نفسه باستمرار. هكذا وصفه معجبوه، فهو ينتقل ما بين الآداب المختلفة ابتداءً من الأدب السينمائي الذي انتهجه في رواية فيرتيجو وصولاً إلى النواحي التاريخية التي انتهجها في رواية 1919 و رواية أرض الإله.
كما أن التطوير المتواصل لأسلوبه وصقل المهارات المستمر وسّع من دائرة القراء المهتمين بجميع أعمال أحمد مراد والتي اتخذت طابعاً تشويقيّاً عالياً كان كافياً لوحده بجذبهم نحو جميع مؤلفاته.
الطبيعة السينمائيّة
لا شك أن الطبيعة السينمائيّة المميزة لأحمد مراد وسّعت بشكل كبير من آفاق مخيلته، كما أضفت على روايته طابعاً وصفيّاً سرديّاً يتخلله الكثير من الجذب والتشويق السينمائي.
إذ أن تخرّجه من المعهد العالي للسينما بالمركز الأول وحصوله على جوائز لأفلامه القصيرة في إنجلترا وفرنسا ساهم في قولبة رواية أرض الإله في إطار سينمائي مميز لحقبة تاريخيّة دينيّة غابرة.
ربما مراد يشبه مستغانمي !!
قد يتشارك الكاتب أحمد مراد مع الكاتبة الجزائريّة أحلام مستغانمي في أنهم يسلطان الضوء في كتاباتهم على المواضيع الحساسة أو التي تثير بعض الأطراف الأخرى.
فأحلام اهتمت بقضايا المرأة وتهاجم الرجل باستمرار، أما مراد في رواية أرض الإله قام بتسليط الضوء على بعض السجلات التاريخيّة المرتبطة بالأديان وبعض الحقائق ومقارنتها مع نصوص الكتب السماويّة ومحاولة تفسيرها في إطارات مختلفة.
معظم من ينتقدوه لم يقرأوا رواياته !! .. هكذا صاح أحد المعجبين بأسلوب أحمد مراد، فمعظم من ينتقدوه لم يقرأوا له شيئاً، مجرد تناقل لوجهات النظر فيما يكتبه دون أن يقرأوها أو يفهموها.
إذاً… أحمد مراد كاتب جريء لا يخشَ أن يخوض في المواضيع الحساسة من التاريخ ويسلط الضوء عليها، كما أنه من الكتاب المطوّرين لأنفسهم باستمرار وهذا ما جذب القراء إلى رواياته. ولا شك أن طبيعته السينمائيّة ساهمت بشكل واضح في إضفاء طابع سينمائي مشوّق على رواية أرض الإله والتي بالرغم من كل هذا تم الحكم عليها من قبل الكثير من المنتقدين بدون حتى أن يقرأوها أو يقرأوا ما كَتب قبلها.
كانت هذه النقاط أبرز ما تم مدح أحمد مراد فيه ولروايته الأخيرة، أما عن النقود التي واجهها فقد كانت كالتالي.
التشويق هدف وليس وسيلة !
يرى البعض أن أحمد مراد اتخذ من التشويق هدفاً في روايته ولم يكن مجرّد وسيلة فقط. إذ أنه خطّ كلمات أرض الإله لهدف واحد أساسي وصريح وهو التشويق وإثارة القارئ فقط دون وجود هدف آخر واضح للرواية.
ولعلَ أبرز ما استندوا عليه هو شخصية “ناديا” وحبها للكاهن “كاي” وما هي الحاجة لوجود هذه الشخصية في هذه الرواية التاريخيّة الغامضة !!
قد يكون الأسلوب مميز، لكن اتخاذ التشويق كهدف وليس وسيلة للوصول إلى الهدف أضعف الرواية كثيراً من وجهة نظري. هكذا قال أحد منتقدي الرواية
الحضارة الفرعونيّة لا تحتاج دفاع
وجدَ بعض المعارضين لأرض الإله أن الحضارة الفرعونيّة لا تحتاج للدفاع أو للتجميل الذي قام به أحمد مراد، وأنه لا داعِ لإضفاء صبغة دينيّة توحيديّة تجميليّة وربطها بالأنبياء من أجل تجميل صورتها أمام الجميع.
وقيلَ أيضاً أن أحمد مراد اعتمد في روايته على معلومات تاريخيّة غير معتمدة، بالإضافة لنظريات مشوّهة ومشكوك في أمرها ثم قام بجمعها فيما يقارب 400 صفحة مضيفاً إليها أسلوباً اتخذ من التشويق هدفاً له وليس وسيلة، ثم أطلق على كل ما سبق اسم رواية أرض الإله !
ولعلَ من أبرز تلك النظريّات التاريخيّة هي ما يتحدث عنه أن النبي يوسف هو نفسه الملك الفرعوني الملقب بـ “أمنحوتب العظيم” كما أن حقيقة فرعون موسى واجهت العديد من البلابل أيضاً، فوفقاً لما جاء به مراد فإن فرعون لم يكن ملكاً فرعونياً إطلاقاً، بل كان مجرّد ملك هكسوسي بدوي تم هزيمته من قبل الملك أحمس !
أرض الإله غير حقيقيّة !
رأى البعض أن الرواية كانت خالية من الانفعالات وبعض المكونات الحقيقية، فشخصية الراهب الضعيف والعاشق “كاي” انتصرت في جميع معاركها الجسديّة بأعجوبة غريبة، فقد نجا من طعنة مردخاي ومن نهشات كلب آرام له ونجا من العديد من المطاردات في اللحظات الأخيرة والتي كان من المفترض أن توقع به !!
وبالتالي فإن خلو الرواية من بعض الانفعالات الحقيقية جعل رواية أرض الإله شبه بعيدة عن المخيلة الواقعيّة للمتلقي.
الأسلوب هجين
مقارنةً مع بعض الكتاب الذين يكتبون في هذا المجال “التاريخي الديني” كانت معظم الروايات إما تركّز بشكل تام على الجانب التاريخي وتتخذه هدفاً أساسياً في الرواية مع ابداء القليل من التشويق. أو كما تفعل الروايات الأخرى التي تتخذ من التشويق الهدف الأول فتظهره بأسلوب قوي جداً مضيفةً إليه بعض الالغاز التاريخيّة لإثارة الغموض.
لكن مراد حسب رأي منتقديه قد فشل في الأمرين، فلم يكن موضوعه التاريخي مهماً وجادّاً فلم يصل لمرتبة أن يجعله الهدف الأساسي للرواية، كما أنه لم يستطيع الوصول للدرجة العليا من التشويق التي بلغها من كتبَ في هذا المجال أيضاً.
فكانت رواية أرض الإله مزيج هجين من الموضوع التاريخي غير المهم والمحوري في الرواية، إضافةً لجرعة متوسطة من التشويق لم ترقى لنظيراتها من روايات دان بروان على سبيل المثال.
ولم تقتصر النقود والمعارضات على هذا وحسب فهناك العديد من القرّاء قاموا باتهامه بسرقة المحتوى من روايات أخرى والتقليد والكثير الكثير مما شكك في الرواية، ومن ناحية أخرى فهناك الكثير الكثير أيضاً ممن مدح في الرواية وأبدى إعجابه بها وبأسلوب صاحبها المميز.
قد تكره أسلوب أحمد مراد أو تحبه، لكن من المؤكّد أن الجميع ينتظر رواياته الجديدة، لقراءتها إن كنت محباً له أو لنقدها وإظهار عيوبها إن كنت من أحد معارضيه.
كانت هذه النقاط أبرز ما تم الحديث عن رواية أرض الإله لأحمد مراد في الفترة الأخيرة سواءً بالسلب أو الايجاب.
المصادر
1،
2،
3،
4