هل بدأ الجو يتغيّر وبدأت تتفق على إجراءات التعاقد مع شركة مكيفات الهواء، وتتخيل نفسك وأنت تختنق بداخل المبنى الخرساني صاحب الواجهة الزجاجية البراقة التي تختزن الحرارة وأشعة الشمس طوال النهار وتحبس الحرارة بداخلها بشكل أكبر، مما يتعين عليك أن تقوم بتشغيل مكيف الهواء على أقل درجة ممكنة؟
إذًا مبارك عليك، فأنت تعمل/ تسكن في واحد من أسوأ العقارات الممكنة، والتي لا تراعي البيئة المحيطة بها سواء في التصميم المعماري للمبنى أو للمواد المستخدمة في البناء.
ظهرت خلال السنوات الكثيرة الماضية، تقليدًا نستطيع أن نصفه بالأعمى، لتصميمات المباني الغربية والمعتمدة اعتماداً كامل على الخرسانة والزجاج، وهما ما لا يتناسبان إطلاقًا مع البيئة شديدة الحرارة التي نسكن بها في وطننا العربي.
إن ذهبت يومًا لزيارة واحد من البيوت الأثرية القديمة، مثل تلك الموجودة في حي الحسين وخان الخليلي بالقاهرة، وأشهر تلك البيوت هو بيت السحيمي، لن تجد في نفسك الرغبة في البحث عن مروحة حتى، فإنشاء البيت كان يقوم في المقام الأول على دراسة كيفية حركة الهواء، بحيث يتم استغلال الهواء الطبيعي مع مساحات مفتوحة وخضراء كي يتم تهوية البيت بطريقة طبيعية.
أشهر مثال حديث على المهندس المعماري الذي يحترم المناخ البيئي المحيط، هو حسن فتحي، والذي قد نسرد له فيما بعد مقالًا له بمفرده. ولكن هل كان حسن فتحي هو المعماري الوحيد الذي قدّم أمثلة معاصرة لاحترام البيئة؟ بالطبع لا، لذا سنعرض اليوم 10 أمثلة لمبان روعي في تصميمها احترام البيئة المحيطة قدر الإمكان.
بيت حلاوة
العجمي، مصر
بيت حلاوة هو سكن خاص، صممه المعماري كي يستفيد بشكل كامل من وجود البحر قرب المسكن، لم يقم بعمل نافذة زجاجية ضخمة، بل قام باستلهام النموذج المعماري الإسلامي، فلم يقم فقط باستخدام المشربيات والزجاج المعشق كديكور للمنزل وواجهة، بل صمم البناء بأكمله على أسس العمارة الإسلامية.
أنشأ فناء داخلي جميل يتضمّن نافورة، كما قام بعمل ملاقف الهواء (وهي نوافذ أفقية في السقف سُميت بهذا الاسم لأنها تلقف الهواء) والمداخل المائلة التي تأخذ أكبر قدر من الهواء مع أقل قدر من الحرارة وتضعها داخل المنزل.
تم إنشاء المنزل الطوب والخشب، وكان استخدام الخرسانة في أقل صوره، فجعل أساسات المنتول من الخرسانة المسلحة وكذلك سقف المطبخ والجراج.
كانت النتيجة النهائية للمنزل مريحة وممتعة للعين، وتراعي راحة ساكني المنزل، واحترمت البيئة المحيطة.
مركز التدريب الزراعي
السنغال
أُنشأ هذا المركز لتدريب السكان المحليين في السنغال على الزراعة، ولكن ما تدرب عليه العمال حقًا هو إحياء نظم البناء بالحجر، ومزجوا بين الأسلوب البدائي في البناء وبين الأسلوب المعاصر في تشكيل متجانس وبديع.
الفصول الدراسية مكونة من منحنيات حجرية مع شبابيك مبنية على مستويات مختلفة لإدخال أكبر قدر من الهواء مع تقليل دخول أشعة الشمس قدر الإمكان.
كذلك الساحات الداخلية تصبح بالنهار مظللة بظل الحيطان المحيطة بها.
مركز فنون الحرانية
الحرانية، بمصر
يشتهر هذا المبنى أيضًا باسم رمسيس ويصا واصف، وهو المعماري الذي صمم وأنشأ هذا المبنى البديع، كان الهدف من إنشاء هذا المركز هو الحفاظ على الفنون اليدوية التي تنحدر يومًا بعد يوم بعد دخول التكنولوجيا إلى الصناعات البسيطة.
ومن أجل اكتمال هذه الفكرة، قام بإنشاء المركز على الطريقة القديمة، واستخدم الأقبية والقباب مع عمل كوات (فتحات) إضاءة طبيعية في السقف، تُضفي كذلك بعدا جماليًا للمكان.
استخدم ويصا في بناء هذا المبنى مواد محلية أكثر ملاءمة للمناخ وأقل تكلفة في البناء.
فندق شاطئ تانجونج جارا
ماليزيا
هو فندق على شاطئ البحر بماليزيا، مع وجود جبال شديدة الانحدار مغطاة بالنباتات، وقام المصمم باحترام الجغرافية المحيطة، فجعل البناء من الخشب على طراز القصور التي شيدها السلاطين الأوائل في ماليزيا.
استغل المصمم كذلك وجود البحر الاستغلال الأمثل، فقام ببناء الحجرات بأسقف مرتفعة بها شبابيك مفرغة، وكذلك تم رفع المباني بأكملها عن سطح الأرض بمسافة 15 سم، حتى لا تغرق في حركات المد والجزر الشديدة.
عند النظر إلى الفندق من البحر، نجده كأنه لوحة مرسومة بمنتهى الانسجام مع البيئة المحيطة به.
مسكن كورال الصيفي
تركيا
صُمم هذا المسكن الخاص كمسكن صيفي للعائلة، لم يقم المصمم بالحفر أو بردم، فالمبنى قائم على موقع حجري متدرج، فاستغله المصمم بطريقة ذكية.
قام أولًا بفصل المبنى إلى وحدات منفصلة، ثم ربط بينهم بممرات مبلطة بزلط الشاطئ. كذلك استخدم المصمم مواد من البيئة المحيطة قدر الإمكان، فالحيطان مصنوعة من الحجر والطوب، والأسقف مصنوعة من الخشب، أما عن الأشجار المظللة للأفنية المفتوحة فهي الأشجار الأصلية التي كانت موجودة بالأصل في الموقع.
قدّم مصمم هذا الموقع أعظم مثال على تناغم المبنى مع البيئة المحيطة واحترامها.
مدرسة سيدي العلوي
تونس
استفاد مصمم هذه المدرسة من كل العناصر المتاحة أمامه، فجعل المدرسة على نفس محور المنتزه المجاور الذي يمكن استغلاله من قِبل الأطفال، ثم قام بتصميم البناء بطريقة متماثلة، تنقسم من فناءين داخليين بداخل المدرسة، ثم استغل الأفنية الداخلية بوضع شبابيك الفصول عليها لزيادة حركة الهواء والضوء الطبيعي بداخل الفصول.
بينما قام بعمل الشبابيك الخارجية الأساسية على واجهة المبنى، ولكنها مغروسة بداخل الحيطان، كي تعمل ككاسرات للشمس فتقلل من حدّة الأشعة الموجهة لداخل الفصول.
كل ذلك كان بالإضافة إلى تصميم واجهات المدرسة، والتي بدت قطعة طبيعية من التراث التونسي باللونين الأبيض والأزرق المفضلين هناك، مع استخدام القليل من الزخارف البسيطة.
معهد الهند لتنمية القدرة على تنمية المشروعات
الهند
كان الهدف الأساسي لإنشاء هذا المركز هو تعليم رخيص الثمن على كيفية إدارة المشروعات، وكان يجب على المبنى أن يعكس هذا المفهوم، فتم استخدام مواد متوفرة ورخيصة في البيئة المحلية والتي تمثلت في الطوب والإسمنت.
كانت هذه أولى خطوات المصمم، ثم قام بعد ذلك بتصميم مبنى يحفز على العمل ويخلق بيئة عمل مريحة، قام بعد ذلك بدمج التراث الإسلامي والهندي معًا لخدمة تصميم المبنى، فقام بعمل الارتفاعات المختلفة واستخدم الأقبية والفناءات الداخلية لتسهيل حركة الهواء وتنوع حركة الضوء والظل.
مستشفى الجهوي
موريتانيا
قام مصمم هذه المستشفى باستخدام بديع وتطويع رائع للخامات المحلية، فقد قام باستخدام نوع من الطوب المحلي المتوافر بكثرة في هذه القرية النائية بموريتانيا، وصنع منها قباب مبهجة الشكل.
لم يقم المصمم بمراعاة الشكل الجمالي فقط للمستشفى، بل اهتم بدرجة كبيرة بكيفية تهويتها بطريقة سليمة بدون دخول كمية كبيرة من الضوء المباشر وفي نفس الوقت بدون استخدام أي نوع من التهوية الصناعية، فصنع النوافذ بطريقة مدروسة في الممرات وغرف المستشفى، كما وضع بأعلى كل قبة فتحة مرتفعة تسمح بدخول الهواء في حركة مستمرة.
مقرّ الرابطة الفرنسية السنغالية
السنغال
في هذا المشروع كان الاهتمام منصبًا على إعادة استخدام الرموز والأشكال السنغالية بطريقة معاصرة، وهو ما نجح فيه المصمم بطريقة أكيدة، ففي البداية قام بالبناء على مساحة تمثل 25% فقط من مساحة الأرض، ليعطي الفرصة للزائر بالاستمتاع بالطبيعة السنغالية.
زيّن أيضاً الممرات الرابطة بين المباني بمجموعة جميلة من العواميد المزخرفة بالألوان السنغالية الغنية والمبهجة، ليخرج لنا في النهاية مبنى مبهج من الممكن اعتباره مثال للثقافة السنغالية.
قصر الطويق
الرياض، السعودية
قصر الطويق بالرياض هو عبارة عن جدار ملتو ويتدرج مع الطبيعة الصخرية، يحمي هذا الجدار واحة خضراء، فيبدو للناظرين وكأنه مغلق على الواحة، وهو التأثير الذي أراده المصمم أن يصل إلى الزائر، بأن هذه الواحة محمية من العوامل الخارجية ومن المخربين، وفي نفس الوقت تتعلق من الجدار 3 منشآت خيمية تحتوي على المراكز الترفيهية.
رغم أن تصميم المبنى يرجع إلى مصممين مختلفين، إلا أنهما انسجما معًا في فكرة واحدة، فالجدار الذي يبدو كالحصن والمكسو بالأحجار، والمعلقات الخيمية البيضاء، كلاهما من مفردات المعيشة العربية القديمة، وينسجمان بشكل مثالي مع الصحراء المحيطة بهما.في النهاية المبنى المريح ستجد أنه يفرض نفسه، وأنك تشعر بالحزن الشديد عند مغادرته، ولكونك لا تسكن به للأبد.
المصدر
www.arageek.com