بعد أكثر من عشرون عامًا على جرائمه ضد الإنسانية في البوسنة، حُكم أخيراً على الزعيم الصربي السابق رادوفان كاراديتش بالسجن لأربعون سنة يوم الخميس الماضي من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وتعد هذه أكثر محاكمات مجرمي الحرب انتظاراً في أوروبا.
بدأت محاكمة كاراديتش المعروف بجزار البوسنة سنة 2009، استُقدم فيها أكثر من خمسمائة شاهد من ضحايا الحرب وواجه خلالها ما يقارب إحدى عشرة تُهمة، بما فيها أبشع عمليات إبادة جماعية وتصفية عرقية منذ الحرب العالمية الثانية وذلك خلال فترة حكمه فيما كان يُعرف بجمهورية الصرب في البوسنة بين سنة 1990 و1995.
من هو رادوفان كاراديتش وماهي جرائمه البشعة؟
كارادزيتش كان زعيم الحزب الديمقراطي إبان انهيار يوغسلافيا الشيوعية سنة 1990 وأصبح رئيساً لجمهورية الصرب التي انشأت في 1992، حيث خاض حرباُ أهلية دموية ضد الكروات ومسلمي البوسنة من أجل الهيمنة السياسية على كل الأراضي، حرب طاحنة كان كاراديتش مسؤولًا مُباشراً فيها بصفته قائد الجيش بإعطاء الأوامر للقوات الصربية بارتكاب أبشع عمليات الاغتصاب الممنهج، الترويع والقتل للمدنيين العزل! وبالأرقام هذه هي جرائم رادوفان كارادزيتش:
- قتل مسلمي وكروات البوسنة، بما في ذلك قتل أكثر من 144 شخص في بلجاني ببلدية كليوتش، واعتقال ما يفوق 200 شخص بسجون فوتشا، ما يُقارب 150 في مخيم كيراتيرم و140 في معسكر سوشيتسا.
- اعتقال آلاف من مسلمي البوسنة والكروات البوسنيين في مرافق احتجاز في ظروف مُهلكة قصد إنهاء حياتهم.
- قتل أكثر من 7000 رجل من مسلمي البوسنة وفتيان من سربرنيتشا باستخدام الإعدام المنظم والانتهازي بما في ذلك قتل أكثر من 1000 رجل في مستودع كبير في قرية كرافيكا وإعدام 1000 آخرين من مسلمي البوسنة بالقرب من مدرسة في أوراهوفاش.
- التدمير المتعمد للممتلكات الخاصة والعامة بما في ذلك المآثر والبنايات الثقافية والمواقع المقدسة، مثل عدد كبير من المساجد في جميع أنحاء البلاد.
- عمليات قتل مُتفرقة بهدف بث الذعر بين السكان المدنيين في سراييفو من خلال حملة القنص والقصف، التي نفذت بين أبريل 1992 ونوفمبر 1995. ويشمل ذلك قصف سوق “ماركال” في 5 فبراير عام 1994، حيث قُتل 66 شخصا و جُرح أكثر من 140.
- هذا إضافة إلى عمليات الاغتصاب، الاختطاف، التعذيب والتنكيل بالجثث التي مارسها جنود تحت إمرته في حق أبرياء.
حكم يفتقر للعدالة
من يتذكر جيداً حرب البوسنة في التسعينيات يعرف أن هذا الحكم على كاراديتش عادل نسبياً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب مجرمي الحروب من حكام وزعماء سياسيين يلذون بالفرار بطريقة أو بأخرى وبدون أية مُحاكمة عادلة وهناك أمثلة كثيرة لهؤلاء أينما نظرنا وفتشنا في الحاضر وبين طيات التاريخ أيضاً.
كما يُعتبر حكماً غير مُنصف بتاتاً لكل روح أُزهقت وكل فتاة، امرأة وطفلة اغتصبت… بغض النظر عن الخلفية الدينية أو تبعيتهم السياسية، وكل قرية أبيدت وهلك أهلها وكل جندي أُقحم في أعمال حيوانية لأنه يجب أن يُنفذ الأوامر ويقوم بعمله أو يُعدم، إنه حكم ظالم لأن الرجل بلغ السبعين من عمره وتواجده في أي سجن في هذا السن، في واقع الأمر فيه شيء من الراحة له والرحمة به، عوض أن يُمضي باقي أيامه في الهرب من مكان لآخر مُتخفياً بهوية مزيفة كما فعل في بلغراد لأكثر من عشر سنوات.
ومما يبدو أنه رغم دراسته لطب النفس في الأصل إلا أن له شخصية سيكوباثية فهو يرى نفسه شهيد شعبه، فقد قال بالحرف الواحد في إحدى مقابلاته:
يمكننا أن نرى بكل بساطة أن الرئيس، في ظروف مماثلة لا يستطيع أن يفعل الشيء الكثير، وأن معركتي المستمرة كانت من أجل الحفاظ على السلام، منع الحرب وتقليل معاناة الجميع بغض النظر عن الدين، كانت مجهودات يجب أن تُحترم بدلاً من مُحاكمتي.
مُجرم حرب ولكنه بطل في نظر مجموعة من الصرب حضروا خارج مبنى المحكمة رافعين شعارات لمساندته، ولم يعتبر الحكم رادوفان كاراديتش مذنبًا في جميع التهم الموجهة إليه، وهو حكم قابل للطعن أيضاً. ولأن كل شيء يجوز في الحرب… تبقى للأسف الشديد أرواح الأبرياء، إنسانيتهم المفقودة وأحلامهم الضائعة أضراراً جانبية أمام تعطش مجرمي الإنسانية للنفوذ والسيطرة بلا حدود.
المصدر
TheGuardian
RADOVAN KARADŽIĆ