العراقيل السبع للحل السلمي في الصحراء الغربية / بقلم علوات حمودي
يعتبر النزاع في الصحراء الغربية من اقدم النزاعات في القارة الافريقية وهو نزاع جاوز الاربعين سنة. قانونيا تعتبر الصحراء الغربية أرضا متنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو التي اعلنت رسميا الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية في فبراير 1976. وهي دولة عضو في الاتحاد الافريقي وتعترف بها اكثر من ثمانين دولة.ادرجت قضية الصحراء الغربية على جدول اعمال الامم المتحدة منذ ديسمبر 1966 كقضية تصفية استعمار ومع ذلك فشل المنتظم الدولي في ايجاد حل يرضي الطرفين المتنازعين الى حد الأن. يعود النزاع الصحراوي المغربي على الصحراء الغربية الى 1975 عندما كان الاقليم مستعمرة اسبانية لأكثر من تسعين عاما. وفي سنة 1974 وافقت اسبانيا على طلب الامم المتحدة لتنظيم استفتاء حول تقرير مصير الشعب الصحراوي ولكن اشهر بعض ذلك تفاجأت الامم المتحدة بطلب تقدم به كل من المغرب وموريتانيا الى محكمة العدل الدولية في لاهاي يدعيان فيه باحقيتهما التاريخية في الاقليم وسيادتهما عليه. وبعد دراسة المحكمة للموضوع ومناقشته بعمق أصدرت رأيها الإستشاري الشهير في 16 أكتوبر 1975 والذي يتضمن : ” إن جميع الأدلة المادية والمعلومات المقدمة للمحكمة لا تثبت وجود أية روابط قانونية من شأنها التأثير على تطبيق القرار 1514 المتعلق بتصفية الإستعمار ومبدأ تقرير المصير عن طريق التعبير الحر لسكان الإقليم” لكن المغرب وموريتانيا رفضتا حكم المحكمة وغزتا الاقليم باحتلال عسكري مزدوج لتدخل القوات المغربية من الشمال والقوات الموريتانية من الجنوب. وسرعان ما وجدتا القوتان المحتلاتان أنفسهما في مواجهة مباشرة وحرب منظمة تقودها حركة التحرير الوطني في الصحراء الغربية -الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب-المعروفة اختصارا بجبهة البوليساريو. تأسست الجبهة في 10 ماي 1973 من اجل تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الاسباني الذي انسحب نهائيا من الاقليم في 27 فبراير 1976. وفي غضون اربع سنوات استطاعت جبهة البوليساريو ان تخرج موريتانيا من الصراع بموجب اتفاقية الجزائر في 5 أوت 1979. لتستمر الحرب بين المغرب و جبهة البوليساريو الى أن توسطت الأمم المتحدة لوقف اطلاق النار بين الطرفين في سبتمر 1991 مع الوعد باجراء تنظيم استفتاء لتحديد الوضع النهائي للاقليم حيث انشأت بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية المعروفة اختصارا بالمينورسو بموجب قرار مجلس الامن الدولي رقم 690 في أبريل 1991. لكن لم يتم تنظيم الاستفتاء الى يومنا هذا. ومنذ يوليو2000 حاولت الأمم المتحدة تحريك الملف من جديد عبر مفاوضات بين الطرفين تضمن حلا سياسيا متفق عليه, لكن كل المبادرات فشلت حيث وصلت عملية السلام الى طريق مسدود عندما استقال المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية. كاتب الدولة الأمريكي الأسبق جيمس بيكر في 6 نوفمبر 2004. و منذ يونيو 2007 دخل الطرفان في جولات جديدة من المفاوضات بمنهاست الأمريكية تحت رعاية أممية لكن دون تقدم يذكر حيث لاتزال المنطقة تعرف وضعية اللاحرب واللاسلم بسبب تمسك كل طرف بموقفه. المغرب يريد ان تكون الصحراء الغربية جزءاً لا يتجزا من أراضيه بينما تصر جبهة البوليساريو على أن يمارس الشعب الصحراوي حقه الغير قابل للتصرف في تقرير المصير.وفي الوقت نفسه لا زالت الامم المتحدة تعتبر الصحراء الغربية قضية تصفية إستعمار، والاقليم مصنف كإقليم غير محكوم ذاتيا ومدرج على لائحة اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة. ولكن السؤال المطروح هو لماذا فشلت الامم المتحدة في تحقيق السلام في الصحراء الغربية؟ لماذا لم تنجح التسوية السلمية الى حد الأن؟
ماهي العراقيل التي تساهم في هذا الجمود والمأزق السياسي الذي جاوز العقدين من الزمن؟
في الحقيقة هناك عدة اسباب وعراقيل ساهمت ولاتزال تساهم في فشل عملية السلام في الصحراء الغربية. أهمها عدم اهتمام المجتمع الدولي بهذا النزاع والتنافس الفرنسي الامريكي على هذه المنطقة الاستراتيجية من شمال افريقيا. في هذه الورقة سنتطرق وبشكل مختصر الى سبعة عراقيل واسباب أدت الى فشل ايجاد حل سلمي متفق عليه بين الطرفين الى حد الأن.
مجلس الأمن و معالجة القضية الصحراوية في اطار الفصل السادس:
لفهم المأزق السياسي وحالة الجمود التي يعرفها مسار التسوية الأممية في الصحراء الغربية منذ وقف اطلاق النار الى اليوم لابد من العودة الى كيف تعالج وتدير الامم المتحدة المفاوضات بصفتها الراعي والوسيط الرئيسي بين الطرفين. وماهي النية الحقيقية لهذه المنظمة ممثلة في مجلس الأمن باعتباره السلطة التنفيذية والجهاز الوحيد التابع للأمم المتحدة الذي تكون قراراته ملزمة بموجب الميثاق..
بدأ الدور الفعلي للأمم المتحدة في هذا النزاع عندما تبنت الخطة التي اعدتها منظمة الوحدة الافريقية لحسم المسألة عبر استفتاء تقرير المصير حيث رعت وقف اطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو في سبتمبر 1991 كما تم انشاء بعثة المينورسو لتظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية وبدأت الخطوات الاولى لتنظيم الاستفتاء على تقرير المصير الذي كان من المفترض أن يسمح لشعب الصحراء الغربية باتخاذ قراره السيادي لتحديد الوضع النهائي لهذا الاقليم, لكن الوقائع كشفت النية الحقيقية ومنذ البداية لمجلس الأمن الدولي عندما وضع القضية في اطار الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة وهو الفصل المتضمن صلاحيات مجلس الأمن في حل المنازعات الدولية حل سلمي. إن النصوص الواردة ضمن الفصل السادس من الميثاق والذي شكل الاطار العام الذي يخول لمجلس الأمن التصدي لحل المنازعات حلا سلميا عندما تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين. فقد نصت المادة (33) من الميثاق ” يجب على أطرف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة أوالتحقيق أو الوساطة أوالتوفيق أوالتحكيم أوالتسوية القضائية، أو أن يلجؤ إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها الاختيار”. ومن هنا يظهر أن مجلس الأمن ومن البداية لم يكن مستعدا لفرض أي حل وخاصة على الطرف المعتدي المملكة المغربية وهذا بالرغم من المعرفة المسبقة لدى المجلس بالوضعية القانونية لاقليم الصحراء الغربية كإقليم لم تتم تصفية استعماره بعد منذ جلاء الاستعمار الاسباني منه في فبراير 1976. حيث كل ماقام به المجلس هو وضع النزاع في اطار الفصل السادس من الميثاق وطلب من المغرب و جبهة البوليساريو الدخول في مفاوضات من أجل ايجاد حل سلمي حيث أن المجلس ليس ملزما بفرض أي حل أو قرار على أي طرف من الطرفين. وهذا يعني أن الأطراف يمكن أن تتمسك بمواقفها بدون أية ضغوط. وهذا خلافا للفصل السابع من الميثاق الذي يمنح مجلس الأمن الحق في فرض قرراته وأحيانا بالقوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وعليه يظهر الدور السلبي لمجلس الأمن في حتمية فشل المفاوضات بين الطرفين لحل هذا النزاع. وفي الحقيقة كل ماقام به مجلس الامن الدولي ولازال يقوم به الى حد الأن في الصحراء الغربية هو ادارة الصراع وليس حله. وهناك فرق كبير بين الاثنين. فادارة الصراع تعني مساعدة الاطراف المتنازعة في الوصول الى سلوك يعمل على وقف قيام الاطراف بسلوك معاد أو عنيف ولايخاطب هذا التدخل مصادر الصراع ولكن يرتكز على تعديل سلوك الصراع أو ما يعرف بالسلام السلبي أي وقف العنف بين الاطراف وهذا مافعله مجلس الأمن في الصحراء الغربية وهو وقف الحرب وتوقيع اتفاقية وفق اطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو وانتشار مراقبي الأمم المتحدة على جانبي الجدار حيث دخل القرار حيز التنفيذ في 6 سبتمبر 1991 ولازال ساري المفعول الى اليوم. أما حل النزاع يعني مساعدة الاطراف المتنازعة على فهم حججها ومصادر الصراع وموضوعاته والعمل على ايجاد حلول نهائية, أو مايعرف بالسلام الايجابي أي حل نهائي وعادل لكل جوانب الصراع وهذا الذي لم يحدث في نزاع الصحراء الغربية لتبقى المنطقة مابين اللاحرب واللاسلم.
من المهم أيضا التذكير أن تطبيق الشرعية الدولية أو القانون الدولي محكوم بسياسات ومصالح الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ومن دون موافقة أية دولة من هذه الدول لايمكن تطبيق القانون والشرعية الدولية وهذا راجع بالاساس الى طبيعة تشكيل المجلس واختصصاته وعدم تساوي الأعضاء في سلطة الاعتراض على القرارات. ولهذا أصبحت تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية مرهونة دائما بمواقف القوى الكبرى وخدمة مصالحها ومصالح حلفائها وخاصة اذا كانت اطرافا في النزاع.
وهناك امثلة كثيرة على الدور الحاسم الذي لعبته الدول العظمى في حل أو عرقلة حل نزاعات دولية كثيرة باستخدامها حق النقد الفيتو أواساليب أخرى, فقد كان للفيتو الامريكي لصالح اسرائيل الدور الرئيسي في إبطال كثير من قرارات الشرعية الدولية واجهاض الكثير من مبادرات السلام في الشرق الأوسط, كماهو الحال في الصحراء الغربية اليوم وتلويح فرنسا المستمر باستخدام حق الفيتو داخل مجلس الامن ضد أي مبادرة سلام لا تتماشى مع مصالحها في المنطقة ومصالح حليفها المغرب في هذه القضية. وعليه يبد جليا أن مجلس الأمن يحبذ الوضعية الحالية المتمثلة في حالة اللاحرب واللاسلم في الصحراء الغربية ولا يريدها ان تتغير.
لقد اثبت الزمن ان مجلس الأمن يعالج النزاع الصحراوي المغربي من منظور السياسة الواقعية والمصالح الاستراتيجية وليس من منطلق احترام القانون والمواثيق الدولية. ان الدول المؤثرة في مجلس الأمن وخاصة فرنسا وامريكا ترى في النزاع القائم في الصحراء الغربية انه نزاع خفيف ومحدود ومحكوم استراتيجيا وكل ما يهمهما هو التحكم في خيوطه وليس ايجاد حل نهائيا له, ومدامت الوضعية الراهنة لا تؤثر على مصالح هذه الدول الاستراتيجية في المنطقة ومادام ميزان القوة بين طرفي النزاع على الارض لم يتغير بعد فإن مجلس الأمن سيحافظ على حالة الجمود والمأزق السياسي. ولقد برهن المجلس في كثير من المناسبات على هذا الموقف وحتى في ظروف كان النزاع في طريقه الى الحل, ففي سنة 2003 حاول المبعوث الشخصي السابق للامم المتحدة الى الصحراء الغربية جيمس بيكر حشد الدعم الدولي لخطته الثانية( ﺧطﺔ ﺍﻟﺴـﻼﻡ ﻣـﻦ ﺃﺟـﻞ ﺗﻘﺮﻳـﺮ ﻣﺼـير ﺷـﻌب ﺍﻟﺼﺤـراءﺀ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴـﺔ) وهي حكم ذاتي للصحراويين لمدة خمس سنوات متبوع بإجراء استفتاء حول تقرير المصير وبالرغم من التنازل الكبير الذي قدمته جبهة البوليساريو وقبولها مشاركة المستوطنين المغاربة المقيمين في الصحراء الغربية منذ 1975 في الاستفتاء إلا أن حلفاء المغرب داخل مجلس الأمن أعطوا الحكومة المغربية مجالا كافيا للمناورة حيث وفي ديباجة اللائحة رقم 1495 الصادرة في31 يوليو 2003 بخصوص خطة بيكر الثانية أعرب مجلس الأمن عن دعمه للخطة ولكن في نفس الوقت أكد المجلس انه يتصرف بموجب الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة.
للوهلى الاولى يبدو أن المجلس لم ياتي بجديد في هذه اللائحة لان النزاع الصحراوي المغربي يعالج دائما تحت الفصل السادس من الميثاق الأممي, لكن اعادة تاكيد المجلس وادراجه عبارة “إذ يتصرف بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة” نصا في ديباجة القرار كانت رسالة واضحة الى المغرب وللعالم كله أن الامم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن لن تفرض أي قرار ولا أية خطة سلام أممية على المغرب.
ولهذا رفض المغرب الخطة وفهم جيمس بيكر الرسالة حيث قدم استقالته من الملف بصفته مبعوثا شخصيا للأمين العام في الصحراء الغربية في 6 نوفمبر 2004. وهكذا عاد النزاع الى ثلاثية اللاحرب واللاسلم واللاحل..
مفاوضات أم مساوامات مغربية:
إن النزاع الصحراوي المغربي لن يكون استثناءا عن كثير من النزاعات الدولية ذات الطابع التحرري. فحركات التحرر الوطني عادة ما تلجأ الى الطرق السلمية لتسوية صراعها مع قوى الاحتلال والاستعمار.وانتهاج الكفاح السلمي بدل الكفاح المسلح ياتي بعد اقرار حركات التحرر الوطني بسلوك هذا المسار وانتهاج احدى أو مختلف وسائله من مفاوضات ووساطة و تحكيم وغيرها. إن إقدام الاطراف المتنازعة على نهج مسار التسوية السلمية يكون في الغالب نتيجة لتفاعل جملة من العوامل الداخلية والخارجية. فتلجأ حركات التحرير الى هذه الوسيلة السلمية نتيجة ظروفها الداخلية المؤثرة كالبنية التحتية والتنظيمية وظروف خارجية كالضغوط المادية و السياسية التي تتعرض لها من الحلفاء وغيرهم. بينما تلجأ دول الاحتلال الى هذا الاسلوب عندما تفشل في الحسم العسكري وتتعرض الى خسائر فادحة بشرية, اقتصادية وعسكرية. واحيانا اخرى تخوض قوى الاستعمار هذا الاسلوب لغرض المناورة وانهاك حركات التحررالوطني نفسيا و معنويا وشق صفها الوطني لإلهائها عن تحقيق هدفها الاول والرئيسي وهو نيل حرية واستقلال شعوبها. وفي هذا السياق قبل طرفي النزاع في الصحراء الغربية ,المغرب وجبهة البوليساريو حل الصراع بالطرق السلمية ودخل الطرفان في مفاوضات سرية وعلنية منذ نهاية السبعينات الى أن وقعا على وقف اطلاق النار بموجب مخطط السلام الأفريقي الاممي حيث دخل الاتفاق حيز التنفيذ في سبتمبر 1991.
لقد شملت خطة السلام الاممية في الصحراء الغربية عدة مراحل.
وقف اطلاق النار بين الطرفين الذي دخل حيز التنفيذ في 6 سبتمبر1991.انسحاب نصف القوات المغربية المحتلة بينما يبقى النصف الاخر مقصور على مناطق محددة. تبادل اسرى الحرب بين الطرفين. تحديد الهوية ونشر القوائم الانتخابية النهائية. عودة اللاجئين الى ارضهم. استدعاء مراقيبين دوليين الى الاقليم للاشراف على الحملة الانتخابية وعملية التصويت. واخير اجراء الاستفتاء على تقرير المصير حيث سيختار الصحراويون ما بين الاستقلال او الاندماج مع المغرب, لكن هذا المخطط لم ينفذ, بل تم تجاوزه من طرف مجلس الامن الدولي عندما تم تعويضه بمخططي جيمس بيكر للسلام في الصحراء الغربية الاول في 2001 والثاني في2003. ومن هنا وجب التساؤل هل كانت الحكومة المغربية منذ البداية جادة في دخولها في مفاوضات مع الطرف الصحراوي أم كان غرضها الحقيقي شيئ اخر؟
ان القاء نظرة عميقة على مسار المفاوضات الطويل في الصحراء الغربية يبرهن ان الطرف المغربي لم يكن ينوي الدخول في مفاوضات جادة وحقيقية مع جبهة البوليساريو بل كان غرضه المساومة والمناورة و الابتزاز…
المفاوضات الحقيقية هي وسيلة وليست هدف. وهي استمرار الحرب بوسائل اخرى من أجل استثمار التضحيات والصمود وترجمتها الى حقائق على الارض. أما محاولة التفاوض من خلا ل الابتزاز والضغط والخداع ليست مفاوضات وانما املاءات لفرض مايريده الطرف الاخر. إن المفاوضات الجادة تتطلب وضع استراتيجية واضحة ومدروسة للتفاوض واعداد خطة متقنة تشمل تحديد الهدف وكيفية الوصول اليه والأثمان والتنازلات التي يمكن تقديمها. كما أنها تتطلب فهما عميقا للطرف الاخر ومعرفته معرفة دقيقة ومن كل الجوانب. المفاوضات تتطلب كذلك تحديد الوقت المناسب وتستوجب دراية تامة بالاوضاع الداخلية والخارجية وتأثيراتها على سير المفاوضات. لقد اثبت الزمن أن المغرب لا يأخذ الطرف الصحراوي بعين الاعتبار ولا يعامله بندية بل يستخدم أدوات غير عادلة من اجل تحقيق هدفه وهو تكريس احتلاله اللاشرعي وفرض سياسة الأمر الواقع في الصحراء الغربية. ان الاحتلال المغربي يستخدم كافة الطرق والاساليب من ابتزاز وخداع وتهديد من اجل فرض وجهة نظره على المفاوض الصحراوي. ومن أهم الاستراتيجيات التفاوضية التي اتبعها الطرف المغربي منذ وقف اطلاق النار الى اليوم هي استراتيجية الجمود وهي تضييع الوقت للضغط على الطرف الصحراوي لتقديم مزيد من التنازلات وتعمد عدم الاستجابة لمبادرات ومطالب المفاوض الصحراوي. ورفض ابداء مواقف واضحة تجاه القضية الرئيسية المطروحة للتفاوض:أي حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. ولهذا تقبل الحكومة المغربية الاستفتاء تارة وترفضة تارة أخرى..
إن اتباع المغرب لسياسة الجمود واللا مبالات في الصحراء الغربية تثبت ان المحتل المغربي ومنذ وقف اطلاق النار لم يكن مقتنعا بجدوى المفاوضات بل كان ينوي اللعب على عامل الوقت لإنهاك الطرف الصحراوي وتحطيمه نفسيا ومعنويا وهكذا يعزز هو سياسة الامر الواقع والبحث عن شرعية دولية تكرس هذا الامر.
لكن ما كان لينتج هذا الوضع لو لم يرتكب الطرف الصحراوي خطأ استراتيجيا فادحا كلفه خلق عدم توازن في قوى المفاوضات مع الطرف المغربي. لقد قبلت جبهة البوليساريو مخطط السلام الاممي سنة 1991 بدون وضع آليات مسبقة لتنفيذه. لأن الاتفاق شيئ وتنفيذه شيئ آخر. لقد كُتب لمخطط الامم المتحدة لسلام في الصحراء الغربية الفشل منذ البداية, فالمغرب رفض تسليم ادارة المناطق التي يسيطر عليها عسكريا لقوات المينورسو كما انه حافظ على قواته العسكرية والأمنية داخل الاقليم, بالاضافة الى ان السلطات المغربية تحدتْ صراحة الأمم المتحدة بعدم امكانية قبول استقلال الصحراء الغربية دون أن تحرك المنظمة ساكنا. وحتى لو نُظم هذا الاستفتاء فالأمم المتحدة لم تضع آليات تفرض احترام نتائج التصويت النهائية. يضاف الى ذلك ان صناع القرار في جبهة البوليساريو في ذلك الوقت وبسب النية الصادقة والثقة في قدرة الأمم المتحدة تجاهلوا التغيرات الاقليمية والدولية المستمرة و تأثيراتها وأن وراء حل النزاعات الدولية مصالح يتم تحقيقها عبر تحالفات و مؤامرات دولية. فالدول كالاشخاص تماما-عبيد المصالح. فاينما تكون المصالح تكون الدول..
المغرب وسياسة فرض الامر الواقع:
إن من أهم العراقيل التي تعرقل حل النزاع في الصحراء الغربية حلا سلميا عادلا هي المحاولة المستمرة للمغرب لفرض وتكريس سياسة الأمر الواقع في الصحراء الغربية. لقد استخدم الاحتلال المغربي ولازال يستخدم كافة الطرق و الأساليب من اجل اضفاء الشرعية على احتلاله في المناطق التي يسيطر عليها من الصحراء الغربية. فوجوده في هذه الأقاليم هو وجود قهري مفروض بحكم الأمر الواقع ومجسد باحتلال عسكري أمني اقتصادي واداري. لكنه وجود مرفوض بحكم القانون والشرعية الدولية. فلا توجد دولة واحدة في العالم تتعترف للمغرب بسيادته على الصحراء الغربية. لقد حاول المغرب وعلى مدار اربعة عقود من الزمن فرض سياسة الأمر الواقع واتباع سياسات عسكرية,امنية سياسية, اقتصادية ونفسية لفرض احتلاله اللاشرعي على الشعب الصحراوي, ومن أهم هذه السياسات ما يلي:
سياسة الاستيطان وهي سياسة انتهجها المغرب منذ اندلاع النزاع 1975 من خلال تشجيع المستوطينن المغاربة للهجرة والعيش في الصحراء الغربية مقابل منحهم امتيازات اقتصادية وغيرها. وهذه السياسة تهدف الى اذابة الصحراويين في الكيان المغربي اداريا وسياسيا واجتماعيا. حيث تمت عملية الاستطان على مرحلتين الاولى ابان مايسميه المغرب المسيرة الخضراء والثانية بعد وقف اطلاق النار بين الجانبين والدخول في مسار التسوية الاممي حيث جلب المغرب الاف المستوطنين المغاربة الجدد من أجل تغيير ديمغرافيا المنطقة والتأثير على نتائج الاستفتاء الذي كان قيد التنظيم. وقد نجح في هذه السياسة الى حد كبير حيث اصبح اليوم عدد المستوطنين المغاربة يفوق عدد السكان الاصليين للصحراء الغربية.
سياسة صحروة الحرب: وهي انشاء وحدات عسكرية مكونة من جنود من أصل صحراوي لمحاربة اشقائهم الثوار. وهي سياسة استعمارية تقليدية معروفة لضرب المقاومة وتشتيت حركة التحرير الوطني من الداخل.
سياسة تقسيم الأرض: تقسيم الصحراء الغربية الى جزئين بجدار رمليي طوله 2.360 كيلومتر وارتفاعه 6 أمتار وملغم بملايين الالغام المحرمة دوليا.
سياسة مغربة الصحراء الغربية: استهداف الهوية الصحراوية وتراث الشعب الصحراوي التاريخي والثقافي واستبداله بتراث مغربي عن طريق تعليم مغربي ممنهج يزيف الحقائق ويعيد كتابة تاريخ المنطقة مما يتماشى مع وجهة النظر المغربية.
سياسة الريع: وهي خلق طبقة صحراوية مساندة للمخزن المغربي واطروحاته في الصحراء الغربية و منحها امتيازات اقتصادية وغيرها بالاعتمادة على شخصيات تقليدية مؤثرة في المجتمع الصحراوي كالشيوخ والأعيان.
سياسة إثارة النعرات القبلية: بحكم الطبيعة القبلية للمجتمع الصحراوي وجد المخزن المغربي ضالته في تحريك واثارة النعرات العصبية بين الصحراويين وتقسيم المنطقة على اساس قبلي وهذا من أجل منع تكوين وحدة صحراوية قوية حقيقية. واجهاض حلم الشعب الصحراوي في بناء دولة صحراوية مستقلة وعصرية حقيقية حاضنة لكل الصحراويين
سياسة الحصار الاعلامي: تطويق المنطقة اعلاميا وعزلها عن العالم الخارجي وحجب مايجري من احتلال وانتهاكات ممنهجة و جسيمة لحقوق الانسان.
الدعم الفرنسي اللامشروط للمغرب وسياسة الكواليس:
تعتبر فرنسا الداعم الرئيسي للمغرب في نزاع الصحراء الغربية. فهي اكبر قوة خارجية داعمة للاحتلال المغربي. ومنذ بداية النزاع تلقى المغرب دعما سياسيا وعسكريا وديبلوماسيا لامحدود من معظم الحكومات الفرنسية المتعاقبة. وفرنسا تعد من الدول الرئيسية التي ترعى سياقة وكتابة قررات مجلس الامن الدولي المتعلقة بالصحراء الغربية بصفتها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن. لهذا هددت هذه الدولة اكثر من مرة وفي الكواليس اثناء اعداد القررات بخصوص هذه القضية استخدمها حق النقد الفيتو اذا تقدمت الامم المتحدة بحل لايتماشى مع مصلحة حليفها المغرب في هذا النزاع. إن الموقف الفرنسي من النزاع في الصحراء الغربية مبني على اساس مصالح فرنسا الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة شمال افريقيا. فالمغرب هو الحاضن والراعي الرسمي لمصالح فرنسا الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية في المنطقة. كما ان فرنسا تفضل المغرب على الحليف القوي للصحراوين الجزائر بحكم علاقتها المعقدة مع الجزائر التي تتعارض نزعتها الوطنية والثورية مع سياسات فرنسا في المنطقة.
وعلاوة على ذلك فان الموقف الفرنسي في هذا النزاع يتأثر بالمنافسة مع الولايات المتحدة واسبانيا على مجال النفوذ في منطقة شمال افريقيا. تعتبر فرنسا هذه المنطقة مجالا حيويا لمصالحها الاستراتيجية ووجودها القوي هو للحد من تنامي النفوذ الأمريكي. لكنه ايضا لمنع قيام دولة صحراوية سكانها يتحدثون اللغة الاسبانية ومنفتحون على نفوذ اسباني اكثر منه فرنسي بحكم خضوع الصحراء الغربية للاستعمار الاسباني. وفي الواقع يعتبر موقف فرنسا احد اكبر العراقيل امام تسوية اممية عادلة لهذا النزاع. فلولا هذا الموقف لا ما تجرأ المغرب على التعنت ورفض كل مبادرات الامم المتحدة الى حد الان.
الموقف السلبي لاسبانيا الرسمية من هذا النزاع:
تعتبر اسبانيا من اهم الدول والاطراف الغير مباشرة في النزاع الصحراوي المغربي. ان الدولة الاسبانية ومنذ البداية هي التي تسببت في خلق هذا المشكل بصفتها القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء الغربية. انها القوة الاروبية الوحيدة التي خرجت من مستعمرتها الافريقية من دون أن تسمح بتقرير مصير سكان الاقليم ولهذا تعتبر الصحراء الغربية اخر مستعمرة في القارة السمراء التي لم تحدد مصيرها بعد. ومن الناحية القانونية لاتزال اسبانيا هي السلطة الادارية الاستعمارية في الصحراء الغربية. كما ان اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نوفمبر 1975 نصت على احترام وجهة نظر الصحراويين المعبر عنه من خلال الجماعة بالرغم ما سببته هذه الاتفاقية من مآسي لا زال الشعب الصحراوي يدفع ثمنها الى اليوم.
يتأرجح الموقف الاسباني الرسمي من هذه القضية مابين الموازنة بين احترام الشرعية والقانون الدولي والتمسك بالمصالح الجيوسياسية لاسبانيا مع الاطراف. دأبت الحكومات الاسبانية المتعاقبة على اعتبار المملكة المغربية حليفا استراتيجيا في مجالات الأمن والهجرة غير الشرعية والحرب على الارهاب وشريكا تجاريا واقتصاديا مهم في منطقة شمال افريقيا. وفي الوقت نفسه تدرك الدولة الاسبانية الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لجارتها الجنوبية الأخرى الجزائر. البلد النفطي الغني والشريك الاقتصادي الكبير لاسبانيا. ومن هذا المنطلق تحاول اسبانيا ان تتأخذ موقف الحياد الايجابي من هذا النزاع وهذا من اجل التاكيد على أنها لاعب مهم في منطقة المغرب العربي. ولكن في الوقع ان حياد اسبانيا الايجابي يساهم في استمرارية الجمود واللاحل في هذا الصراع. ولو اعترفت الحكومات الاسبانية بمسؤلياتها التاريخية والقانونية والاخلاقية في الصحراء الغربية كما فعلت دولة البرتقال مع مستعمرتها الآسيوية السابقة تيمور الشرقية لاتغيرت كثير من المعطيات وخاصة على مستوى الاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة.
غياب دور فعال للاتحاد الافريقي في القضية الصحراوية:
يعتبر الاتحاد الافريقي(منظمة الوحدة الافريقية سابقا) من أهم المنظمات الاقليمية التي حاولت ان تساعدة الاطراف على ايجاد تسوية منذ بداية الصراع. وفي 12 يونيو 1983 عقدت القمة 19 لمنظمة الوحدة الإفريقية وتبنت بالإجماع و بحضور المغرب، القرار 104 الذي دعى طرفي النزاع، المغرب و جبهة البوليساريو، الدخول في مفاوضات مباشرة قصد الوصول إلى اتفاق توقيف القتال و توفير الظروف الملائمة لتنظيم استفتاء حول تقرير مصير الشعب الصحراوي دون اية شروط إدارية أو عسكرية و تحت الرعاية المشتركة لمنظمة الوحدة الإفريقية و منظمة الأمم المتحدة. والاتحاد الايفريقي يعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة كاملة كاملة الحقوق ويؤيد صراحة حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. كما ان الاتحاد انتخب الرئيس الصحراوي كنائب لرئيس الاتحاد وفي مناسبتين في 1985(كمنظمة الوحدة الافريقية سابقا) وفي سنة 2002 كالاتحاد الافريقي. إلا ان الاتحاد الافريقي تخلى عن لعب اي دور فعلي وملموس منذ مبادرة مخطط السلام الاممي سنة 1988 والذي كان بالاساس مبادرة سلام اعدتها منظمة الوحدة الافريقية لحسم المسالة عبر استفتاء تقرير المصير. ليترك الا تحاد المجال للتدخلات الأجنبية في نزاع افريقي -افريقي. بهذا توقف دور الاتحاد الافريقي على اصدار البيانات واعادة تكرار القررات التي تطالب المغرب باحترام الشرعية الدولية في الصحراء الغربية. ان هذا الدور شجع الحكومة المغربية على التمسك بوضعية الجمود واجهاض كل المبادرات السلمية في الصحراء الغربية. ولكن في الواقع يمكن للاتحاد الافريقي ان يلعب دور اكثر نشاطا وتأثيرا باعتبار ان احد اعضائه يعيش في ظل احتلال عسكري مغربي لا شرعي. يجب على لاتحاد الأفريقي أن يشارك بنشاط في عملية السلام في الصحراء الغربية وأن لا يكتفي بالبيانات الصادرة عن قمة الرؤساء الافارقة. بات من الضروري ان تتأخذ هذه المنظمة الافريقية خطوات عملية وملموسة من اجل وضع ضغوط حقيقية على الحكومة المغربية كي تلتزم بقررات الاتحاد الافريقي بخصوص هذه القضية. يمكن ان يستخدم الاتحاد الأفريقي علاقاته الثنائية مع البلدان الأخرى وخاصة الدول المؤثرة في مجلس الامن الدولي لكي ينقل موقف البوليساريو إلى هذه البلدان. على الدول الافريقية المعترفة بالدولة الصحراوية ان توقف كافة اشكال التعاون الديبلوماسي والعسكري والاقتصادي مع المغرب كآلية للضغط. ان مساعدة جبهة البوليساريو ماليا وديبلوماسيا ولوجيستيكيا والاهم من هذا كله مساعدتها اعلاميا على المستوى الدولي من شأنها احداث توازن في القوة الغير متكافئة بين الاحتلال المغربي وجبهة البوليساريو. فقط بسياسات عمليىة يستطيع الاتحاد الافريقي لعب دور اكثر فعالية من أجل كسر الجمود في عملية التفاوض والدفع بمسار التسوية السلمية في الصحراء الغربية الى الامام. لكن تحرك افريقيا في هذا الاتجاه لن يكون إلا من خلال ديبلوماسية وسياسة خارجية صحراوية قوية ومتعددة الأبعاد. سياسة نشطة ذات استراتيجيات مدروسة ومنظمة. تدرك وتتماشى مع المتغيرات الدولية المستمرة في عالم اليوم.
ضعف أداء السياسة الخارجية الصحراوية:
أثبتت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب,البوليساريو على قوتها ونجاعتها وشرعيتها في هذا الصراع. وبالرغم من عدم التوازن والفرق الكبير بينها والمملكة المغربية من حيث الامكانيات الاقتصادية والعسكرية والسياسية فان الحركة برهنت على قدرة فائقة على ادارة نزاعها مع المحتل المغربي بصفتها رائد كفاح الشعب الصحراوي وممثله الشرعي والوحيد.وخلافا للعديد من حركات التحرر الافريقية والشرق أوسطية لم تنقسم حركة البوليساريو أبدا الى فصائل ولم تلجأ الى استخدام القوة المفرطة للحفاظ على انسجامها كحركة تحرير وطني لكل الصحراويين. بل يعود لها الدور الريادي في تكوين هوية قومية صحراوية قوية لدى الغالبية العظمى من الصحراويين. كما ان من أهم عوامل قوة هذه الحركة أنها حركة سياسية ثورية تعتمد على نفسها في البقاء، والأهم من ذلك أنها ذاتية الدوافع. وفي نفس الوقت ومنذ وقف اطلاق النار أبانت جبهة البوليساريو على عدة نقاط ضعف وخاصة في مجالات الديبلوماسية والسياسة الخارجية.
إن السياسة الخارجية لأي كيان سياسي سواء كان دولة مستقلة أو حركة تحرير أو حزب سياسي تتأثر بجملة من العوامل والمحددات الداخلية والخارجية. على الصعيد الداخلي تلعب المقدرات الاقتصادية والموقع الجغرافي والمساحة الى جانب شكل وطبيعة النظام السياسي لدى هذا الكيان دورا مهما في صناعة وتنفيذ السياسة الخارجية. أما على الصعيد الخارجي تتأثر السياسية الخارجية بالنظام الدولي السائد وطبيعة التحالفات والضغوطات الخارجية. وهكذا تفتقد حركة البوليساريو وكحال أغلب حركات التحرر الوطني الى مقدرات طبيعية وتقليدية ثابتة بحكم المنفى وسيطرة الاحتلال المغربي على الجزء الاكبر من اقليم الصحراء الغربية وثرواته الطبيعية. مما دفع الحركة الى الاعتماد على المساعدات الخارجية التي بدورها تتأثر بطبيعة الأنظمة والتغيرات المحيطة بها. مما جعلها حتما عرضة للضغوطات والتدخلات في شؤونها وسياساتها.
ومع هذا فلقد خبرت جبهة البوليساريو أشكالا مختلفة من الأنشطة والسياسات الديبلوماسية منذ تاسيسها في 10 ماي 1973. ومنذ عام 1976عملت الحركة على حصولها على الاعتراف القاري والدولي بها كالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. لتعرف الحركة اشكالا من التمثيل الديبلوماسي الذي تراوح مابين تمثيل كامل متثمل في سفارات و تمثيل جزئي متمثل في تمثيليات في كثير من الدول وخاصة في افريقيا وأمريكا الجنوبية. أبرمت جبهة البوليساريو كذلك اتفاقيات ومعهادات مع دول مستقلة وحركات تحرير وطني افريقية وآسوية كثيرة. كما اعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية الى حد الان 84 دولة عضو في الامم المتحدة وهي عضو مؤسس وكامل العضوية في لاتحاد الافريقي منذ 1984. بالإضافة إلى ذلك تشارك الجمهورية الصحراوية كضيف في اجتماعات حركة عدم الانحياز، والشراكة الاستراتيجية الآسيوية-الأفريقية الجديدة. ومنذ عام 1979 تعترف الامم المتحدة بجبهة البوليساريو كالممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراء الغربية حيث تعتبره الطرف الثاني في هذا الصراع. ولكن منذ وقف اطلاق النار بين طرفي النزاع سنة 1991 عرفت الديبلوماسية الصحراوية تراجعا تمثل في تجميد بعض الدول علاقاتها مع الجمهورية الصحراوية وسحب بعض الدول الأخرى الاعتراف بها. وعلى الرغم من عدالة القضية الصحراوية وشرعيتها القانونية حيث لاتوجد ولا دولة في العالم تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية إلا أن السياسة الخارجية الصحراوية فشلت الى حد الان في حشد دعم دولي شعبي ورسمي قوي من شأنه تغيير مواقف الدول الكبرى المهتمة بهذا النزاع وقلب موازين القوى على الارض مع الطرف المغربي من أجل أن ينصاع الاحتلال المغربي الى احترام الشرعية الدولية في الصحراء الغربية. ان ضعف الدبلوماسية الصحراوية يرجع بالاساس الى عدم تكافؤ القوى بين الطرفين وغياب استراتيجيات وخطط ديبلوماسية واضحة ومدروسة لدى صناع السياسة الخارجية الصحراوية. سياسة خارجية صحراوية نشطة وعلى جميع الاصعدة والمستويات رسمية وغير رسمية و ديبلوماسية صحراوية ذات قدرات هائلة وكفاءات بشرية حقيقية تفهم فهما عميقا خصائص النظام الدولي الراهن وترسم سياسات تتماشى مع التغيرات الاقليمية والعالمية المتسارعة والمستمرة.
إن تسوية النزاع في الصحراء الغربية بالطرق السلمية من خلال المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو تتطلب حتما تدخلا أمميا حقيقيا وجادا ومؤثرا وتتطلب من الجانب الصحراوي هجر سياسة اللاتخطيط وردة الفعل وانتهاج سياسة الالحاح في طلب التدخل الدولي عن طريق ديبلوماسية صحرواية رسمية وشعبية نشطة مختلفة الأبعاد ومقاومة سلمية منظمة ذات استراتيجية بعيدة المدى في الجزئ المحتل من الوطن ودعمها بكافة الوسائل المتاحة وسياسة صحراوية اعلامية حقيقية تحشد المزيد من الحشد الديبلوماسي الافريقي والدولي ولما لا العربي. كما تتطلب من الجانب الصحراوي الاستعانة بخبراء القانون الدولي بشكل يتعدى الشعارات والتنديدات ذلك ان انتهاك الاحتلال المغربي للشرعية الدولية وتعنته المستمر لا يبرر ركاكة وضعف مرافعاتنا القانونية على المستوى الدولي وخاصة أننا نمتلك ترسانة قانونية من شأنها إنهاك الخصم في المحافل الاقليمية والدولية اذا عرفنا كيف نستثمرها.
منقول