معنى قول السيد المسيح : الذي رآني فقد رأى الآب

بقلم ابراهيم القبطي :

يقول أحد المسلمين :
يستدل النصارى على لاهوت المسيح بقوله الوارد في إنجيل يوحنا 14 : 9
” اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ ” ( ترجمة فاندايك )
ان ما اراده المسيح من هذه العبارة هو أنه “ من رأى هذه الأفعال التي أظهرها فقد
رأى أفعال أبي ” ، وهذا ما يقتضيه السياق الذي جائت به هذه الفقرة .

ثم يسبب المسلم أسبابه كما يلي :
1) لأن أسفار العهد الجديد اتفقت على عدم إمكان رؤية الله طبقاً للآتي :
_ ورد في إنجيل يوحنا 1 : 18 : (( الله لم يره أحد قط ))
_ ما ورد في إنجيل يوحنا 5 : 37 : (( والآب نفسه الذي أرسلني يشهد
لي لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته ))
_ ما ورد في رسالة يوحنا الأولى 4 : 12 (( الله لم ينظره أحد قط ))
_ ويقول بولس في 1 تيموثاوس 6 : 16 عن الله : (( الذي لم يره أحد ولا يقدر أن يراه ))
2) هذا التعبير جاء مرات عديدة ، دون أن يقصد به قطعا أي تطابق
وعينية حقيقية بين المفعولين .

مثلاً في إنجيل لوقا 10 : 16 يقول المسيح لتلاميذه السبعين الذين أرسلهم اثنين اثنين
إلى البلاد للتبشير: ” اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي ، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي ” .
( ترجمة فاندايك )

ولا يوجد حتى أحمق فضلا عن عاقل يستدل بقوله :
” اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي ” ، على أن المسيح حال بالتلاميذ أو أنهم المسيح ذاته !
وكذلك جاء في إنجيل متى 10 : 40 أن المسيح قال لتلاميذه :
” مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي ، وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي ” .
ومثله ما جاء في إنجيل لوقا 9 : 48 من قول المسيح في حق الولد الصغير :
” مَنْ قَبِلَ هَذَا الْوَلَدَ بِاسْمِي يَقْبَلُنِي ، وَمَنْ قَبِلَنِي يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي “.

وجاء نحو هذا المجاز أيضا ، في القرآن الكريم ، كثيراً كقوله تعالى :
” وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى “ . الأنفال : 17. أو قوله سبحانه :
” إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ “ . الفتح : 10، أو قوله :
” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ “. النساء : 80.
3) معلوم أن الله تعالى ليس جسما حتى يرى ، فمن رأى المسيح ومعجزاته وأخلاقه
وتعاليمه التي تجلى فيها الله تبارك وتعالى أعظم تجل ،
فكأنه رأى الله فالرؤيا رؤيا معنوية .

فهل هذا الإدعاء حقيقي ؟
الحقيقة .. أنه لا !! … لعدة أسباب منها :

1) السبب الأول :
ان المسلم كالعادة لا يملك أدوات التفسير المسيحي ، ولا يستشهد بأي أقوال لمفسرين
مسيحيين ، سواء من آباء الكنيسة الاولى أو من المفسرين المعاصرين ،
فبأي سلطة أو مرجعية نقبل كلامه وتفسيره ؟
لو قال بسلطان العقل فقط ، فهو نفسه لا يقبل هذا السلطان في تأويل قرآنه لكثرة
ما يخالف العقل فيها ، مما جعل المشرعين المسلمين يرفضون سلطة
العقل فوق النص والوحي ( أي النقل ) …