18th July 2012
اكتشاف مذهل لهرمون يحرق الدهونيفرزه الجسم عند ممارسة التمارين الرياضية
كمبريدج _ ولاية ماساتشوستس الأميركية
بماذا تفكر عندما تقوم بالركض في يوم جميل؟ ربما تفكر في الشمس أو في النسيم العليل أو حتى بالإحساس الرائع الذي ستشعر به لو خسرت بعض الدهون المتراكمة في بعض المناطق الصلبة من جسدك، ولكن آخر شيء ربما تفكر فيه وأنت تسرع الخطى، هو ما يحدث في كيمياء جسدك.
كيمياء الجسد
* تتغير الكيمياء الداخلية في جسدك عند ممارسة التمارين الرياضة بصورة بدأنا الآن فقط في استيعابها. فخلال العشرين عاما الماضية، قام العلماء بالتعرف على الجزيئات الطبيعية الموجودة داخل أجسادنا التي تؤثر على شهيتنا وعلى عملية التمثيل الغذائي التي تحدث بداخلنا، وبالتالي على وزن أجسامنا. أما الآن، فقد تمكن
باحثو كلية الطب بجامعة هارفارد وغيرها من الهيئات البحثية من اكتشاف الجزيئات التي لا تؤثر فقط على وزن أجسامنا، وإنما تتسبب أيضا في حدوث بعض الآثار الصحية الإيجابية الناتجة عن ممارسة التمارين الرياضية.
يقول الدكتور أنتوني كوماروف، الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد: «عند ممارسة التمارين الرياضية، تحتاج خلايانا العضلية إلى مصدر يمدها بالطاقة، لذا تحصل العضلات على هذه الطاقة عن طريق حرق الدهون والسكر اللذين يقوم الدم بنقلهما إلى العضلات، وهذا أمر معروف منذ قرن من الزمان تقريبا. ولكن هذه ليست القصة كاملة».
هرمون «حارق»
* وفي شهر يناير (كانون الثاني) عام 2012، قام فريق بحثي بقيادة الدكتور بروس سبيغلمان، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، بنشر دراسة جديدة في مجلة «نيتشر». وأظهرت هذه الدراسة، التي تم إجراؤها على الفئران ولكنها ربما تنسحب على البشر أيضا، أن ممارسة التمارين الرياضية تؤدي إلى قيام العضلات بإفراز هرمون يدعى «آيريسن» Irisin)).
يقول كوماروف: «ينتقل هرمون آيريسن في الجسم عن طريق الدم ويقوم بتغيير الخلايا الدهنية، وعادة يقوم الجسم بتخزين الدهون داخل الخلايا الدهنية التي يطلق على معظمها اسم (الخلايا الدهنية البيضاء) (white fat cells)، وتتمثل وظيفتها في تخزين الدهون».
الدهون البيضاء والبنية
* لماذا تقوم أجسامنا بتخزين الدهون؟ عند تناول كمية كبيرة من السعرات الحرارية أكبر مما نقوم بحرقة عن طريق ممارسة التمارين الرياضية، يجب أن تذهب هذه السعرات الحرارية الزائدة إلى مكان ما، لذا يقوم الجسم بتخزينها بصورة جزئية على شكل دهون. لم يستطع أجدادنا القدماء تناول الطعام بصورة مستمرة كما نفعل نحن الآن، فمنذ أربعين ألف سنة كان أسلافنا في سيرنغيتي (تنزانيا) قادرين على الحصول على وجبات طعام لمرات قليلة فقط في الأسبوع. وما بين هذه الوجبات، احتاج أسلافنا إلى مصدر ما يقوم بإمداد أجسادهم بالطاقة التي جاء جزء كبير منها عن طريق الدهون التي يتم تخزينها بعد تناول الوجبات الغذائية.
وفي عام 2009، أظهرت الدراسات التي قامت بها كلية الطب بجامعة هارفارد وغيرها من المؤسسات البحثية أن الجسم البشري لا يحتوي فقط على الخلايا الدهنية البيضاء، وإنما أيضا على الخلايا الدهنية البنية (brown fat cells)، حيث يؤكد كوماروف: «لا تقوم الخلايا الدهنية البنية بتخزين الدهون، وإنما تقوم بحرق الدهون. فإذا كنت تهدف إلى خسارة بعض الوزن، فينبغي لك زيادة عدد الخلايا الدهنية البنية وتقليل عدد الخلايا الدهنية البيضاء داخل جسدك».
يقوم هرمون «آيريسن» بهذه المهمة، في الفئران على الأقل، حيث تستمر هذه «الخلايا الدهنية البنية» المكونة حديثا في حرق السعرات الحرارية حتى بعد الانتهاء من ممارسة التمارين الرياضية.
الآثار الأخرى لهرمون «آيريسن»
* لقد تأكدنا منذ وقت طويل أن القيام ببرنامج منتظم من التمارين الرياضية المعتدلة يحمينا من الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، فعلى سبيل المثال، يؤدي برنامج دائم يشتمل على ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة بصورة منتظمة إلى خفض خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني بنسبة تقارب 60 في المائة مقارنة بأي علاج آخر تم اختراعه حتى الآن.
كيف يحدث ذلك؟ قد يكون هرمون «آيريسن» جزءا مهما من الإجابة عن هذا السؤال، فبالإضافة إلى تأثيره المتمثل في عمل الخلايا الدهنية البنية، يساعد الهرمون أيضا على منع أو التغلب على مقاومة الأنسولين، الذي يؤدي إلى الإصابة بداء السكري من النوع الثاني.
وعلى الرغم من أن الدكتور سبيغلمان قد أجرى دراسته على الفئران، فإنه تمكن من اكتشاف وجود هرمون «آيريسن» في البشر أيضا، ومن المرجح للغاية أن
ينسحب التأثير نفسه الهائل لهرمون «آيريسن» على البشر أيضا، على الرغم من أن هذا الأمر لم يتم إثباته علميا بعد.
يقول الدكتور كوماروف: «تعد مثل هذه الدراسات أمرا مثيرا للاهتمام في حد ذاته، حيث تساعدنا على فهم كيفية عمل أجسامنا بصورة أفضل. وعلى الرغم من ذلك، فإنه قد يكون لهرمون (آيريسن) بعض التطبيقات العملية والمفيدة للغاية، فمن الناحية النظرية، من الممكن أن يصبح هرمون (آيريسن) بمثابة العلاج الذي يساعدنا على المحافظة على وزن الجسم الصحي وتقليل خطر الإصابة بداء السكري».
وعلى الرغم من أن بعض العلاجات الأخرى التي كان يتوقع لها مستقبل واعد قد أصبحت الآن في طي النسيان، فإن الوضع مختلف للغاية مع هرمون «آيريسن» لأنه ليس عقارا صناعيا، ولكنه جزء من الكيمياء الطبيعية الموجودة داخل أجسامنا، مما قد يجعله أكثر كفاءة ويقلل احتمالات أن تكون له أي آثار سلبية؛ لذلك، هناك حالة من الإثارة المبررة التي تحيط باكتشاف هرمون «آيريسن» وبالسرعة التي يقوم بها العلم باكتشاف كيمياء الجسد الخاصة بممارسة التمارين الرياضية ومعدل التمثيل الغذائي ووزن الجسد.
وعلى الرغم من ذلك، فإن البيئة التي نحيا فيها ومدى تأثير ذلك على سلوكياتنا تلعب دورا هائلا في تحديد الوقت التي نخصصه لممارسة التمارين الرياضية وكمية الطعام التي نتناولها، وبالتالي وزن أجسامنا.
يقول الدكتور كوماروف: «لا يتعين علينا انتظار تناول وصفة سحرية، حيث إن لدينا بالفعل علاجا مثبتا طبيا وله تأثير كبير في حماية صحتنا، ألا وهو ممارسة التمارين الرياضية».
* «رسالة هارفارد الصحية»، خدمات «تريبيون ميديا»