الإنصات فن له معايير جودة، وله مقومات وإمكانيات، لا يعرفُها كثير من الناس.. قد تكون متحدث جيد، ولكن في نفس الوقت قد لا تعرف كيف تستمع للآخرين، وكيف تقرأ حركات الشفاه وتعبيرات الوجه، وكيف تتمكن من فك شفرة نبرات الصوت والولوج ببحر من أمامك.
الإنصات الجيد سلوك حضاري، وهو أحد عناصر عمليه اتصالك الصحيح مع من حولك .. أن تصغي لمحدثك، يعني أن تقدم الاهتمام والتقدير لما يطرحه من أفكار وقضايا، حتى لو كان يختلف معك في الآراء، ولا تندهش حينما ترى محدثك يرتاح إليك، ويهتم بما تطرحه عليه.
وهذا هو السر في أن الخطباء يهتمون في توجيه نظراتهم، والكلام إلى من يصغي إليهم جيداً، ويتلقى الأفكار منهم بكل اهتمام.
أضف إلى ذلك أنَّ الإنصات الجيَّد يمنح صاحبه نوعًا من الهيبة، ويجعله يبدو في أعين الناس أكثر حكمةً وذكاءً. فضلا عن أن مَنْ يتحلى بقوة الإصغاء ويدرب نفسه على إتقانه يضمن حواراً راقياً واعترافاً حقيقياً بالآخر.
الطريق من هنا :
- الإنصات الفعال غير الاستماع، ويعني: «الاستماع باهتمام وبالجوارح كلها» من خلال ملامح الوجه، ولغة الجسد، والرسائل الإيجابية التي يبعثها المنصت المنتبه للمتكلم .. أي يطبق المثل القائل: «كلي آذان صاغية».
- هناك سلوكيات ودية للمنصت الجيد أثناء الاستماع منها: الابتسامة، والبشاشة، وهز الرأس، وإظهار التلهف، واستخدام الإشارات، والنظر إلى المتحدث مع تجنب تركيز النظر إلى عينيه.
- دع الآخر يهتم بمبادلتك الحديث فلا تحاول قراءة أفكاره علناً، واجعل ملامح وجهك تبدو مهتمة من خلال حركة الرأس وتعابير العينين ( الدهشة، التعجب.. )، وابق على تواصل دائم في النظرات معه، فهكذا تساعده على الاسترسال في الكلام وتشعره بأهميته.
- لا تهمل المشاعر غير اللفظية للمتحدث، كاحمرار الوجه ورفع الصوت ولغة العيون.
- استمع، ركز، ثم ناقش! فبهذا يكون نقاشك غنياً ومهنياً وعلى طريقة حوارية دقيقة، وتجعل المتحدث إليك يشعر بالارتياح وبأنك تريد الاستماع إليه، وتهتم بقضيته.
- إذا حضرت في وسط الحديث لا تتدخل مباشرة فيكون كلامك ثقيل الظل، بل انتظر حتى يستأنف الموضوع ويتم إخبارك به، ومن ثم استأذن لتأخذ دورك في الكلام.
- من أهم مقومات فن الإصغاء: عدم مقاطعة المتحدث، ومقاومة الرغبة الفورية في التحدث .. فالمقاطعة المتكررة تعطي انطباعاً سيئاً عنك في المجموعة، وتغضب الآخر وتجعله غير سعيد بالتحدث إليك، حتى ولو كنت تقاطع لتكمل جملة الشخص المتكلم نفسه.
- ليس من اللائق أبداً أن تكرر عبارة: ( ماذا قلت؟ )، أو ( ماذا كنت تقول؟ ) فهذا يعني عدم التركيز معه.
- إذا كنت تعتقد بأن انشغالك في تجهيز ردود على كلام محدثك وسرحانك ولو لبرهات قصيرة يمر من دون ملاحظته فاعتقادك خاطئ، لأن عينيك سرعان ما تكشف ذلك بسهولة.
- نستطيع أن نتعرف على الأفراد الذين لا يتمتعون بإنصات جيد من خلال سلوكيات واتجاهات معينة:
- التركيز على مظهر المتحدث وملبسه، التظاهر بالإنصات وهو على عكس ذلك، الامتعاض إذا كان يحتاج الموضوع إلى تركيز وجهد، صياغة الردود والاستجابات خلال حديث المتحدث، وأخيراً الاعتقاد بمعرفة ما يدور في رأس المتحدث.
- أن تتحلى بروح الدعابة شيء جميل، لكن لا تسرف بها كثيراً بينما الآخر يتحدث، أو تحولها إلى سخرية، فهذا يفقدك أهميتك ويجعل الآخرين لا يحملونك على محمل الجد.
- لا تستخف بكلام الآخر أو توجه إليه عبارات مثل: ( ما أسخف كلامك )، ( بديهي ما تقول فكلنا نعرفه ).
- لا تنتقد المتحدث بطريقة كلامه أو تجرحه أمام مجموعة.
- احترم مشاعر المتحدث مهما كانت ولا توبخه.
تصرفات مرفوضة :
هناك بعض التصرفات غير اللائقة التي يجب تجنبها أثناء تحدث أحدهم إلينا منها:
- العبوس.
- المشي أو إدارة الظهر له.
- السكوت التام والتجرد من أي تعابير.
- قضم الأظفار، أو قصها، أو تنظيفها. العبث بالشعر.
- مشاهدة التلفزيون، أو اللعب على الكمبيوتر، أو اللهو بأشياء أخرى.
- النظر إلى الساعة بشكل متكرر، أو الظهور بمظهر الملول الذي نفد صبره.
- قراءة جريدة أو مجلة.
- التثاؤب المتكرر أو النوم في مكاننا.
- النظر في كل مكان خارج إطار الحدث ( السماء، السقف، النافذة، الأغراض من حولنا...).
- الضحك لأنك تذكرت أمراً آخر.
وأخيراً .. لابد أن تعلم أن الإنسان ابن حاجته ومصلحته، فحينما تنصت لمحدثك من أجل أن تتعلم منه الأشياء التي تفيدك في حياتك، فإنك سوف تفعل ذلك وبإتقان، ولذلك أنصت لتتعلم وليس بالضرورة لتنتقد الآخرين.