رَمَـضَـانُ 1433هـ ... فَلَكِيّاً | زَمَنِيّاً


د. عبدالله المسند بتاريخ 17/07/2012 في شهر 7/2012

في هذه الأيام يتطلع المسلمون لهفاً وشوقاً وحنيناً إلى استقبال شهر رمضان، شهر البركات والغفران، والصيام والقيام
وفيما يلي لقاءً وحواراً من صحيفة الرياض مع
سعادة الدكتور عبدالله المسند عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم
والمشرف على جوال كون، المهتم بشأن الفلك والمواقيت يجيب فيه على بعض الأسئلة
حيال جوانب فلكية وزمنية تتعلق بشهر رمضان 1433هـ بإذن الله تعالى.



متى يدخل رمضان 1433هـ؟
وفقاً للحسابات الفلكية، والمعايير الحسابية لتقويم أم القرى فإن شهر شعبان لهذا العام 1433هـ سيكون ـ بإذن الله تعالى ـ شهراً ناقصاً (29 يوماً)
ووفقاً للحسابات الفلكية الدقيقة، فإنه عند الساعة السابعة و 25 دقيقة بتوقيت مكة المكرمة من صباح يوم الخميس 29 شعبان الموافق 19 يوليو
يحدث الاجتماع (الاقتران) بين الشمس والقمر، يليه ولادة الهلال الجديد، وفي مساء اليوم نفسه سيغرب القمر في أفق مكة المكرمة >> بعد << الشمس بست دقائق
وعليه فإن الهلال سيمكث ست دقائق فوق أفق مكة، (وهذا عليه إجماع الفلكيين ولا خلاف فيه)، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ووفقاً للدراسات والتجارب العلمية والعملية العالمية
فإن رؤية الهلال في تلك الظروف تكون صعبة جداً غرب السعودية فضلاً عن شرقها ووسطها، وعلى الرغم من ذلك فإن يوم الجمعة 20 يوليو (متوقع) أن تعلن بعض الدول العربية
دخول شهر رمضان الكريم، لكون ولادة الهلال قد تمت، والهلال له مكثاً، بغض النظر عن الأخذ بإمكانية الرؤية (المختلف فيها عند الفلكيين)
بينما بعض الدول التي تشترط رؤية الهلال وفق معايير فلكية معينة، ستُدخل رمضان يوم السبت 21 يوليو
وعليه فإن وضعية هلال رمضان هذا العام 1433هـ ستُكرس الاختلاف المعتاد بشأن الهلال والله أعلم.
صف لنا أحول هلال رمضان مساء يوم الخميس 29 شعبان 19 يوليو؟
بإذن الله تعالى مساء يوم الخميس 29 شعبان الموافق 19 يوليو ستغرب الشمس وفقاً لأفق مكة المكرمة قبل القمر، وعليه سيمكث الهلال فوق الأفق الغربي لمكة المكرمة ست دقائق
ويقع الهلال إلى اليسار من مغيب الشمس (285 درجة)، وشكله منتصب على هيئة قوس هكذا " ( " وارتفاعه عن الأفق بعيد الغروب أقل من درجة، ونسبة الإضاءة على سطحه
تقدر بأقل من 1% فقط، ووفقاً لتلك الظروف الفلكية فإن مشاهدة الهلال بالعين المجردة مساء الخميس غير ممكنة وفقاً لتجارب عالمية معتمدة وموثقة لمراقبة الهلال
وهذا مستقر منذ ثمانية قرون قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يُرى" (ج25/ ص 186)، ولكن يمكن أن يُرى عبر التلسكوب
في أقصى جنوب القارة الأفريقية وأميركا الجنوبية فقط، بينما مساء الجمعة سيمكث القمر في أفق مكة المكرمة نحو 47 دقيقة، وارتفاعه تسع درجات، ورؤيته ممكنه
هذا وسيكتمل القمر بدراً فجر الخميس 14 رمضان الموافق 2 أغسطس.


بعد كل هذه التفاصيل الرقمية، برأيك أنت متى سيدخل رمضان الجمعة أم السبت؟
ذكرت لك معطيات فلكية، ورأيي غير مهم.
هناك تهمة موجهة للفكين أنهم مختلفون وعليه فلا يؤخذ قولهم في الحساب الفلكي؟
أعجب من هذه العبارة، وأحسب من يقولها يخلط بحسن نية بين مسألتين
الأولى: مسألة إمكانية رؤية الهلال بعد الولادة فهي مسألة مختلف فيها في القديم والحديث
وذلك أن ظروف رؤية الهلال لا تحسب فقط رياضياً، ولكن هناك جملة من العوامل الطبيعية، والعوامل البشرية المتعلقة بالرائي نفسه، ومن هنا جاء الاختلاف والتعقيد في المسألة
لدخول أكثر من عامل في تحديد رؤية الهلال، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال:
"فاعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية
بحساب بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة أو أنه لا يرى ألبته على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك أو لا يمكن بعض الأوقات" أ.هـ (ج25/ ص183).
ولكن لا يستقيم سحب هذا الاختلاف على المسألة الثانية وهي: تحديد وقت الاقتران (الاجتماع) أو ما يُسمى بالولادة، فهذا عليه الإجماع
وهي مسألة ومعادلة مستقرة منذ أكثر من ثمانية قرون عند بعض علماء الشريعة فضلاً عن غيرهم.
حسب تتبعك واهتمامك أين توجد المشكلة في الرؤية؟
لا توجد مشكلة في الرؤية بحد ذاتها، فالفلكيون في السعودية ـ على الأقل ـ يعتمدون الرؤية الشرعية في دخول الشهر لا الحساب الفلكي وأؤكد على ذلك
ولكن المشكلة تكمن مع فئة (معدودة) من المجتهدين في رؤية الهلال، فهم يشهدون برؤيته ليس بصرياً بل حسابياً (وفقاً لآلية بدائية غير علمية)
والدليل على ذلك أنهم شهدوا الهلال فأعقب ذلك كسوف للشمس في غرب أفريقيا عام 1404هـ، وهذا لا يصح شرعاً ولا حساباً
قال إبن عثيمين رحمه الله عن الحالة: " لأن ذلك مستحيل حسب العادة التي أجرى الله تعالى في مسير الشمس والقمر" أ.هـ،
وشهدوا برؤية الهلال أكثر من مرة والشمس مستترة خلف الغبار، وليس آخرها دخول شهر رمضان عام 1430هـ والحالة مثبتة ومرفوعة لجهة الاختصاص
وشهدوا أيضاً برؤية هلالين في نهار واحد!! هلال آخر الشهر في الجهة الشرقية فجراً، وهلال أول الشهر في الجهة الغربية مساءً، وهذا لا يصح علمياً
إذ إن القمر لم يدخل في طور المحاق والاستسرار، وشهدوا أيضاً برؤية الهلال قبل حالة الاقتران والولادة (أي أن القمر غرب قبل الشمس) بثمان وعشرين مرة
خلال الخمسين سنة الماضية وفقاً لدراسة علمية، بل عام 1412هـ شهدوا برؤية الهلال وهو غارب قبل الشمس بخمسين دقيقة!!
وكل هذا تم عرضه على جهة الاختصاص للنظر في حقيقة الشهود، والآلية التي يعتمدونها ولا يعلنونها، من أجل هذا أقول للمحكمة العليا خذوا بالشهادة ولكن
محصوها وفقاً للمعطيات الفلكية القطعية؛ وستكتشفون الحقيقة ليس أكثر من ذلك، عندها تتقلص مشكلة رؤية الهلال بنسبة كبيرة جداً، حيث يتبقى مسألة إمكانية الرؤية وهذه أمرها هين.
إذن اتهام الفلكيين في السعودية أنهم يريدون العمل بالحساب وترك الرؤية البصرية الشرعية اتهام باطل؟
أحسنت، الفلكيون السعوديون لا يرون العمل في الحساب الفلكي وترك الرؤية الشرعية في مسألة دخول الشهر
لقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، ولكن الفلكيون ومعهم طائفة من علماء الشريعة
ومنهم التابعي مطرِّف الشخير (ت95هـ)، ابن قتيبة من المحدثين (ت 276 هـ)، أبو العباس بن سُريج (ت 306 هـ)، تقي الدين السبكي (ت 756هـ)، العبادي (ت 994 هـ)
الشيخ أحمد شاكر، العلامة الشيخ مصطفى الزرقا، الشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله جميعاً وغيرهم كثير
يرون الأخذ بالحساب الفلكي في حالة النفي، بمعنى أن الحساب إذا أثبت أن القمر يغرب قبل أو مع الشمس فلا يؤخذ بالشهادة؛ لأنها عندئذ شهادة ظنية وهمية مقابل حساب قطعي
وهذا ليس فيه تعطيل للرؤية كما يظن البعض، بل تمحيصها وضبطها، وفقاً لمعايير علمية قطعية مجربة.
العام الماضي أنت رفعت لوزارة العدل مقترحاً سميته "لجنة تقصي الحقائق بشأن رؤية الأهلة" لماذا؟ وإلى ماذا تدعو؟
لأن الجدل في الهلال العام الماضي اتخذ منحاً جديداً، حيث اُستخدم فيه وسائل إعلامية كبرى، دفع كثيراً من الناس إلى الاصطفاف مع أو ضد، بشكل أحدث انقساماً مزعجاً في المجتمع الواحد
عندها كتبت مقترحاً سميته "لجنة تقصي الحقائق بشأن رؤية الأهلة" رفعته إلى وزارة العدل ملخصه:
أن طائفة من الناس تتهم الحساب الفلكي بالخطأ وأنه حساب ظني، وطائفة أخرى تتهم المترائين للهلال بأنهم واهمون
وبناءً عليه عندنا قضية تهمة ومتهمين، والحل ببساطة أن تقوم الجهة ذات العلاقة بتشكيل لجنة محايدة تقوم بفحص واختبار الحساب الفلكي
وفحص واختبار المترائين وهم معرفون (خمسة)، وتُظهر النتائج على الملأ، وعليه نئد الفتنة والمشكلة، ونقطع الطريق على كل مشاكس عنيد، هل هذا صعب؟.


ما رأيك في دعوة الناس إلى ترائي الهلال قبل حدوث الاجتماع(الاقتران)؟
أرجو من "المحكمة العليا" أن لا تتعرض للحرج أمام الآخرين في موقفها من الحسابات الفلكية المتعلقة بالهلال، وآمل ألاّ تدعو الناس إلى ترائي الهلال قبل حدوث الاقتران -الاجتماع-
وعندما يغيب القمر قبل أو مع الشمس، وذلك أن الفلكيين كما أسلفت يُجمعون على وقت الاقتران والشروق والغروب فليس بينهم اختلاف
قال شيخ الإسلام بن تيمية:
"والحُساب يعبرون بالأمر الخفي من اجتماع القرصين الذي هو وقت الاستسرار ومن استقبال الشمس والقمر الذي هو وقت الابدار فان هذا يضبط بالحساب" (ج5/ص184)
ويقول أيضاً: "ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل إذ كل ذلك بحسبان
قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (ج35/ص176)"
قال تقي الدين السبكي: "الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان"
وعليه آمل من المحكمة العليا أن يكونوا على مذهب ابن تيمية والسبكي في هذا السياق فإنه أقل ما أطلبه منكم.
ولقد تبين هذا للشيخ عبدالله بن منيع حفظه الله فقال:
"وقد تم إجماع علماء الفلك قاطبة على أن الولادة تتم في لحظة واحدة، وأن خبر الولادة قطعي لا يتردد في قبوله واعتباره أحد من علماء الفلك
مهما تعددت مشاربهم وأفكارهم وعقائدهم، وأن قول من يقول بأن خبر الولادة ظني قول جاهل لا يدري أنه جاهل".
هناك من ينادي إلى التحقق من صحة الرؤيا أو الحساب عبر مراقبة ليلة الإبدار، أو حجم الهلال ليلة ثاني فهل هذا صحيح؟
هذا لا ينضبط علمياً، إذ إن اكتمال القمر بدراً، قد يكون ليلة أو يوم 14، وقد يكون ليلة أو يوم 15، وهو يختلف من شهر لآخر وفقاً لطول الشهر القمري (29 يوماً أو 30 يوماً)
لذا لا يستقيم تخطئة الرؤية، أو الحساب بناءً على معيار اكتمال القمر بدراً، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا عبرة في حجم الهلال ولا ارتفاعه ولا طول مكثه بعد غروب الشمس ليلة ثاني
وذلك أن الهلال يختلف في حجمه وارتفاعه ومكثه وفقاً لعوامل ثلاثة: عمر القمر، وطول الشهر السابق، وبعد القمر عن الأرض.
ما آلية دورة رمضان مع الفصول الأربعة؟
شهر رمضان يجوب الفصول الأربعة خلال 33 سنة قمرية ليكمل دورة كاملة، فتارة نصوم في الشتاء وأخرى في الخريف ومرة في الصيف ورابعة في الربيع وهكذا دواليك
ونحن الآن نعيش رمضانات صيفية حارة .. فيها يطول النهار ويقصر الليل، وترتفع درجة الحرارة، وتشتد وطأة العطش والجوع
ورمضان عام 1428هـ هو أول رمضان يدخل في فصل الصيف بعد أن خرج منه عام 1405هـ.


ودخول رمضان لعام 1433هـ قد يكون يوم الجمعة أو السبت الموافق 20 – 21 يوليو، وهذه الحالة تشابه تقريباً دخول رمضان عام 1400هـ في 14 يوليو أي قبل نحو 33 سنة
وسيتكرر المشهد بإذن الله تعالى عام 1467هـ حيث يدخل رمضان في 16 يوليو والله المستعان
وعلة ذلك أن السنة الهجرية القمرية أقصر من السنة الميلادية الشمسية بمتوسط يبلغ 11 يوماً
وبعبارة أخرى كل ثلاث سنوات يتقدم رمضان شهراً واحداً تقريباً مقارنة بالشهور الميلادية؛ لذا فإن عام 1437هـ سيدخل رمضان في آخر فصل الربيع (يونيو)
ومن ثم يبدأ بالتقدم والزحف رويداً رويداً (11 يوماً في كل سنة ميلادية) حتى يتوسط فصل الربيع وهكذا
ومن ثم يدخل رمضان في آخر فصل الشتاء (مارس) عام 1445هـ، لاحظ أن حركة رمضان تراجعية عكسية، ولله في خلقه شؤون
وهل يوجد فروقات تذكر في المواقيت بين مدن ومحافظات المملكة؟
نعم.. فمساحة السعودية شاسعة واسعة ولله الحمد، ووفقاً لرمضان القادم فإن أطول فترة صيام ستكون في أول يوم في رمضان على مستوى المملكة
وستكون الفترة الأطول في طريف 15 ساعة و 34 دقيقة، مقابل أقصر فترة صيام في جازان 14 ساعة و 22 دقيقة، بفارق ساعة واثنتي عشرة دقيقة عن طريف، وذلك في اليوم الأول
ويعود سبب ذلك إلى كون النهار أطول والليل أقصر كلما اتجهنا شمالاً في فصل الصيف
أيضاً مما يُذكر في هذا الشأن أن سكان مركز الشيبة في شرق الربع الخالي أول الناس فطراً في السعودية
مقابل آخر الناس فطراً في مركز الشيخ حميد أقصى الشمال الغربي من السعودية، بفارق يبلغ نحو ساعة و 26 دقيقة بين شرق المملكة وغربها.


وهل هناك فارق بين طول الصيام بين أول وآخر رمضان لهذا العام؟
نعم.. يعد أول يوم في رمضان هو الأطول بسبب قربه من وقت الانقلاب الصيفي (21 يونيو)
بينما آخر يوم في رمضان سيكون هو الأقصر، بمعدل فرق يتراوح بين 30 إلى 40 دقيقة تقريباً
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.