مرت ساحة الحروب البشرية بالعديد من مراحل التطور، في الأزمنة السحيقة ظل الصوت السائد للصليل السيوف، مع سهام ورماح تمرق عبر المكان. أما اليوم، فقد صارت هذه الساحات أكثر ضوضاء، مع دوى الرصاصات ودانات المدافع وفرقعة الطائرات عند اختراقها حاجز الصوت.
صحيح أن هذا الميدان مزعج للأذن، لكن لا ننكر أنه لاهث وشيق، وبالتالي ما كان رجالات الخيال العلمي ليفوتوا اقتحامه.
أسموه (الخيال العلمي العسكري)؛ وكما تشاهدون..المصطلح بسيط ولا يحتاج لتعريف، إنه ذلك الفرع من الخيال العلمي الذي يتنبأ بمعارك مسلحة أرضية/فضائية أو أرضية/أرضية تتضمن تكنولجيا عسكرية مستقبلية، وقد يستقى الخيال العلمي العسكري تفاصيله من حروب تاريخية حقيقية حدثت فعلًا، أو امتداد لحرب تحدث، أو ما يتخيل أنها ستحدث.
وصل تقدير هذا التخصص، لدرجة وجود دور نشر تفرد جلّ نشاطها له وحده، كشركة Baen Books، فكان من الطبيعي أن تثمر هذه الجهودات، في شكل ابتكارات أهداها الخياليين إلى العسكريين أبرزها:
دروع الطاقة
من أكثر العوامل المشتركة في أعمال الخيال العلمي، والتي يكاد وجودها يتقرب من درجة القانون الحتمي، هي دروع الطاقة. تلك الدروع الكهرومغناطيسية الحامية التي يستعملها الأبطال للزود عن أجسادهم أو مركباتهم، أنا نفسي كنت استعمل نفس المتلازمة فى تجاربي الأولى منذ الصف الثالث الإعدادي، دون أن أعرف –بطبيعة الحال- ماذا تعنى كلمة (كهرومغناطسيسة) حينها.
اللطيف أن الابتكار اتخذ أخيرًا طريقًا للواقع، عام 2006 ومن قام بالمبادرة هو الجيش الأمريكي بالتعاون مع شركة إسرائيلية، وانتحى البحث لمحاولة مجال من الطاقة الكهرومغناطيسية – أتمنى أن يكونوا يعرفون ما هي- ليقي الدبابات والمدرعات من الاستهداف بالقذائف، تلقف الفكرة علماء في القوات المسلحة البريطانية في 2010م، وما زالت قيد التطوير والدراسة حتى الآن.
الزى العسكري الذكي
المشكلة الأزلية للجندي، هي التحرك فى ساحة التدريب أو القتال بخفة وسرعة، مع ما يحمله من أثقال الأسلحة والمعدات.
أسأل أي صديق خاض فترة التجنيد، سيحكى لك عن معاناة الوقوف في نوبة حراسة بالـ (شدّة)،و الشدّة هي واق يزن عدة كيلوجرامات، يوضع فيها بقية المعدات من ذخيرة أو …أو… وقت الاستراحات أيام تجنيدي، كنا نقلب التلفاز، لنلاحظ أن هوليود هي الوحيدة التي انتبهت لمعاناتنا، ففي فيلم Aliensنلاحظ بطلة فاتنة ترتدي طوال الوقت زى خفيف من الألمونيوم، له إمكانيات ذكية.
ولفرط متانة هذا الجبار لا يرفع أحدهم عينه طوال الفيلم، (لا زلت أتحدث عن الزى)، ثم تلقفتDARPA” ” الأمريكية الفكرة، والـ DARPA” ” هي إدارة الأبحاث العلمية بالبنتاجون، وتمحور انجازها في واق الكتروني من الألمونيوم الخفيف، يتفاعل مع حركة الجندي عن طريق أجهزة استشعار، فإذا قام بحمل شيء تتحرك مدعمة إياه في عملية الرفع معه، مما يوفر طاقة الجندي التي تستهلكها أثقاله.
الرادار
(هوجو جيرنسباك) هل تعرفه؟! اسم يخفى على الكثيرين من هواة الخيال العلمي، على الجانب الآخر، أثبت هذا الرجل أنه ليس من الضروري أن تكون متمكن أدبيًا كي تترك بصمة في الأدب، فقد تكون لديك مواهب آخرى.
أطلق على أدب الخيال العلمي العديد من النعوت فى البداية، أسماه ويلز (القصص العلمية التي تقرأ في جلسة واحدة) وأسماه غيره (الرومانسية العلمية)، أتعلم من أسماه (الخيال العلمي)؟إنه هوجو جرنسباك. هل تعلم من مؤسس أول مجلة متخصصة في الخيال العلمي في العالم؟! هو أيضًا هوجو جونسبراك.
يقيم النقاد قصته ( Ralph 124C 41+) بأنها ضعيفة أدبيًا، لكن مرة أخرى يثبت جرنسباك مسألة (امتلاك مواهب أخرى)، فاحتوت وصف مدهش لاختراعات مستقبلية، حيث وصف الرادار بدقة معجزة، بل وقدم له رسمًا تفصيليًا له أيضًا، مرفق بشرح فني لطريقة عمله.
ولم تجد هذه الفكرة طريقها إلى الواقع إلا بعدها بعقود طويلة،عندما دك الألمان (لندن) بصواريخ (ف- 1) و (ف- 2)، فظهرت الحاجة ملحة إلى منقذ، وكان المنقذ هو العالم واطسون الذي أوقظ الفكرة، وقدم اختراع الرادار إلى جيش بلاده عام 1944.
الطريف أن (واطسون) فوجئ بمخالفة مرورية نتيجة تجاوزه السرعة، تم رصدها بوساطة الرادار، مما جعله يردد دائمًا:
لو كنت أعلم أنه سيستخدم لهذا الغرض، لما اخترعته.
الرجل الخفي
“عندما نزلت من الدرج كانت هناك مشكلة غير متوقعة لأنني لم أرى قدمي أثناء النزول”
هربرت جورج ويلز- رواية (الرجل الخفي).
عالم فيزيائي ينجح في أن يكون لا مرئى، لأول وهلة نظن أن هذا انجاز علمي كاف لمنحه كل الشهرة والمجد، لكنه وضعه الغريب الجديد جلب عليه ذعر العامة وثورتهم، فصار مطاردًا من الجميع كالمجرمين هذا هو ملخص رواية (الرجل الخفي) للعبقري (هربرت جورج ويلز).
في عام 2008م نجح فريق بمعهد بروكلي في قطع شوط نحو هذا الحلم، وتصدر إنجازهم صفحات مجلة تايم الأمريكية ضمن قائمة (أفضل خمسين اختراعًا)، ونقلته مجلة العلم فى عدد يناير 2009م.
طور الفريق مادتين محايدتين تستطيعان عكس الضوء أو امتصاصه، حيث تجعل شعاع الضوء ينكسر للاتجاه العكسي الأولى تستخدم شبكة من طبقات معدنية رفيعة، أما الأخرى فبها أسلاك فضية رفيعة، مما نتج عنه زى له حد أدنى من الإخفاء.
لاحقًا، توصل شباب جامعة طوكيو إلى نفس المأرب بطريقة أبسط، إذ أنتجوا نوع من الأقمشة عاكسة للضوء(retro-reflective) والتى تعمل كشاشة.
المصدر
www.arageek.com