تقاس درجة نجاح الأمم بمدى قدرتها على تغيير واقعها وإخلاص الرجال الذين يقودون مسيرة التغيير إلى الأفضل، وفق مبدأ التحدي والاستجابة التي أقرها أرنولد توينبي، فضلا عن التجديد والإبداع واستخلاص الدروس والعبر من الأخطاء ومبدأ المحاسبة، ووجود نخبة تعبر عن حقيقة واقع المجتمع وطموحه،، وإلا فإننا سنكون أمام نموذج ممسوخ ومشوه لا معالم له، تعيش فيه الطبقة الحاكمة منعزلة تماما عن شعوبها، والنتيجة الحتمية أننا سنظل نعيش نفس المآسي والأزمات التي تلاحق الأمة منذ نصف قرن من الزمن، رقعة الفقر تتسع ودائرة الأغنياء المغلقة والمصطنعة تتسع للبعض ممن أدركوا من أين تؤكل الكتف، إلى درجة أننا لا نزال نتغنى، بعد خمسين سنة، بمآثر الثورة وإنجازاتها، ولم نجد مرجعية أخرى علها تفي بالغرض بعيدا عما يعتبره المنطق مصادرة على المطلوب، كما قامت بذلك دول أنجزت ثورات كبيرة على شاكلة الفيتنام والتي قررت أن تحدث قطيعة فعلية وإيجابية وأن تحقق الوثبة التي جعلتها، بعد عشرين سنة، تتجاوز الجزائر بكثير. فيتنام التي قامت بثورتين، مساحتها لا تتعدى341690 كلم مربع وعدد سكانها فاق 92 مليون نسمة عام 2012، استقلت بعد الجزائر بـ13 سنة، انضمت إلى المنظمة العالمية للتجارة في 2007، بينما نحن لا نزال قابعين في مكاننا، أطلقت قمرا صناعيا في 2008 وناتجها المحلي الخام يقدر بـ2 ,299 مليار دولار أي قرابة ضعف الناتج الجزائري المقدر بـ170 مليار دولار، بلد طبق مقولة علي بن أبي طالب حينما أشار: ليس الفتى من قال كان أبي.. بل الفتى من قال ها أنا ذا. وكما يقول العقلاء، لا شيء يعرقل أي مؤسسة أسرع من أولئك الذين يؤمنون بأن طريقهم في العمل بالأمس هو الأفضل، أو كما يقال إن الرجل القوي يعمل والضعيف يتمنى، فالقوة الحقيقية ليست في الوثائق والأفكار النظرية التي يتملق بها البعض، بل فيما تم تحقيقه فعليا، لا مواربة، وكما يقول المفكر الاقتصادي ليونار دو سيسوندي إن هدف المجتمع البشري يجب أن يرتكز على نمو الإنسان لا الأشياء، ونحن بصدد تحطيم الإنسان الذي لا يستمع لصرخاته. فالعبرة أن الأهم ليس في تجميع الثـروات التي تصبح نقمة لعدم القدرة على توزيعها بعدل وقسطاس. وكما يقول العقلاء: قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير مع الفساد، لأن كثيرا من المال غالبا ما يستقطب الطامعين الطامحين في اقتسام الغنائم، ولو كان ذلك بعد حين. وكما يقول توماس هيكسلي: الهدف النهائي للحياة هو الفعل وليس العلم، فالعلم بلا عمل لا يساوي شيئاً، ولكننا بعيدون عن العمل والعلم معا. فأين المخرج يا ترى؟